"عالم متعدد الأقطاب".. حقيقة تتشكل أم أسطورة؟
هل يتجه العالم نحو عالم متعدد الأقطاب أم ثنائي الأقطاب؟ وهل الأول حقيقة واقعية ستتشكل أم مجرد أسطورة؟
بالنسبة لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن الأمر لا يعدو عن كونه "أسطورة"، ولها أسبابها في تفسير ذلك.
تقول المجلة إن "من بين الحجج الأكثر إلحاحا التي ساقها الساسة والدبلوماسيون ومراقبو السياسة الدولية أن العالم أصبح متعدد الأقطاب أو قريبا"، مشيرة إلى أن من بين هؤلاء "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمستشار الألماني أولاف شولتز، ووزيرة خارجيته أنالينا بيربوك، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيراه البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، والروسي فلاديمير بوتين".
وفي هذا الصدد، تطرقت إلى تصريح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بأن العالم كان نظاما من "التعددية القطبية المعقدة" منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
كما تنتشر هذه الفكرة في عالم الأعمال، فمؤخرا أصدر بنك مورغان ستانلي الاستثماري ورقة استراتيجية بعنوان "الإبحار في عالم متعدد الأقطاب"، في حين تهتم كلية إنسياد، وهي كلية إدارة أعمال أوروبية رائدة بالمهارات القيادية في مثل هذا العالم.
لكن على الرغم مما يقوله الساسة والنقاد والمصرفيون الاستثماريون، فإن القول بأن عالم اليوم يقترب بأية حال من التعددية الأقطاب ليس إلا أسطورة، هكذا ترى "فورين بوليسي".
الأسباب في ذلك واضحة لدى المجلة الأمريكية، فالقطبية ببساطة تشير إلى "عدد القوى العظمى في النظام الدولي، ولكي يكون العالم متعدد الأقطاب يجب أن يكون هناك ثلاث قوى عظمى أو أكثر، واليوم لا يوجد سوى دولتين تتمتعان بالحجم الاقتصادي والقوة العسكرية والنفوذ العالمي اللازمين لتشكيل قطب: الولايات المتحدة والصين".
مضيفة "لا توجد قوى عظمى أخرى في الأفق، ولن تكون كذلك في أي وقت قريب. ومجرد وجود قوى متوسطة صاعدة ودول عدم انحياز ذات تعداد سكاني كبير واقتصادات متنامية لا يجعل العالم متعدد الأقطاب".
الميزانية العسكرية
في المقابل، يبدو غياب الأقطاب الأخرى في النظام الدولي واضحا إذا ما تم النظر إلى المرشحين الواضحين. ففي عام 2021 كانت الهند سريعة النمو ثالث أكبر دولة منفقة على الدفاع، وهو أحد المؤشرات لقياس القوة.
ولكن وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن ميزانية الهند العسكرية لا تتجاوز ربع ميزانية الصين. (وربما تكون الأرقام في الصين أعلى مما يُعتقد عادة).
و"اليوم، لا تزال الهند تركز إلى حد كبير على تنميتها. كما أن قواتها البحرية -وهي مقياس مهم للنفوذ في منطقة المحيط الهادئ الهندية- صغيرة مقارنة بالصين، التي أطلقت حمولة بحرية أكبر بخمسة أضعاف على مدى السنوات الخمس الماضية. وقد تصبح الهند ذات يوم قطبا في النظام، ولكن ذلك اليوم ينتمي إلى المستقبل البعيد".
الثروة الاقتصادية
الثروة الاقتصادية هي مؤشر آخر للقدرة على ممارسة السلطة، إذ تتمتع اليابان بثالث أكبر اقتصاد في العالم، ولكن وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي فإن ناتجها المحلي الإجمالي أقل من ربع الناتج المحلي الإجمالي للصين.
أما ألمانيا والهند وبريطانيا وفرنسا -وهي الاقتصادات الأربعة الأكبر التالية في العالم- فهي أصغر حجما.
كما أن الاتحاد الأوروبي لا يشكل قطبا ثالثا، حتى لو قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وآخرون هذه الرؤية بلا كلل.
وتقول "فورين بوليسي" إن الدول الأوروبية لديها مصالح وطنية متباينة، واتحادها عُرضة للانقسامات. وأنه على الرغم من كل هذه الوحدة الواضحة في دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، فإنه لا يوجد ببساطة أي دفاع أو أمن أو سياسة خارجية أوروبية موحدة.
روسيا.. مرشح محتمل؟
أما بالنسبة لروسيا فهي تظهر كمرشح محتمل للحصول على مكانة القوة العظمى استنادا إلى مساحة أراضيها، ومواردها الطبيعية الهائلة، ومخزونها الضخم من الأسلحة النووية، إلى جانب تأثيرها خارج حدودها.
ومع ذلك، تشير المجلة الأمريكية إلى أنه "في ظل اقتصاد أصغر من اقتصاد إيطاليا وميزانية عسكرية تعادل ربع ميزانية الصين على الأكثر، فإن روسيا غير مؤهلة لأن تصبح قطبا ثالثا في النظام الدولي، وعلى أقصى تقدير تستطيع أن تلعب دوراً داعما للصين".
الجنوب العالمي
من بين التنبؤات المنتشرة على نطاق واسع بين أولئك الذين يؤمنون بالتعددية القطبية، صعود الجنوب العالمي وتقلص موقف الغرب.
ومع ذلك، فإن وجود القوى المتوسطة القديمة والجديدة، كالهند والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا "لا يجعل النظام متعدد الأقطاب، حيث لا تتمتع أي من هذه البلدان بالقوة الاقتصادية والعسكرية" وفق تحليل فورين بوليسي الذي اعتبر القوة وغيرها من أشكال النفوذ، وبعبارة أخرى "تفتقر هذه الدول إلى القدرة على التنافس مع الولايات المتحدة والصين".
في سياق متصل، تم تفسير توسيع منتدى مجموعة "بريكس" في قمتها التي انعقدت في جوهانسبرغ، الشهر الماضي، باعتباره إشارة إلى أن النظام المتعدد الأقطاب قد وصل إلى مرحلة متقدمة أو على الأقل في مرحلة متقدمة.
ورغم ذلك، فإن المجموعة "ليست قريبة بأية حال من الأحوال من كتلة متماسكة، ورغم أن الدول الأعضاء قد تتقاسم وجهات النظر حول النظام الاقتصادي الدولي فإن مصالحها متباينة على نطاق واسع في مجالات أخرى".
وفي السياسة الأمنية -وهو المؤشر الأقوى على الانحياز- هناك خلاف بين أكبر عضوين، الصين والهند، وفي الواقع فإن صعود بكين يدفع نيودلهي إلى التحالف بشكل أوثق مع الولايات المتحدة، بحسب التحليل.
أما بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يروجون لفكرة التعددية القطبية، فهي مفهوم معياري، فمن جهة تُعتبر أملا بأن عصر الهيمنة الغربية قد انتهى وأن القوة قد انتشرت أو ينبغي أن تكون منتشرة.
ويعتبر الأمين العام للأمم المتحدة التعددية القطبية وسيلة لإصلاح التعددية وتحقيق التوازن في النظام العالمي.
أما المعسكر الأوروبي فينظر إلى التعددية القطبية باعتبارها البديل المفضل للقطبية الثنائية، لأنه من المعتقد أن الأولى تعمل على تمكين عالم تحكمه القواعد بشكل أفضل، وتسمح بشراكات عالمية مع جهات فاعلة متنوعة، وتمنع ظهور كتل جديدة.
وينظر كثيرون في الغرب إلى فكرة التعددية القطبية باعتبارها نظاما أكثر عدالة، وطريقة أفضل لإحياء التعددية، وفرصة لإصلاح الانفصال المتزايد مع الجنوب العالمي.
aXA6IDMuMjM5LjMuMTk2IA== جزيرة ام اند امز