4 سيناريوهات بحثا عن مرشد للإخوان.. وفاة منير تزيد التنظيم تمزقًا
لا تزال جماعة الإخوان الإرهابية تعيش في أزمة عقب وفاة القائم بعمل مرشدها، إبراهيم منير، واختيار آخر مؤقت له.
لا يكاد يهدأ صراع المناصب والقيادة في جماعة الإخوان إلا وينشب من جديد، وهذه المرة داخل "جبهة لندن" بعد وفاة نائب المرشد إبراهيم منير، مما ينذر بمشاكل بنيوية تنظيمية شديدة التعقيد، ربما تعصف ببقائها مستقبلًا، أو على أقل تقدير تضعف قدراتها التنظيمية والدعائية.
فبعد إلقاء السلطات المصرية القبض على "محمود عزت" نائب المرشد والرجل القوي في الجماعة، في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ، ومن ثم انتقلت القيادة إلى إبراهيم منير نائب المرشد والمقيم في لندن,
رفض أمين عامة الجماعة محمود حسين أسلوب منير في الإدارة ، فانفجر الخلاف بينهم على القيادة وتحولت الجماعة إلى ثلاث جبهات.
شمل الانقسام الحاد كل قيادات صف الأول والثاني وحتى آخر مستوى تنظيمي، فتحولت الجماعة إلى ثلاثة تنظيمات لكل منها مجالسه ومكاتبه وقنواته الإعلامية، أقواهم جبهة لندن بقيادة منير، ثم جبهة إسطنبول بقيادة حسين وهي أقل عددًا، لكنها متماسكة ومتصلة بالداخل المصري وتحظى بتأييد خيرت الشاطر ورجاله في الجماعة، ثم جبهة المكتب العام أو "الكماليون" وهم أقل عددا وأقل تماسكًا ولكنهم يملكون خطابًا حادًا يمكن تسويقه بين صفوف الشباب ويسهل إيجاد راعٍ له ليستخدمهم كيف يشاء.
مزيد من التشظي
فجأة توفي إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بالأعمال، صباح الجمعة، ووجد الإخوان أنفسهم في مأزق اختيار الشخص المناسب الذي سيؤول إليه قيادة الجماعة، فخلافة إبراهيم منير لم ولن تكون أمرًا يسيرًا.
أعضاء الهيئة الإدارية العليا مطعون في صحتها من قبل فريق كبير مهم في التنظيم، وهم جبهة محمود حسين، كما أن منير كان حجر الزاوية في الاعتراف المؤسسي بشرعية هذه الجبهة لائحيًا ووجوده كان كافيًا لإبطال هذا الطعن، فهو من ناحية نائب المرشد وتم تكليفه بشكل صحيح للقيام بأعمال المرشد بعد إلقاء القبض على محمود عزت القائم بالأعمال
ومع احتفاظه بمنصبه كأمين عام التنظيم الدولي، نال منير رضى وقبول التنظيمين المصري والدولي، كما أن سماته الشخصية الهادئة لم تجعله مرفوضا من باقي الجبهات بل مرحبا به كنقيض لمحمود حسين المعروف عنه الإقصاء والتعنت والصلف في الحوار.
إن سرعة إعلان جبهة منير تعيين "محيي الدين الزايط" بتولي مهام إبراهيم منير مؤقتًا لحين اختيار نائب جديد للمرشد، لا تعني اتفاق الجميع عليه، ولا تعني اختياره نائبًا للمرشد، إنما تعني أنه فقط مكلف بإدارة الجماعة بشكل مؤقت، لمنع التنظيم من الانشقاق مرة ثانية أو كخطوة لوقف الصراع على خلافته بين أعضاء الهيئة الإدارية العليا، وتتيح في نفس الوقت للمخضرمين في الجماعة فرصةً لاختيار البديل المناسب.
من المؤكد أن أمام الجماعة مهمة خطيرة فاختيار نائبًا للمرشد، سيحدد لحد بعيد شكل الجماعة في الفترة المقبلة وقدرته على لم الشمل وإنهاء الانشقاق ، وكذلك التفرغ لوضع حل جذري مع الدولة المصري لإنهاء ملف المحبوسين وعودة الفارين، وأي تسرع أو تأجيل سيؤديان إلى تجدد الصراعات داخل الجبهة الواحدة ويشتت التنظيم.
وكذلك عليهم اختيار أمين عام للتنظيم الدولي ويكون مناسبًا لائحيًا ولائقًا لأداء مهامه في التنظيم الدولي، وتزداد المهمة صعوبة لو أنهم أرادوا أن يدمجوا المنصبين في شخص واحد ، كما فعلها "منير" الفترة الماضية.
مأزق خلفاء منير المحتملين، يتمثل في أنهم لا يملكون مميزات "منير"، فلا أحد منهم عضو مكتب إرشاد، ولا أحد منهم يمتلك رضى التنظيمين المصري والدولي,
المرشحون من قبل التنظيم الدولي مثل: محمود الإبياري أو محمد البحيري أو يوسف ندا، غير معروفين بالداخل المصري حاليًا، وليس لهم خبرة في التعامل مع المكاتب الإدارية الجديدة، ولا يعلمون خبايا قنوات الاتصال بالداخل.
أما من يعرفون تفاصيل الداخل المصري مثل: حلمي الجزار أو محي الدين الزايط ، فلا يملكون بقول التنظيم الدولي لهم ولا يعرفون أسراره ومصادر التمويل، والجماعة في هذه اللحظة أمامها أربع سيناريوهات.
السيناريو الأول: محي الدين الزايط
يعني استمرار الانشقاق حتى بين جبهة لندن، فرغم إعلان الجماعة المتسارع بتكليف محيي الدين الزايط بصفته نائبًا عن إبراهيم منير في إدارة "الهيئة الإدارية العليا"، إلا أنه وباعترافه في المقابلة التي جرت معه مساء الجمعة الماضي على قناة الجزيرة القطرية أكد أنه لم يتم تكليفه بمنصب نائب المرشد أو القائم بالأعمال، إنما هو يدير الجماعة بشكل مؤقت فقط لحين قيام مؤسسات الجماعة بدورها واختيار نائب المرشد والقائم بالأعمال.
رغم هذا فمن المحتمل أن يستمر الزايط في عمله كنائب لمنير، وهذا يعني مزيدا من الخلافات بين جبهة لندن وبين جبهة اسطنبول، بل ربما سيتسبب في تفجر خلافات بين قيادات جبهة لندن ذاتها، نظراً لرفض البعض له بسبب طبيعة الزايط الشخصية التي لا تسمح له بالتفاهم وإدارة النقاش، وقد تدفعه لاتخاذ قرارات مندفعة مما سيوقعه في مشكلات كبيرة مع الشباب الذين يميلون إلى التفكير الحر والمشاركة في اتخاذ القرار.
ولعل ارتباك الزايط الملاحظ أثناء المقابلة بالجزيرة يؤكد أن ثمة خلافات بين أعضاء الجبهة، وعلى وجه الخصوص أن من أعلن وفاة منير المتحدث الإعلامي رغم أن المتعارف عليه أن يكون المتحدث الرسمي أسامة سليمان هو من يعلن مثل هذا الخبر أو هو من يعلن خبر تكليف الزايط بمهام منير.
لهذا إن تم اختياره ستتضاءل أمام الإخوان فرصة لم شمل الجماعة وسيدخلون في موجة انشقاقات وصراعات واستقالات كبيرة
السيناريو الثاني: حلمي الجزار
ويعني استمرار نهج محاولة التصالح مع الدولة المصرية، فحلمي الجزار وهو أحد قيادات السبعينات، يعد من شركاء عبد المنعم أبو الفتوح في التأسيس الثاني للإخوان، عندما ساهم بضم عناصر الجماعة الإسلامية المصرية إلى صفوف التنظيم الإخواني.
يتميز "الجزار" بثقة أعضاء "الهيئة الإدارية العليا"فهو من تحدث باسمهم في الحوار الشعبي الموازي، الذي قاده أيمن نور المعارض المصري والمتحالف مع الإخوان في باريس، وقام بالرد على كافة الأسئلة عبر المنصات الإعلامية الإخوانية، متوغلًا على دور المتحدث الرسمي أسامة سليمان الذي اختفى صوته عن الساحة مؤخرًا، بدون مبرر منطقي.
اختيار الجزار يعني استمرار الجماعة نحو خيارها السياسي المعلن بالكف عن التنافس الحزبي والصراع على الرئاسة، والانكفاء على الداخل الإخواني لترميم التنظيم وتجديد الخطاب العام، ووضع مشروع بديل عن مشروع الإخوان بعد 2013.
وقد يسمح الجزار باندماج عدد من الإخوان المفصولين من قبل جبهة "المكتب العام" أو "الكماليون" وسيدعم قنوات الاتصال والوساطة مع الدولة المصرية لحل مشاكل الإخوان المسجونين، لكن يقف أمامه عائق عدم قبول تيار محمود حسين له، وموقفه من رابعة وعدم حضوره على منصتها وعدم تبنيه خيار العنف الذي أقره مكتب الإرشاد قبل الفض.
السيناريو الثالث: محمد البحيري
اختياره يعني تطوير مشروع منير ولم الشمل، فمن الممكن أن يختار الإخوان شخصًا يملك القبول من التنظيم الدولي ولديه بعض القبول من التنظيم المصري، وهذه الصفات متوفرة في محمد البحيري القيادي القطبي فقط، نظرًا لأن كثيرا من شباب الإخوان الذين سافروا للعمل في اليمن في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، يدينون له بالفضل ويمثل لهم قيمة تربوية وتنظيمية خاصة جدا، تلاميذه بعضهم الآن يديرون مكاتبً إدارية بالجماعة ويحتلون مناصب مفصلية في التنظيم ومن الممكن أن يكونوا سنده في إدارة الداخل.
يقف أمام البحيري عقبة التعامل مع أسرار التنظيم بالداخل ومعرفة قنوات الاتصال، والتعامل مع المكاتب التي تدين بالولاء لمحمود حسين، الذي لن يعترف به، كما لن ينسى شباب الإخوان أن البحيري هو من قام بطردهم من بيوت الجماعة في السودان، بعد أن اختلفوا معه في بعض الأمور الشكلية، وهو من أشاع عنهم أنهم عملاء لأمن الدولة أو أنهم مخربون يتبعون داعش.
وبالتالي لن يتمكن من لم شمل التنظيم وإنهاء حالة الانقسام الحاد التي تعاني منها الجماعة، وتمنعها من استكمال دورها الوظيفي في المنطقة.
السيناريو الرابع: شخصية توافقية
من المحتمل جدًا وفق تجارب سابقة أن يقوم الإخوان اختيار شخص غير مشهور إعلاميًا ولا داخل الصف الإخواني، له سمت الهدوء ولا يعرف عنه الميل للعنف اللفظي، وأن يكون طيعًا بين يدي أعضاء الهيئة ولا يملك أحد الطعن في تاريخه، على أن يتم معه اختيار أمين عام للتنظيم الدولي.
هذه التوليفة لا تتشكل إلا باختيار محمد عبد المعطي الجزار نائبًا للمرشد واختيار محمود الإبياري أمينًا للتنظيم الدولي.
الجزار الكبير هو الأكبر سنًا من كل الموجودين، كما أنه كان من المحكوم عليهم في قضية تنظيم 65 مع سيد قطب، وبالتالي سيمنع قفز جيل السبعينات على الجماعة، أما الإبياري فقد كان مساعدًا "لمنير" ويعلم خبايا وأسرار التنظيم وتمويلاته وشركاته ومسارات العمل .
بهذا الاختيار يمكن أن يصدر قرارات بإعادة النظر في من تم فصلهم من الإخوان، وعلى رأسهم عضو مكتب الإرشاد محمود حسين كبداية للم الشمل وإنهاء حالة الانقسام، مع استكمال مشروع منير والهيئة الإدارية العليا.
جبهة إسطنبول والقيادة الجديدة
لا توجد أي فرصة حقيقية لمحمود حسين لتولي قيادة الجماعة، ما لم تقم جهة مقبولة لائحيًا بإلغاء فصله وتجريده من مناصبه.
لهذا تم استبعاد "محمود حسين" و"مصطفى طلبة" من الخلفاء المحتملين، رغم تمتعهما بتأييد خيرت الشاطر.
وأكدت مصادر لـ"العين الإخبارية" أن جبهة محمود حسين ستقوم بإصدار بيان خلال الأيام المقبلة تُعفي فيه اللجنة المشكلة لاختيار قائم بأعمال مرشد الإخوان.
وسيتم اختيار بديل "منير" من بين تلك اللجنة، وهو ما سينعكس على الصراع الدائر بين الجبهتين المتناحرتين وعلى دعوات الفوضى التي أطلقوها للتظاهر في مصر منتصف 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وقالت المصادر، إنه سيتم اختيار القائم بعمل المرشد من قبل مجلس شورى الإخوان الذي تم اختياره في يوليو/تموز الماضي، ويضم نحو 40 عضوًا. وتنص اللائحة على أن مجلس الشورى هو الوحيد المعني باختيار المرشد أو من ينوب عنه.
وأصرت الجماعة على عقد الاجتماع قبل الشروع في مراسم دفن جثة "منير" بعد حالة تخبط وارتباك عصفت بها بعد اختيار بديل لمحي الدين الزايط.وضغطت أجنحة داخل الجبهة نفسها لاختيار محمد البحيري بدلًا من الزايط، إلا أنه تم الإسراع بمنح شؤون اللجنة إلى النائب الذي تم اختياره سابقًا.
وصية بـ"الفوضى"
كان إبراهيم منير، حضر، الخميس الماضي، قبل إعلان وفاته بيوم واحد اجتماعًا عبر تطبيق "زووم" لعدد من أعضاء مجلس شورى الإخوان، في إطار مؤامرة الإخوان للخروج في مظاهرات الفوضى التي قررت جماعة الإخوان الإرهابية تنظيمها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لها، إلا أنه شعر بالإعياء الشديد.
وطالب إبراهيم منير في الاجتماع قبل أن يُغادر الاجتماع بما سماه "التعامل الإيجابي" مع دعوات التظاهرات.
بعدها شعر منير بألم في رأسه، دخل على إثره المستشفى، حيث تم اكتشاف إصابته بجلطة دماغية لفظ على خلفيتها أنفاسه الأخيرة بعد أن قام بتوصية الإخوان بالتظاهر في هذا اليوم.