وفاة إبراهيم منير ومصير جماعة الإخوان.. الملف الكامل
أثار الإعلان عن وفاة القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان إبراهيم منير، اليوم الجمعة، تساؤلات حول مصير الجماعة المنقسمة بالأساس لعدة جبهات تنطلق من الخارج والداخل من إسطنبول ولندن والقاهرة.
ومن التساؤلات التي طرحتها الوفاة المفاجئة لأحد شيوخ الجماعة المصنفة إرهابية ومحظورة في عدد من البلدان العربية على رأسها مصر والسعودية والإمارات، من سيخلف منير الذي كان بمثابة أحد صقور تلك الجماعة بقدر من كان عنوانا لخلافاتها وتشظيها منذ 2013 عقب سقوط حكم الجماعة في مصر إثر ثورة شعبية.
"العين الإخبارية" تفتح ملف جماعة الإخوان المسلمين بنظرة مختلفة تضع في الحسبان وفاة إبراهيم منير قائد جبهة لندن في الجماعة، لتطرح رؤية حول مستقبل تلك الجماعة ومآلاتها الهيكلية والتنظيمية، خاصة مع محاولة الإخوان مؤخرا استعادة أرضية لإعادة تنظيم صفوفها بعد ضربات أمنية متلاحقة وعزلة شعبية غير مسبوقة.
إعلان وفاة إبراهيم منير
أعلنت جماعة الإخوان رسميا، اليوم الجمعة، وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير، عن عمر ناهز 85 عاما في العاصمة البريطانية لندن.
منير من مواليد محافظة الدقهلية (شمال مصر) عام 1937، وكان قطبا بارزا في التنظيم الدولي للإخوان ويعيش منذ عقود في بريطانيا، وتولى منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان في أعقاب القبض على محمود عزت في أغسطس/آب 2020.
وشغل عزت منصب القائم بالأعمال منذ القبض على مرشد الجماعة محمد بديع في 2013.
وفي وقت لاحق نشب صراع بين منير وجبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، ما أدى لقرار من الجبهة بعزله من منصبه، حيث عزلت جبهة منير حسين وقيادات في مجموعته، ما وضع الجماعة للمرة الأولى في تاريخها أمام أزمة شرعية في المنصب الأرفع داخل تنظيم يعمل بمبدأ السمع والطاعة.
سبب وفاة إبرهيم منير
كشف القيادي الإخواني خالد حمدي عن سبب وفاة القائم بأعمال مرشد الإخوان إبراهيم منير، عن عمر ناهز 85 عاما في العاصمة البريطانية لندن.
وقال حمدي، في تغريدة على تويتر: "توفي -وهو ابن الخامسة والثمانين- في أثناء لقاء له مع إخوانه عن ُبعد، قام خلاله للوضوء فعاد من وضوئه وهو يتوجع من بعض الألم في رأسه تبين بعدها أنها جلطة في المخ تُوفي بعدها بساعات".
وتنظر محكمة مصرية منذ عام 2021 في قضية متهم فيها منير بتمويل الإرهاب ويحاكم غيابيا.
وخلال شهوره الأخيرة قبل الوفاة سعى منير للإيحاء بتراجع الجماعة عن نشاطها السياسي في مصر، فيما قال مراقبون إنها محاولة لاستعادة الإخوان أرضية لإعادة تنظيم صفوفها بعد ضربات أمنية متلاحقة وعزلة شعبية غير مسبوقة.
وجهان لإبراهيم منير
أحد القيادات والوجوه القديمة البارزة في الجماعة كان إبراهيم منير، وبقدر أهميته وكاريزميته داخل صفوف الجماعة وتأثيره التنظيمي على الموالين لجبهته كان كشخصية مليئة بالتناقضات، يمكن وصفه أنه صاحب وجهين معلن وخفي.
أما الخفي فكان باعتراف منير نفسه بأنه كان حلقة وصل بين الأمن المصري والجماعة، وصولا في آخر ظهور إعلامي له قبل وفاته إلى التلميح باستعداد الجماعة للتخلي عن السياسة مقابل المصالحة مع النظام المصري، فهل كان يريد منير الجماعة أم يسعى لتفكيكها؟
ولم يُخفِ منير علاقته بأجهزة الأمن المصرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إذ اعترف في تسجيلات تلفزيونية بأنه كان حلقة وصل بين التنظيم وجهاز المباحث العامة المصري.
منير الذي وصل إلى منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، كان متهما في قضية تنظيم سيد قطب وحكم عليه بالإعدام، قال في اعترافاته التلفزيونية إنه تم استخدامه من قبل ضابط كبير في المباحث العامة خلال الستينيات من القرن الماضي، لكتابة التقارير والإجابة عن التساؤلات وشرح الوثائق والبيانات والمصطلحات التنظيمية وشرح كتاب معالم في الطريق لسيد قطب.
وكشف منير عن أنه التقى اللواء حسن أبوباشا أحد أهم ضباط وزارة الداخلية في ذلك الوقت، والذي تولى منصب وزير الداخلية في الثمانينيات من القرن الماضي.
ولم تمنع هذه العلاقة منير من الاعتقال، إذ تم اعتقاله عام 1965 ومحاكمته في قضية تنظيم سيد قطب.
منير كان صاحب تاريخ طويل داخل الجماعة ولكن محطته الأبرز تقدمه بطلب للجوء السياسي إلى بريطانيا في السبعينيات من القرن الماضي، ووافقت لندن على الطلب ومنحته إياه، ليتولى بعد ذلك مسؤولية الأمانة العامة للتنظيم الدولي وهو ينتمي للتيار القطبي داخل الجماعة، الذي ينتهج أفكار التكفير وجاهلية المجتمعات وتوظيف العنف لتحقيق أهداف التنظيم الإخواني.
وفي 2009، اتهم منير في القضية المعروفة إعلاميا بمصر باسم قضية "التنظيم الدولي للإخوان"، وحكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 5 سنوات، قبل أن يصدر الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي قرارا رئاسيا بالعفو عن منير في أغسطس/آب 2012 بعد نحو الشهر من توليه الرئاسة.
قطبية منير لم تمنعه من التلون والظهور بوجه جديد بدا هادما لأفكاره القطبية في آخر ظهور إعلامي له عندما أدلى بتصريحات لوكالة "رويترز" حاول فيها كسب ود السلطات المصرية، قائلا إن "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة من خلال صناديق الاقتراع"، وهو ما اعتبره البعض مبادرة للتصالح مع النظام المصري، الذي يوجه ضربات موجعة للتنظيم الإرهابي.
نبرة منير التصالحية حملت العديد من التفسيرات لدى المراقبين أحدها يقول إن منير يحاول سحب البساط من تحت جبهة إسطنبول وغريمه محمود حسين وتفسير آخر يرى في تصريحات منير قبل إعلان وفاته بنحو شهرين كانت محاولة لبعث الجماعة مجددا داخل الشارع المصري وكسب ود النظام السياسي الحاكم.
لكن ورغم ذلك كان منير قبل وفاته يحاكم غيابيا أمام القضاء المصري، في القضية المتهم فيها القيادي الإخواني السابق عبدالمنعم أبوالفتوح و24 متهما آخرين، بتهمة نشر أخبار كاذبة.
وفي شهر فبراير/شباط الماضي، أيد القضاء المصري قرار إدراج إبراهيم منير ضمن قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية.
من سيقود تنظيم الإخوان؟
وفاة نائب مرشد تنظيم الإخوان يراها البعض بمثابة ضربة قوية جديدة للجماعة، التي تعاني بالأساس من صراعات وتصدعات غير مسبوقة في تاريخها منذ تأسيسها عام 1928.
وتوقع مراقبون أن تزيد وفاة منير وتيرة الصراع حول من يخلفه في ظل الصراع القائم مع جبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة في إسطنبول، والذي لم ينته حتى الموت، حيث أصدرت بيانا لم يحمل منصبه داخل التنظيم ونعتته بـ"الأستاذ".
ووفق محللين فإن منصب" قائم بأعمال المرشد" تتصارع عليه أكثر من جهة وتيار داخل الجماعة، لذا من المتوقع أن تحسم الإخوان (جبهة منير) من سيخلفه بسرعة وبشكل لائحي منعا لمزيد من التفتت والتشظي، فثمة إشارات قوية أن مجلس شورى الإخوان سيجتمع في الساعات القادمة لاختيار نائب للمرشد، يقوم مقام المرشد في إدارة الجماعة.
من يخلف منير؟
مجلس شورى الجماعة، أعلى سلطة تشريعية بالجماعة، مسؤول عن انتخاب أعضاء مكتب الإرشاد، الذي يخرج المرشد من بينهم، وأعضاؤه يدينون بالولاء لإبراهيم منير ولجبهة لندن، وتم انتخاب أعضائه في الخارج، لاستكمال نصابه القانوني، نظرا لحبس العديد من أعضائه السابقين في جرائم إرهاب بمصر.
ووفق قاعدة الأكبر سنا فإن عضو مجلس الشورى محمد عبدالمعطي الجزار، أقرب المرشحين لتولي المهمة، وهو من "القطبيين" أي الجيل الثاني في الجماعة الذي يحظى بالشرعية التاريخية.
يتساوى "الجزار" مع "محمود عزت" و"إبراهيم منير" فقد كان أحد المتهمين مع سيد قطب في تنظيم 65، ثم صدر الحكم عليه في 20 أغسطس/آب 1966 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 سنة.
وعقب نشوب الخلافات والصراعات بين جبهات الإخوان المختلفة انحاز عبدالمعطي الجزار إلى "جبهة منير"، ومن ثم قامت جبهة "حسين" بفصله في ١٢ يوليو/تموز ٢٠٢٢م من الجماعة ومن تشكيلاتها هو وثلاث عشرة قيادة إخوانية على رأسهم نائب المرشد القائم بالأعمال إبراهيم منير.
أما إذا وقف انتماؤه السابق لجماعة التبليغ حائلا أو حالته الصحية في تعيينه، فإن فرص محيي الدين الزايط (عضو مجلس شورى الجماعة) أو حلمي الجزار تظل أكبر، لما يتمتعان به من قدرات تنظيمية لإدارة الجماعة، وقبول من الداخل فكلاهما من جيل السبعينيات، الجيل الثالث الذي يحمل الشرعية التاريخية.
محيي الدين الزايط الذي كان مسؤول العمل الطلابي لفترة طويلة، وتولى قيادة المكتب الإداري للجيزة وعضو مجلس الشورى، بدوره يتميز بقدرته الخطابية والتربوية والإدارية، ويلقى تأييد العديد من المكاتب الإدارية الداخلية لترفعه عن التورط في مشاكل الجماعة.
انهيار أم تشظٍّ أكبر؟
مرحلة جديدة يدخلها الإخوان بوفاة القائم بعمل مرشدهم إبراهيم منير، قد تكتب شهادة انهيار تنظيم دخل منذ فترة مرحلة تشظٍ وثقت أسوأ فصول وجوده.
ارتباك يضرب التنظيم عقب وفاة يرى مراقبون أنها أسقطت كل المبررات اللائحية التي اتخذتها جبهته عندما نصبت "منير" قائمًا بعمل مرشد الإخوان بعد إلقاء القبض على نائب المرشد محمود عزت، والقائم بعمل مرشد الجماعة قبل سنوات.
رغم ما يبدو عليه الأمر من وضوح خليفة منير بجبهة لندن إلا أن محللين يرون أنه من المبكر الحكم إذا كانت وفاة "القائم بالأعمال" تطوي صفحة الخلاف بين الجبهات المتصارعة أم تخلق صراعا وجبهات جديدة، فالخلاف بين التيارين لم يكن شخصيا أو مرتكزا على كاريزما شخص بعينه، فإذا مات انتهت معه أسباب الصراعات والخلافات، لكن يمكن القول إنه بوفاته فقدت "جبهة لندن" الشرعية التنظيمية واللائحية التي كانت تعطيها الحق في اتخاذ القرارات التي اتخذها القائم بالأعمال في السابق، مثل الدعوة لانتخاب مجلس شورى جديد، وإحالة حسين ومجموعة الستة للتحقيق، ثم فصلهم من الجماعة والتنظيم لاحقا.
وبالمقابل فإن صفحة الشقاق قد تستمر نظرا لزيادة قوة جبهة إسطنبول من الناحية اللائحية، فجبهة محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، الوحيد خارج السجن والباقي على الحياة، وتنطبق عليه شروط تقلد منصب نائب المرشد والقائم بأعماله.
كل الخيارات مفتوحة وكل الاحتمالات واردة في ظل الفوضى التنظيمية التي تعاني منها الجماعة منذ 2013، وعقب فرار العديد من الإخوان للخارج وانتقال قيادة الجماعة من داخل القاهرة إلى لندن وإسطنبول.
جبهة حسين والقفز للواجهة
في أول تعقيب من جبهة محمود حسين على الوفاة، قدمت نعيا معنونا بـ"جماعة الإخوان المسلملين" تنعى الأستاذ إبراهيم منير، دون ذكر منصبه في الجماعةـ ما اعتبره مراقبون بداية لمزيد من الصراع.
واعتبر آخرون أن إخوان الداخل المصري هم القادرون على حسم الخلاف، وسط تأويلات عدة حول إمكانية خروج تصريح من داخل السجون يقلب الموازين رأسا على عقب، ويتم تكليف شخصية إخوانية سرية من الداخل المصري، هذا ما ستسفر عنه الساعات المقبلة.
كما علمت "العين الإخبارية" أن جبهة محمود حسين ستُعلن عما قريب "حسين" قائمًا بأعمال المرشد بديلًا لمصطفى طلبة، خاصة أن الظروف باتت مواتية له.
كما علمت من مصادرها أن انخفاض نبرة جبهة محمود حسين في انتقاد الجبهة المناوئة له كان يحمل في طياته سيناريو إعلان "حسين" قائمًا بأعمال مرشد الإخوان.
وقالت مصادر خاصة من داخل التنظيم إن جبهة محمود حسين ستعطي فرصة لكل من انحاز إلى جبهة إبراهيم منير حتى يتبرأ من التبعية السابقة ويُعلن ندمه على ذلك ويعود إلى أحضان التنظيم "الجديد" حتى يستطيع "حسين" تفكيك ما تبقى من جبهة "منير" المنهارة.
كما علمت "العين الإخبارية" من مصادرها أيضًا أن ثمة اجتماعًا للهيئة الإدارية العليا للإخوان منعقدًا الآن قبل أن يتم دفن إبراهيم منير، حيث تم تشكيل هذه الهيئة كي تكون بديلًا لمكتب الإرشاد، والتي تتكون من 13 عضوًا من أعضاء الشورى لترتيب الأوضاع وعدد من ملفات الجماعة.
الكل خاسر والانهيار أقرب
الخبير البارز في شؤون حركات الإسلام السياسي، الدكتور هشام النجار، يرى أن تنظيم الإخوان بكل أجنحته سيتأثر سلبا، وسيخسر كثيرا بوفاة منير.
وأكد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن جبهة محمود حسين والكماليين (التيار الثالث) لن يستغنوا عن جبهة يستثمرون سياسيا من خلالها مواقفهم الحادة وعنفهم وتحريضهم.
وقال النجار إنه ربما تشكل وفاة منير ظاهريا مكسبا للجبهات الأخرى المنافسة (جبهتي محمود حسين والكماليين أو التيار الثالث)، لكن في واقع الحال تعد الجماعة برمتها خاسرة بالنظر لوزن إبراهيم منير التنظيمي، وأهميته في سياق نشاطات التنظيم الدولي للإخوان.
وأوضح أن منير بعلاقاته مع شخصيات وأجهزة غربية كان يفيد مجمل كيان الجماعة ويمنحها القدرة على الصمود والاستمرار بصرف النظر عن الخلافات الموجودة داخل التنظيم.
ونبه الخبير السياسي المصري إلى أنه "خلافا للصورة الظاهرة الطافية على السطح بشأن الخلافات والصراعات بين جبهات داخل جماعة الإخوان على القيادة والنفوذ والثروة والتمويل، إلا أن هناك تبادلا للأدوار وتلاقيا للمصالح بين الجبهات الثلاث".
وخلص الخبير السياسي إلى أنه بوفاة منير، فإن الجماعة بكل أجنحتها خاسرة، وستتأثر سلبا حتى جبهة محمود حسين والكماليين؛ لأنهم لن يستغنوا عن جبهة يستثمرون سياسيا من خلالها مواقفهم الحادة وعنفهم وتحريضهم.
محيي الزايط خلفية إبراهيم منير
ولاحقا أعلن محيي الدين الزايط عن نفسه كخليفة لإبراهيم منير على رأس الإخوان.
الزايط، عبر لقاء تلفزيوني، في الساعات الأولى من صباح السبت، أكد توليه المهام الإدارية لجماعة الإخوان، حتى انتخاب قائم بأعمال المرشد.
ولفت إلى أنه "كان يساعد منير بالفعل في إدارة الهيئة العليا، وأنه كان يتولى بعض الأمور حال غيابه بشكل مؤقت".
والزايط، كان قد تولى قيادة المكتب الإداري للإخوان بالجيزة كما أنه عضو بمجلس شورى الجماعة، وكان مسؤول العمل الطلابي لفترة طويلة.
وهو من أبناء التأسيس الثاني للجماعة في سبعينيات القرن العشرين، مع عبد المنعم أبو الفتوح، وكان من قيادات الجماعة الإسلامية قبل الانضمام لتنظيم الإخوان،
لكن ظروفه الصحية غير مواتية، نظرا لمعاناته من بعض الأمراض المزمنة، وقد تحول دون قدرته على إدارة التنظيم المهترئ الذي يعاني من انقسامات حادة.
https://al-ain.com/article/mohi-alzayt-munir-brotherhood
aXA6IDE4LjIxOC45OS44MCA=
جزيرة ام اند امز