إبراهيم منير.. من "حلقة الوصل" مع الأمن المصري إلى مرشد الإخوان
بوفاة إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، يكون القدر قد طوى صفحة من تاريخ التنظيم الإرهابي مليئة بالتناقضات.
فمنير الذي اعترف بنفسه بأنه كان حلقة وصل بين الأمن المصري والجماعة، وصل إلى منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، كما أنه كان متهما في قضية تنظيم سيد قطب وحكم عليه بالإعدام، إلا أنه في آخر ظهور إعلامي له ألمح إلى استعداد الجماعة للتخلي عن السياسة مقابل المصالحة مع النظام المصري.
نشأة في كنف التنظيم القطبي
ولد منير في عام 1937 بمدينة المنصورة بدلتا مصر، وانتقل في صغره إلى الجيزة، وتخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1952، وانضم لجماعة الإخوان الإرهابية في شبابه، وكان المتهم رقم 30 في قضية التنظيم الإخواني عام 1965، الذي أسسه القيادي الإرهابي سيد قطب، وحكم على منير في القضية بالإعدام، ثم خفف للسجن عشرة أعوام حيث أطلق سراحه عام 1975.
وهرب منير من مصر، حيث عاش لفترة في الكويت، حيث أسس عددا من المراكز الإسلامية والجمعيات والشركات في دول الخليج، لتكون ستارا لعمل التنظيم الإرهابي، ثم تقدم بطلب للجوء السياسي إلى بريطانيا في السبعينيات من القرن الماضي، ووافقت لندن على الطلب ومنحته ليتولى بعد ذلك مسؤولية الأمانة العامة للتنظيم الدولي، وكان ممثلا عن لجنة الاتصال الخارجي بالتنظيم.
علاقة وطيدة بالأمن المصري
ولم يُخفِ منير علاقته بأجهزة الأمن المصرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إذ اعترف في تسجيلات تلفزيونية بأنه كان حلقة وصل بين التنظيم وجهاز المباحث العامة المصري.
منير قال في اعترافاته التلفزيونية إنه تم استخدامه من قبل ضابط كبير في المباحث العامة خلال الستينيات من القرن الماضي، لكتابة التقارير والإجابة على التساؤلات وشرح الوثائق والبيانات والمصطلحات التنظيمية وشرح كتاب معالم في الطريق لسيد قطب.
وكشف منير أنه التقى اللواء حسن أبوباشا أحد أهم ضباط وزارة الداخلية في ذلك الوقت، والذي تولى منصب وزير الداخلية في الثمانينيات من القرن الماضي.
ولم تمنع هذه العلاقة منير من الاعتقال، إذ تم اعتقاله عام 1965 ومحاكمته في قضية تنظيم سيد قطب.
وعقب سفره إلى لندن عمل منير مديرا في الجمعية الخيرية الإسلامية للإغاثة الإنسانية وصندوق التكافل ومؤسسة النهضة كما قام بتنسيق أنشطة جماعة الإخوان المصرية والمنظمة الدولية للإخوان من مكتبهم في كريكلوود برودواي في لندن، كما تولى الإشراف على "رسالة الإخوان" التي تنشرها الجماعة الإرهابية أسبوعيا.
وفي 2009، اتهم منير في القضية المعروفة إعلاميا بمصر باسم قضية "التنظيم الدولي للإخوان"، وحكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 5 سنوات، قبل أن يصدر الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي قرارا رئاسيا بالعفو عن منير في أغسطس/آب 2012 بعد نحو الشهر من توليه الرئاسة.
أدوار متعددة
ولا يمكن فصل منير عن التيار القطبي داخل الجماعة، وهو التيار الذي ينتهج أفكار التكفير وجاهلية المجتمعات وتوظيف العنف لتحقيق أهداف التنظيم الإخواني.
وكان منير الذراع الرئيسية لإدارة مختلف الملفات في الخارج بحكم سيطرته على مكتب التنظيم الدولي، وعضويته في التنظيم الخاص، وكونه من المقربين من جيل وتيار مصطفى مشهور المؤسس الحقيقي للتنظيم الدولي.
ومنذ نهاية عهد المرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني، أصبح منير عضوا أساسيا بمكتب الإرشاد من الخارج.
منير على رأس التنظيم الإرهابي
وعقب عزل مرسي والقبض على محمد بديع مرشد الإخوان، تولى نائبه محمود عزت منصب القائم بأعمال المرشد، ولكن مع سقوط عزت في قبضة الأمن المصري عام 2020 ذهب المنصب إلى إبراهيم منير، الذي كان يقود ما عرف باسم "جبهة لندن".
اختيار منير قائما بأعمال المرشد لم يلق قبولا داخل كل أوساط الجماعة، خاصة أوساط الشباب التي رفضته بسبب اتهامات بالفساد المالي والأخلاقي طالته.
وفور تولي منير قيادة تنظيم الإخوان حتى أصدرت الجماعة بيانا طالبت فيه جميع مكاتبها الإدارية باحتواء شباب الجماعة الرافضين لتعيين منير، الذي طالبهم بالالتزام المطلق والطاعة الواجبة، وعدم شق الصف، وهو ما يعكس الانشقاقات الكبيرة التي ضربت صف التنظيم الإرهابي.
انقسامات عاصفة
ولم يدم الأمر لمنير كثيرا على رأس الجماعة، إذ إنه في أكتوبر/تشرين الأول 2021 قامت مجموعة من أعضاء الجماعة الموقوفين بسحب الثقة منه وإعفائه من مهامه كقائم بأعمال المرشد ونائب له، مدعين صدور قرار بذلك من مجلس الشورى العام المصري.
أعقب ذلك مطالبة محمود حسين عضو مكتب الإرشاد وقائد الجبهة المضادة لمنير المعروفة باسم "جبهة إسطنبول" بعزله، وتكليف لجنة للقيام بمهام المرشد العام.
وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت جبهة إسطنبول فصل إبراهيم منير نهائياً من الجماعة و13 قياديا في جبهته، في قرار يعكس الانهيار الحقيقي داخل التنظيم.
ومنير في آخر ظهور إعلامي له أدلى بتصريحات لوكالة رويترز حاول فيها كسب ود السلطات المصرية، حين قال إن "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة من خلال صناديق الاقتراع"، وهو ما اعتبره البعض مبادرة للتصالح مع النظام المصري، الذي يوجه ضربات موجعة للتنظيم الإرهابي.
تصريح منير الأخير أيضا جاء متزامنا مع بدء جلسات التحضير للحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأمر الذي يمكن اعتباره محاولة للمشاركة فيها.
ويبقى التساؤل.. هل ستؤدي وفاة إبراهيم منير إلى انفراد جبهة إسطنبول بالسيطرة على الجماعة أم أنها ستقود إلى مزيد من الانقسام؟
ملاحقات قضائية مستمرة
وكان منير قبل وفاته يحاكم غيابيا أمام القضاء المصري، في القضية المتهم فيها القيادي الإخواني السابق عبدالمنعم أبوالفتوح و24 متهما آخرين، بتهمة نشر أخبار كاذبة.
وفي شهر فبراير/شباط الماضي، أيد القضاء المصري قرار إدراج إبراهيم منير ضمن قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية.
aXA6IDMuMTQ5LjI1LjEwOSA= جزيرة ام اند امز