متحف المستقبل في دبي.. الإمارات تعيد "بيت الحكمة" للإنسانية
مؤشرات عديدة تؤكد أن متحف المستقبل بدبي، سيعيد أمجاد "بيت الحكمة" ببغداد أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية.
وتركز أجندة "متحف المستقبل"، الذي يفتتح اليوم الثلاثاء، على استئناف الحضارة العلمية العربية من خلال مجموعة من المسارات والمبادرات التي سيحتضنها المتحف بشكل مستمر.
وسيكون المتحف بمثابة العقل والمنصة المعرفية والعلمية الابتكارية الأوسع والأشمل من نوعها التي تجمع أفضل المواهب و"نوابغ العرب" من المحيط إلى الخليج، لإثراء الحوار والنقاش وتوليد الأفكار، وحشد طاقاتهم الإبداعية الخلاقة لصناعة مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.
خطوة جديدة تؤكد من خلالها دولة الإمارات قدرة العرب على إنتاج المعرفة والعلم والابتكار، واستعادة مكانتهم في بناء الحضارة الإنسانية وتقدم البشرية.
بيت الحكمة
وكان "بيت الحكمة" ببغداد الذي تأسس في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (تولى الخلافة خلال الفترة من 786 - 809) وازدهر في عهد نجله المأمون (تولى الخلافة خلال الفترة من 813 م- 833 م)، أول دار علمية أقيمت في عمر الحضارة الإسلامية، وكان له أثر عظيم في تطورها لقرون، كما كان المحرك الأول لبدء العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وأسهم إسهامات كبيرة في مجالات الطب والهندسة والفلك.
نشأ بيت الحكمة أولاً كمكتبة ثم أصبح مركزاً للترجمة، ثم مركزاً للبحث العلمي والتأليف، ثم أصبح داراً للعلم تقام فيه الدروس وتمنح فيه الإجازات العلمية، ثم ألحق به بعد ذلك مرصد فلكي، واستمر بأداء دوره كمنارة للعلم والمعرفة لقرون، حتى سقطت بغداد بيد هولاكو عام 1258م، والذي حول بيت الحكمة وغيره من خزائن الكتب العامة والخاصة لخراب، وألقى بعض كتبها في نهر دجلة.
العصر الذهبي
واليوم عبر "متحف المستقبل" تستلهم الإمارات أمجاد الماضي لاستعادة العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية وتعزز مساهمتها في مسيرة التقدم العلمي للإنسانية، بتحفيز وتشجيع العرب على تحقيق نقلة نوعية في اهتماماتهم وإطلاق العنان لطموحاتهم للتفوق مجددا في سائر العلوم والإسهام في بناء مستقبل أفضل للبشرية.
وهناك العديد من المؤشرات تنبئ بأن "متحف المستقبل" الذي يفتتح، الثلاثاء، سيكون بمثابة بيت حكمة جديد في القرن الحادي والعشرين يشع علما ومعرفة للإنسانية، ويعيد أمجاد الماضي لاستعادة العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية وتعزيز مساهمتها في مسيرة التقدم العلمي للإنسانية، بما يسهم في بناء مستقبل أفضل للعرب والبشرية جمعاء.
اهتمام القيادة بالعلم والعلماء
أول تلك المؤشرات اهتمام القيادة الإماراتية بالعلوم والمعرفة، ودعم العلم والعلماء.
ولطالما كان "بيت الحكمة" نموذجا ملهما للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وهو ما عبر عنه في مرات عديدة.
فخلال إطلاقه مؤسسة دبي للمستقبل التي تولت الإشراف على تنفيذ "متحف المستقبل" في ٢٤ أبريل/ نيسان ٢٠١٦ ، قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "أسس العرب والمسلمون بيت الحكمة في القرن التاسع الميلادي ليكون نموذجا عالميا ومنارة للعلوم وجامعا للمبتكرين من شتى بقاع الأرض.. واليوم نحن بأمس الحاجة لبيت للحكمة في القرن الحادي والعشرين نعيد به أمجاد الماضي نواكب المتغيرات ونستشرف من خلاله المستقبل ونصنعه ونبتكر لخدمة الإنسانية".
وأردف: "وها نحن نقف اليوم بعد أكثر من ألف سنة لنعيد إحياء بيت الحكمة من خلال مؤسسة دبي للمستقبل لنشكل بها منارة للعلوم وجامعة للعقول".
وفي 19 مارس/ آذار 2019 ، خلال حضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفل توقيع ميثاق تأسيس "المجموعة العربية للتعاون الفضائي"، وجَّه بتطوير قمر صناعي متقدم لأغراض مراقبة الأرض والتغيرات البيئية والمناخية، يتولى تصميمه وتصنيعه عدد من المهندسين والشباب العرب، وأطلق عليه اسم "813" وهو تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة.
وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "سمينا القمر الصناعي الذي سيعمل عليه العلماء العرب (813) وهو تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون.. البيت الذي جمع العلماء وترجم المعارف وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة".
وأردف: "منطقتنا منطقة حضارة.. وشبابنا بناة حضارات.. لا بد أن نؤمن جميعا بهذا المبدأ".
الاهتمام باللغة العربية
المؤشر الثاني الذي يؤكد أن متحف المستقبل سيكون بمثابة "بيت حكمة" هو الرسائل الملهمة المكتوبة باللغة العربية التي تزين واجهة متحف المستقبل الممتدة على مساحة 17 ألف متر مربع والمضاءة بـ14 ألف متر من خطوط الإضاءة.
ورغم جمال الخط العربي الذي صممه الفنان الإماراتي مطر بن لاحج المنقوشة به تلك الجمل، إلا أن سر روعة تلك الجمل يتعدى جمال الشكل إلى عمق المضمون، في تلك الرسائل الملهمة، التي تعكس رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي حول أهداف هذا المتحف.
وتتزين واجهة المتحف المستقبل بثلاث جمل ملهمة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتلك الجمل هي: "لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنين"، و"المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا ينتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم"، و"سر تجدد الحياة وتطور الحضارة وتقدم البشرية يكمن في كلمة واحدة هي الابتكار".
وتم اختيار الخط العربي لتزيين واجهة متحف المستقبل تجسيدا لرؤية المتحف في المساهمة النوعية والفاعلة في استئناف الحضارة العربية، في عصرها الذهبي، التي صدرت علومها ومعارفها للبشرية بلغة الضاد، وفي رسالة واضحة بأن الخط العربي، ليس جزءا من تراثنا فحسب، ولكنه عنصر أساسي لمستقبلنا أيضًا.
وشكلت اللغة العربية لقرون عديدة لغة العلوم والآداب العالمية، فساهمت من خلال موجات الترجمة في إحياء النتاج الفكري الذي كاد أن يندثر لحضارات عريقة سابقة، كما كانت الوعاء الذي انتقل عبره النتاج الفكري العربي والإسلامي إلى العالم بأسره.
وهو ما عبر عنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تصريحات سابقة قال فيها: "متحف المستقبل يتحدث اللغة العربية ويجمع بين أصالتنا العربية وطموحاتنا العالمية، وهو أيقونة هندسية عالمية ولكنه يتحدث اللغة العربية".
وأضاف: "هدفنا ليس بناء معجزات هندسية.. هدفنا بناء معجزات بشرية تستطيع استخدام المتحف لبناء مستقبل أفضل. ودبي مستمرة في البناء.. الإمارات مستمرة في الإنجاز.. العالم مستمر في الحركة والتقدم لمن يعرف ماذا يريد".
نوابغ العرب
المؤشر الثالث هو تركيز أجندة "متحف المستقبل" على استئناف الحضارة العلمية العربية من خلال مبادرات تحفز وتشجع العرب على تحقيق نقلة نوعية في اهتماماتهم وإطلاق العنان لطموحاتهم للتفوق في مختلف المجالات، ومن أبرزها مبادرة "نوابغ العرب".
وسيكون المتحف المركز المعني بتنفيذ مبادرة "نوابغ العرب"، التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي للإشراف على النوابغ المتميزين من أصحاب المواهب الاستثنائية من العلماء والمفكرين والمخترعين والمبتكرين المتميزين والمبدعين العرب في شتى المجالات، ورعايتهم وتمكينهم وتطوير أفكارهم بالتعاون مع أفضل الشركاء العالميين، لتعظيم أثرهم الإيجابي في المنطقة.
وتسعى مبادرة "نوابغ العرب" إلى تحديد أهم 1000 نابغة عربي خلال 5 سنوات في مسارات رئيسية تشمل: الفيزياء والرياضيات، والبرمجيات وعلوم البيانات، والاقتصاد، والجامعات والأبحاث العلمية وغيرها، ودعمهم علمياً وبحثياً.
وأعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تخصيص 100 مليون درهم وتشكيل لجنة تتألف من 4 وزراء لوضع منظومة متكاملة للإشراف على النوابغ العرب، كما أعلن أن متحف المستقبل، المعلم العالمي الجديد، سيكون المركز الرئيس لهذا الحراك العربي الجديد.
التسامح
المؤشر الرابع هو قيم التسامح التي دعمها "بيت الحكمة" قديما ويعززها "متحف المستقبل" في العصر الحديث، فقد فتحت أبواب "بيت الحكمة" قديماً أمام الجميع، وطالبي العلم من جميع الأعراق والأديان دون أي تمييز، ما مكّنه من جمع العديد من اللغات بين جدرانه، وهو ما تقوم به الإمارات حالياً عبر فتحها لحدودها أمام جميع جنسيات العالم، مانحة المواهب العربية فرصة للنهوض والمساهمة في عملية التطوير التي تشرف عليها الإمارات من أجل خير البشرية.
وسيشكل متحف المستقبل مساحة للتسامح والتعايش، من خلال استقطاب نخب علمية ومعرفية ونوابغ ينتمون لوجهات نظر ثقافية وفلسفية واجتماعية متنوعة ومختلفة.
الإمكانيات الهائلة
المؤشر الخامس هو ما يملكه "متحف المستقبل" من إمكانيات وما عقده من شراكات تدعمه في تحقيق أهدافه.
ويتميز متحف المستقبل عن المتاحف التقليدية في مختلف أنحاء العالم التي تعرض خلف نوافذ مغلقة حقب الماضي وتحفه، بكونه الأول الذي يوفر حاضنة للأفكار المبتكرة والتكنولوجيا والمشاريع المستقبلية ووجهة عالمية للمخترعين ورواد الأعمال.
حيث سيشكل المتحف مختبراً شاملاً لتقنيات المستقبل وأفكار المستقبل ومدن المستقبل، من خلال الاستثمار في العقل المبدع ودعم الأفكار والمشاريع والمبادرات والأبحاث والدراسات التي تضيف قيمة نوعية وتسهم في تحقيق تأثير إيجابي حقيقي.
وسيتم تعزيز وتغذية محتوى المتحف ومعروضاته بشكل مستدام، بأحدث الإنجازات التقنية وآخر الاكتشافات العلمية، بما يحافظ على ديناميكية المتحف وحيويته.
كما سيتحول المتحف إلى وجهة دائمة لاستعراض مستقبل العالم والاطلاع على أهم التقنيات التي تنتظرها البشرية خلال العقود المقبلة، بالتعاون مع نخبة من الشركاء الدوليين والمؤسسات البحثية المتخصصة في دراسة التحديات الحالية والمستقبلية وتقديم حلول جديدة ومبتكرة.
إضافة إلى القيمة العلمية والحضارية والثقافية التي يقدمها هذا المتحف الجديد في دبي، فإنه أيضاً سيكون محطة رئيسية لاستضافة المؤتمرات التقنية والعلمية الدولية، كما سيروج لأهدافه على أوسع نطاق عبر استهدافه مليون زائر سنويًا.
كل تلك الإمكانات والطموحات التي يزخر بها متحف المستقبل في دبي تأتي متوائمة مع رؤية إمارة دبي ودولة الإمارات في تقديم مستقبل مشرق للأجيال الحالية والأجيال القادمة، عبر تسليط الضوء على أبرز الابتكارات والإبداعات التي سيحملها المستقبل، وتصميم الأفكار والمشاريع التي من شأنها تحديد ورسم التوجهات المستقبلية المحتملة لترسخ تميز دولة الإمارات وتعزيز مكانتها كلاعب محوري في رسم الاتجاهات والمتغيرات المستقبلية.