"هيب هوب" كراتشي.. موسيقى الفقراء تعالج "آلام الماضي"
جو من الرعب ساد حي لياري في كراتشي الكبرى خلال حقبة الثمانينيات بفعل عصابات وقتلة مأجورين
بعد سنوات طويلة اكتسب فيها شهرةً كمركز رئيسي للجريمة المنظّمة وأحد أخطر المناطق في باكستان، شهد حي لياري في كراتشي الكبرى تحولاً مفاجئاً خلال الفترة الأخيرة، إذ بات مقصداً لجيل من محبي موسيقى الهيب هوب ممّن يستلهمون من ماضي المدينة المضطرب في إنجاز أعمالهم الفنيّة.
ولطالما عُرفِ حي لياري على مستوى باكستان بمناخ العنف الذي ساده. وتدهور الوضع في الثمانينيات وساد جو من الرعب المنطقة بفعل عصابات وقتلة مأجورين، فيما عاش السكان في الفقر مع تفشي آفة إدمان المخدرات.
يقول مغني الراب المحلي الشاب محمد عمر إنَّ "لياري كانت معروفة بفعل العصابات والحرب، كان من شبه المستحيل أن يفكر أشخاص من الخارج بالدخول إليها".
واضطر الخارجون عن القانون في نهاية المطاف إلى الانكفاء، إثر إطلاق حملة تطهير كثيفة في 2013، واتسمت المعركة للسيطرة على لياري بضراوة كبيرة، إذ اضطرت قوات الأمن لمواجهة قنابل يدوية وإطلاق نار من بنادق هجومية، وكان السكان يلازمون المنازل خشية أن يصيبهم رصاص طائش.
ويضيف عمر: "الأطفال كانوا يبكون لدى سماع التبادل الكثيف لإطلاق النار، كما أن الفقراء كانوا ضحايا حروب العصابات هذه. لقد كنا شهوداً على ذلك كله".
وبات الحي الآن يفاخر بأنَّه مسقط رأس لاعبي كرة قدم وملاكمين من المستوى الرفيع، وحالياً بات مغنو الراب المهتمون بتحفيز الوعي الاجتماعي على قضايا شتى الأكثر بروزاً في الساحة.
الراب المنبثق من حركة الهيب هوب الذي يعتمد خصوصاً على نصوص تُظهِر قسوة العيش شق طريقه في نهاية المطاف إلى لياري، إذ يستلهم الموسيقيون من الفنان الأمريكي توباك شاكور الذي قتل سنة 1996، كما يستوحون من تجاربهم الخاصة لكتابة أغنياتهم.
ويقول المنتج قمر أنور بلوش: "الراب موجود في مدن وولايات باكستانية أخرى، لكن النصوص تُركِّز في العموم على الفتيات الحسناوات والسيارات الفارهة، أما نحن فنظهر الواقع".
واكتشفت باكستان حقيقة راب كراتشي في 2017 مع نجاح أغنية "ذي بلايرز أوف لياري" لفرقة "لياري أندرجراوند".
ويحوي نص الأغنية انتقادات لاذعة للسلطات الرياضية الوطنية المتهمة بتجاهل لاعبي كرة قدم موهوبين في الحي، واستحالت الأغنية سريعاً نشيد حب لكرة القدم في بلد تشكل الكريكت رياضته الوطنية.
ويقول الكاتب أحمر نقوي: "من النادر في التاريخ رؤية شباب من الطبقات الشعبية كهؤلاء المنحدرين من لياري يساهمون في الموسيقى التي يسمعها أيضاً أبناء الطبقات الميسورة".
ويضيف: "هم يغتنمون الفرصة لتحقيق مكانة لهم في المجتمع الباكستاني من دون الاكتفاء بالدور الهامشي".
ولطالما بقيت أصوات هؤلاء وقصصهم غير مسموعة في باكستان، وفي ظل ندرة قاعات الحفلات في البلاد يكتفي الفنانون الشباب في لياري بنشر أعمالهم على الإنترنت مع تسجيل أعمالهم المصوّرة ملايين المشاهدات.
ويقول وقاس بلوش وهو مغني راب في سن الـ8 نشر تسجيلاً مصوراً هذا الصيف مستخدماً اسم "ثاوزند": "أريد جذب الانتباه إلى مشكلات كراتشي ومشكلاتي في لياري".
وينتظر العشرات من الشباب الآخرين الفرصة المناسبة لخوض غمار موسيقى الهيب هوب.
ويرى جميل أحمد وهو مدير مدرسة دينية في لياري أن توجه الشباب إلى الموسيقى هو للتنفيس والترويح عن النفس بعد سنوات من العنف.
ويقول: "هذا أفضل بكثير من المخدرات والكحول وغيرها من مصادر التهديد المشابهة. الموسيقى تساعدهم على الابتعاد عن هذه الأمور".