أم كلثوم تعود بكامل الضوء والبهاء في معرض فن تشكيلي
المعرض يحفل بلوحات لآخرين رافقوا أم كلثوم، ليس فقط من خلال تجارب موسيقية، وإنما كانوا من أبناء مقام الصبا أو صناعه في الموسيقى العربية.
تعود كوكب الشرق أم كلثوم من جديد لتسترد حضورها في معرض "صبا" للفنان التشكيلي المصري وجيه يسى، أحد أبرز رسامي الوجوه في مصر حاليا.
المعرض المقام في جاليري بيكاسو في الزمالك، بالقاهرة، يستقطب مئات الرواد بسبب طابعه الشعبي ورهانه على تفاعل الجمهور مع اللوحات التي رسمها "يسى".
وتحتل المغنية العربية الشهيرة موضع الصدارة وإلى جوارها عشرات الصور المرسومة لفنانين آخرين منهم سيد درويش ورياض السنباطي وبليغ حمدي.
وألهمت أم كلثوم عبر ما يزيد عن 100 عام عشرات الفنانين التشكيليين العرب، سواء كانوا نحاتين أو مصورين تعاملوا مع وجهها كأيقونة بصرية دالة على زمن تجري استعادته، ودائما ما كانت تستدعى للتعبير عن حالات الفقد والزوال أو كرمز للحب في معناه المطلق.
ورسم الفنان المصري جورج بهجوري لوحة لأم كلثوم بنزعة كاريكاتيرية بالغت في ملامحها مقارنة بأعضاء فرقتها، في حين أعطى الفنان السوري أسعد عرابي الحضور للتكوين الذي يجمعها مع فرقتها الغنائية الشهيرة، وكان رهانه في التعاطي معها يقوم على إبراز التجربة والمجموع أكثر من البطل الفرد.
ولعب الفنان المصري إبراهيم الدسوقي فهمي على حضور الأيقونة، وعمل بتكنيكه المتميز على التلاعب بالكتلة الرئيسية المتمثلة في حضورها في أكثر من مساحة على اللعبة وأعطى البطولة لحضورها الأنثوي أكثر من أي شيء آخر.
وتظل الطريقة التي رسمها بها الفنان المصري الأرمني شانت افيدستيان خالدة، لأنه سعى إلى إظهار الأيقونة مع تطريز بقية عناصر اللوحة بعلامات بصرية تشير إلى توهج كامل لذلك الزمن، وتعامل "شانت" مع "ثومة" بطريقة تؤكد الهوية المصرية.
بينما نحت النحات المصري آدم حنين وجهها وجسدها كأنما هي نجمة في العلم المصري القديم، أو كما رآها "هوية جامعة".
وأعاد عادل السيوي إنتاج أكثر من تصور عن أم كلثوم بدت فيه "ملتبسة" وغامضة، وكان حضورها في لوحات معرضه الشهير "نجوم عمري" يقوم على شكل من أشكال الحوار وربما الصراع، فقد أراد التحرر من زمنها وليس تثبيته، فتجلت أكثر لأنها هزمت كل محاولات الإزاحة والتحرر منها.
وفي معرض "صبا" نجح وجيه يسى في التحرر من التجارب التي سبقته في التعاطي مع أم كلثوم، ورسمها بطريقته المتميزة التي تجمع التأثيرية مع حس تعبيري ورغبة في التجريد أحيانا.
وعلى صعيد التكنيك حافظ على مزاجه التأثيري في ترك آثار الفرشاة أو لمساتها ودمجها، ما أعطى اللوحات خفة وحيوية.
هذا إلى جانب اهتمامه في لوحات أخرى بالظلال، وانعكاسات الألوان مع إهمال متعمد للخطوط الخارجية التي تحدد "الشكل" أو "الفيجر الرئيسي"، والعمل عبر انتقالات بين الأسلوب التنقيطي، الذي اعتاده في رسم الوجوه، أو الأسلوب التقسيمي، الذي يبدو بطلا للوحات هذا المعرض، إلى جانب تأكيد قدراته في رسم اللوحات الزيتية بعد سنوات من العمل بـ"المائيات".
وكان رهانه الأول على التوهج اللوني وقدرته الفائقة في ضبط إيقاعات اللون انسجاما مع عنوان معرضه "صبا" وما يتضمن من إشارات تحيل إلى المقام الموسيقي الشهير.
ويعرف المهتمون بالموسيقى كيف أن هذا المقام حزين جدا ولا ينافسه أي مقام آخر في درجة الحزن وهو أيضا مقام ناقص، فكل سلم موسيقي لا بد وأن ينتهي بنفس النوتة التي بدأ منها، إلا مقام الصبا، فقراره لا يماثل جوابه، وهذا يجعله متفرداً معزولاً، كما هو إحساسه، ليس منشقاً عن مقام، ولا ينشق مقام منه.
ومن تفرد المقام جاء تفرد المعرض، فأم كلثوم في اللوحات التي تنوعت ليست صورة واحدة، لأن لها أكثر من وجه وأكثر من حضور وتكاد الوجوه لا تتماثل، رغم تناسلها من فكرة واحدة مرتبطة بنبرة الشجن المرتبطة بصوتها.
ومن ناحية أخرى يحفل المعرض بلوحات تمجد آخرين رافقوا أم كلثوم، ليس فقط من خلال تجارب موسيقية، وإنما كانوا من أبناء مقام الصبا أو صناع حضوره في الموسيقى العربية.
فما الذي يمكن أن يجمع سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدي ورياض السنباطي غير هذه القدرة على جلب الحزن وصناعة الوجدان الشجي، وهذا هو سر نجاح معرض "يسى" الذي يطرز الحنين ويخضعه لسطوة اللون.