«تطوير الجماعة».. «حيلة» قيادة الإخوان تفشل في إرضاء شبابها
أغرقت قيادتان متناحرتان في جماعة الإخوان المصرية شباب التنظيم في سلسلة من الاجتماعات ضمن ما عرف بـ"لجان التطوير"، لكن حيلتهم لم تثمر على ما يبدو.
وعلى وقع الأزمة القيادية التي حدثت داخل جماعة الإخوان وأدت لانقسامها إلى جبهات متناحرة، أطلقت القيادة العليا للجماعة في جبهتي لندن (صلاح عبد الحق)، وإسطنبول (محمود حسين) ما سمته مبادرة تطوير الجماعة التي هدفت لاحتواء سخط قطاعات شبابية على الوضع المتردي الذي تعيشه الجماعة.
وفي إطار تلك المبادرات، عقدت لجان الجماعة سلاسل مطولة من الاجتماعات المباشرة والافتراضية، ناقش كوادر الجماعة خلالها الأزمات التي تمر بها الإخوان وسبل الخروج بها من حالة عدم الفاعلية وكيفية إصلاح القيادة ورأب الصدع في قمة التنظيم المنقسم.
ووفقًا لما أفادت به مصادر شاركت في هذه الاجتماعات فإنها هدفت لمناقشة وجهات النظر المختلفة وخصوصًا لدى شباب الجماعة وهذه الاجتماعات تمت في كل جبهة على حدة وبعضها جرى في إطار شعب ومكاتب الجماعة في الخارج (تركيا)، وبعضها الآخر جرى مناقشته في لقاءات افتراضية عُقد أغلبها على تطبيق زووم.
وشاركت لجان التطوير (وهي لجان شُكلت في خضم الأزمات الأخيرة)، وإلى جانب لجنة الخطة، واللجنة الإعلامية ولجنة الشباب وقسم الطلبة في جماعة الإخوان في هذه المناقشات وقدمت العديد من المقترحات التي صيغت في صورة أوراق وتقديرات رُفعت لقيادة جماعة الإخوان سواء في جبهة صلاح عبد الحق أو في جبهة محمود حسين.
وبلغ عدد المقترحات المقدمة في بعض اللجان أكثر من 100 مقترح، وهذه المقترحات تتناول تطوير الجماعة وإعادة هيكلة قطاعات فيها والعمل على حل الأزمات التي تمر بها ومن هذه الأزمات الانقسام وملف تمكين الشباب والدفع في اتجاه ضخ دماء جديدة في القيادة، وأيضًا إجراء بعض التعديلات اللائحية على لائحة الهيئة الإدارية العليا وهي البديل المؤقت لمكتب إرشاد الإخوان، ورابطة الإخوان المصريين في الخارج التي تُدير بعض الملفات الإدارية وتقوم بدور تنسيقي بين أفرع الإخوان في خارج مصر، وأيضًا مجلس الشورى العام الذي يعد الهيئة الرقابية والتشريعية لجماعة الإخوان.
وشملت هذه اللقاءات أيضًا عرض وجهات نظر قيادة جماعة الإخوان أو ما يُعرف بـ"ملف الرؤية" والذي يُفترض أن يعكس وجهة نظر قيادة الجماعة بخصوص الأحداث الجارية وكيفية التعامل مع الأوضاع التي تمر بها الإخوان في الوقت الراهن.
الشباب والمهام الجديدة
وجرى تكليف بعض القيادات الشبابية بمهام إدارية عليا، فعلى سبيل المثال كلفت جبهة محمود حسين قياديا شابا يُدعى "أحمد عاطف" برئاسة قسم الشباب وهو واحد ضمن مجموعة من القادة الذين جرى تصعيدهم في أعقاب فترة الخلافات لإعطاء انطباع بأن هذه الجبهة لا تنحاز للقيادات التاريخية على حساب الشباب.
أما جبهة صلاح عبد الحق فصعدت عمار فايد نائبًا لرئيس القسم السياسي بيد أن هناك مصدرا قياديا في الجماعة يدعي أنه اعتذر عن عدم مواصلة عمله التنظيمي في الفترة الأخيرة بشكل مؤقت، وكذلك جرى تصعيد المتحدث الإعلامي باسم الجماعة صهيب عبد المقصود لمنصب نائب القائم بأعمال مرشد الإخوان- جبهة صلاح عبد الحق، بحسب نفس المصدر.
وسبق أن سعت قيادة الجماعة، بعد أزمة الخلاف مع عضو مكتب الإرشاد المستقيل محمد كمال وجبهته المعروفة بجبهة المكتب العام/ تيار التغيير، إلى احتواء الشباب الذين مال جزء منهم لـ"كمال"، فأقرت القيادة تعديلات لائحية على لائحة الانتخابات التي تتم لاختيار أعضاء المكاتب القطرية ومجالس شورى الأقطار في الخارج، بحيث تمنح الشباب والنساء (الأخوات المسلمات) كوتة مقاعد في هذه المكاتب وفي مجالس شورى الأقطار.
وظل هذا الاستثناء التفضيلي معمولا به في السنوات التالية، وصولا لانتخابات عام 2020، التي نشبت على خلفيتها الأزمة الكبرى بين جبهتي لندن وإسطنبول وأفضت للانقسام الهيكلي الحاصل في الوقت الحالي.
وعقب تلك الأزمة، غازلت كل جبهة شباب الجماعة بأنها ستعمل على تمكينهم وطلبوا منهم تكثيف العمل في أروقة الجماعة من أجل الخروج بها من حالة التكلس التي تعيشها، وسعت جبهة لندن (صلاح عبد الحق) أن تقدم نفسها للشباب في الخارج بأنها الأقرب لهم، فسعت في حل مشكلات بعض الشباب والطلاب المتعثرين في الخارج وتوظيف بعضهم في الأعمال التنظيمية، لكن الفترة الأخيرة شهدت تململا وخلافات بين شباب الجماعة وقيادتها بسبب عدد من الملفات من بينها ملف التسوية السياسية، وملف إنهاء الانقسام، وملف إخوان الداخل المصري.
ووفقًا لأحد الكوادر الشبابية فإن الشعور المسيطر على شباب الإخوان في الوقت الحالي هو أن القيادة خدعتهم مرة أخرى من أجل تحقيق مصالحها التنظيمية، فمقترحات تطوير الجماعة لم تسر كما خُطط لها وكما وعدتهم قيادة الإخوان، والأسماء المتفق على تصعيدها للهيئات القيادية جرى رفض الكثير منها دون إبداء سبب واضح كما أن عملية التوافق على اختيار القيادات وإدارة الملفات لا تتم بالصورة المطلوبة.
وفضلا عن تلك الأزمات، بقي ملف إنهاء الانقسام بلا أي تقدم فجبهة صلاح عبد الحق فشلت في التوافق مع تيار التغيير على عودة رموز التيار إلى الجماعة بسبب اعتراضات من قبل قادة نافذين في الجبهة كما أن قادة التيار يريدون العودة إلى نفس المناصب التنظيمية التي غادروا الجماعة عليها قبل سنوات وهو أمر ترفضه قيادة جبهة لندن، وكذلك الحال بالنسبة لجبهة إسطنبول التي تعتبر أن جبهة لندن خرجت عن قرارات مجلس الشورى العام واختارت قائمًا بأعمال المرشد دون اعتماد المجلس وبالتالي فهي تعتبر أن تولي صلاح عبد الحق منصب القائم بأعمال المرشد هو أمر غير شرعي تماما.
وتزايد السخط تجاه القيادة، بعد تصريح حلمي الجزار رئيس المكتب السياسي لجبهة صلاح عبد الحق بأن الجبهة التي يمثلها تسعى لتسوية سياسية مع الحكومة المصرية، وبسبب هذه التصريحات جمد بعض الكوادر الشبابية مشاركتهم في العمل التنظيمي وطالبوا بعزل "الجزار" الذي يشغل منصب نائب القائم بأعمال المرشد بجانب عمله كرئيس للمكتب السياسي، ولهذا السبب حاولت جبهة صلاح عبد الحق استرضاء الشباب بتصعيد نبرة الهجوم على القاهرة حتى تُظهر أنها غيرت النهج وأنها لن توافق على أي تسوية إلا في حدود مصالحها، رغم أنه لا توجد مبادرة تسوية بالأساس.
وتقول السلطات المصرية إنها لا تجري أي مفاوضات مع جماعات إرهابية، كما رفضت إلى جانب قوى المعارضة مشاركة الجماعة في حوار وطني دعا له الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
فشل مقيم
ورأى محمد يسري، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن هناك عددا من الشواهد التي تعكس غضب شباب الإخوان من أداء قيادتهم، خلال الفترة الأخيرة، مضيفًا أن هؤلاء الشباب في أحاديثهم ومنتدياتهم الخاصة يعتبرون أن قيادة الجماعة انقلبت على كل ما وعدتهم به خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأضاف يسري في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أن قيادة الإخوان وعدت الشباب بتغيرات جذرية خلال فترة قصيرة، وذلك خلال ما تسميه "دورات الرؤية"، لكن الواقع يقول إنها فشلت في تحقيق ما وعدت به شبابها وما زالت الجماعة تراوح مكانها ولم يحدث تطور حقيقي في العمل أو في الملفات الهامة بما في ذلك ملف إنهاء الانقسام وملف السجناء.
وأشار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية إلى أن قيادة الجماعة في كلا الجبهتين وعدت بأن يتم العمل على إنهاء الانقسام الإخواني- الإخواني وكان هناك تفاهم على وقف التصعيد ونشر تفاصيل الخلافات في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وتكوين لجنة تضم 3 أعضاء من كل جبهة بجانب شخصيات توافقية لبحث سبل إنهاء الخلافات، لكن لم تتشكل اللجنة واعترضت الجبهتين على مبادرات عدة تقدم بها رموز من الجماعة لإنهاء الانقسام.
وأوضح الباحث محمد يسري أنه على صعيد ملف السجناء كانت هناك وعود بتحريك الملف دوليا عن طريق المنظمات الحقوقية العالمية، ووعدت جبهة محمود حسين بالعمل على اتخاذ خطوات قانونية بالتنسيق مع مؤسسة مرسي للديمقراطية وهو ما لم يحدث، كما أن جبهة صلاح عبد الحق أيضًا قالت إنها ستضغط عن طريق مسارات من بينها المسار القانوني بالتنسيق مع مكاتب محاماة ومؤسسات دولية ومسار التسوية الذي كان يفترض وفق تقديرها أن يُفضي لإطلاق سراح بعض السجناء لكن هذا الأمر لم ينجح خصوصًا أن الدولة المصرية لا ترغب في تكرار تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد التي حدثت في عامي 2001، و2007 على الترتيب لأنها رأت نكوصًا عن تلك المراجعات في ما بعد.
أما مصطفى كمال الباحث في شؤون الأمن الإقليمي فيرى أن تنظيم الإخوان يواجه تحديات داخلية متزايدة، لا سيما في ما يتعلق بعلاقته مع فئة الشباب داخل التنظيم، مردفًا أن القيادة الإخوانية وعدت منذ فترة بملف تطويري جذري يهدف إلى تحديث الهيكل التنظيمي واستراتيجيات العمل لمواجهة التحديات المتصاعدة، بما في ذلك الضغوط الإقليمية والدولية وتراجع شعبية التنظيم لكن مع الوقت ظهر أن تلك الوعود قد تكون أكثر شبهاً بالمناورة السياسية منها بخطوات إصلاحية حقيقية، مما أشعل فتيل التوتر داخل صفوف الجماعة، حيث تشعر قواعدها الشبابية بالخداع والتهميش.
وذكر كمال في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن قادة الإخوان جعلوا ملف تطوير الجماعة محطّ اهتمام واسع لدى قواعد الشباب، إذ بدا أن القيادات تسعى إلى طرح أجندة إصلاحية جديدة تعالج التحديات التنظيمية والهيكلية، وتمنحهم مساحة أكبر للمشاركة في اتخاذ القرار، غير أن الواقع أظهر أن هذه الوعود لم تتحول إلى خطوات فعلية ملموسة؛ فإجراءات التطوير ظلت في مرحلة الوعود، وتبين أن كثيراً منها مجرد تعديلات سطحية لا ترقى إلى تطلعات القاعدة الشبابية، التي تتطلع إلى تغيير جذري يعيد توجيه بوصلة التنظيم.
واعتبر كمال أن قادة الإخوان اعتمدوا على استراتيجية إدارة الأزمة بدلاً من حلها، واستخدموا الخطاب التطويري لتهدئة قواعدهم وإعادة توجيه الإحباط المتزايد داخل الجماعة. ومع ذلك، ظل الملف متعثراً نتيجة خلافات القيادة المتشعبة حول الرؤى المستقبلية، وصعوبة التوفيق بين التيار المحافظ داخل الجماعة، الذي يتمسك بالبنية التقليدية، وبين الطموح الإصلاحي لدى جيل الشباب، الذي يدفع نحو التحول.
وأشار الباحث في شؤون الأمن الإقليمي إلى تصرفات القيادة يمكن النظر إليها على أنها محاولة لإطالة عمر التنظيم باستخدام استراتيجيات تعتمد على وعود مرحلية، في محاولة لتجنب تصدع صفوف الجماعة، ومن الواضح أن هذا النهج لم يعُد فعّالاً على المدى البعيد؛ فالشباب يدركون أن القيادة غير جادة في إحداث تغيير حقيقي، وأن تلك الوعود هي وسيلة لكسب الوقت واحتواء الغضب الداخلي ويدفع ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت القيادة تنوي فعلاً الإصلاح أو أنها تعتمد على المخادعة السياسية كوسيلة لكبح جيل يرى أن الجماعة تعيش حالة من الركود الفكري.
وتابع: هذا السلوك من القيادات يُمكن أن يُعزَى إلى تخوفهم من فقدان السيطرة إذا تم تطبيق إصلاحات جذرية. فالقيادة تخشى أن يؤدي إدماج الشباب بشكل فعّال إلى فتح المجال لانتقاد السياسات القديمة، وربما يُشعل ذلك نزاعًا أعمق حول جدوى النموذج الذي قدمته الجماعة على مدار عقود، ولذا يتسم نهج القيادة الحالي بالتردد، وهو أمر من شأنه أن يُعمق أزمة الثقة داخل التنظيم، ويبدو أن العلاقة بين الشباب والقيادة داخل الإخوان تتجه نحو صراع مفتوح على السلطة والنفوذ.
وتوقع كمال أن يعيد جيل الشباب النظر في آليات عمل التنظيم، وربما يطالب بتغييرات جذرية قد تتضمن صياغة قيادة جديدة، أو حتى الانشقاق لتأسيس تيارات تحمل توجهاً مختلفاً إذا استمرت القيادة في تجاهل مطالبهم، وهذا يمثل الواقع تهديداً كبيراً لبقاء الجماعة بوضعها الحالي، حيث أن تحول هذا الصراع إلى انقسام علني سيؤدي إلى زعزعة استقرارها، وقد يدفع هذا الوضع ببعض فئات الشباب إلى الاتجاه نحو مسارات جديدة أو البحث عن أطر سياسية وتنظيمية أخرى، مما سيؤدي إلى تراجع تأثير الجماعة السياسي وقدرتها على استقطاب الأجيال القادمة.
aXA6IDE4LjIxOC4xMDguMjQzIA==
جزيرة ام اند امز