«خطر الإخوان» بفرنسا.. ملف يغادر سجال الانتخابات لضرورات الأمن
غادر ملف "خطر" تنظيم الإخوان مربع السجال الانتخابي إلى ضرورات الأمن القومي، على ما يقول خبراء فرنسيون.
وفي وقت سابق من العام الجاري دخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ملف الإخوان محذِّراً من خطورة ما أسماه "التغلغل" و"التهديد" الذي تشكله الجماعة على التماسك الوطني وقيم الجمهورية الفرنسية.
التحذيرات الرئاسية التي جاءت بعد ترؤسه اجتماعاً أمنياً رفيع المستوى لدراسة تقرير حكومي وُصف بأنه "خطير"، رفعت النقاش في فرنسا بشأن الإخوان إلى مستوى مغاير للسنوات الماضية.
لكن الجدل حول مواقف الحكومة الفرنسية خلال الشهر الجاري يستند إلى مراسلات صادرة عن محافظة الألب-ماريتيم، استثمرها المستشار البلدي المعارض في نيس، فيليب فاردون، للتحذير مما وصفه بـ"ترسخ ممنهج" للحركة الإخوانية، في وقت تؤكد فيه السلطات أن هذه الهياكل تبقى قانونية وتخضع للرقابة دون تسجيل اضطرابات للنظام العام.
واستند عضو المجلس البلدي المعارض فيليب فاردون إلى مراسلة صادرة عن المحافظة للتنديد بما وصفه بـ"التمركز المنظّم" للحركة الإخوانية داخل الإقليم.
وقال: "لم أعد أنا من أصرخ بذلك منذ 20 عاماً، بل المحافظ نفسه هو من يكتبه الآن".
وحول الجدل المثار، قال الخبير الفرنسي فابريس بالانش، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الحركات الإسلامية، لـ"العين الإخبارية" إن الإشكالية لا تكمن في الدين كإيمان، بل في مشروع الإسلام السياسي العابر للحدود الذي تسعى جماعة الإخوان إلى ترسيخه داخل البنى الاجتماعية الأوروبية.

وقال بالانش إن الجماعة تعتمد استراتيجية "التمكين الصامت"، حيث لا تصطدم مباشرة بالدولة، بل تتغلغل تدريجياً عبر الجمعيات الثقافية والتعليمية والهيئات الدينية، مستفيدة من هامش الحريات الذي يكفله النظام الديمقراطي الفرنسي.
وأضاف أن الخطر الحقيقي يتمثل في خلق "مجتمع موازٍ" بقيم وقوانين مختلفة عن القيم الجمهورية، ما يهدد مبدأ الاندماج ويعزز الانغلاق الهوياتي، مشيراً إلى أن تضييق الرقابة القانونية أمر ضروري، لكن يجب ألا يُترجم إلى استهداف جماعي للمسلمين، بل توجيه صارم ضد التنظيمات ذات الأجندات السياسية المؤدلجة.
بدوره، قال الباحث الفرنسي المتخصص في التنظيمات المتطرفة، ألكسندر دلفال، لـ"العين الإخبارية" إن الإخوان يعتمدون في أوروبا نسخة "ناعمة" من خطابهم، تختلف عن النسخة الصدامية في مناطق النزاع.
ورأى دلفال أن التنظيم يسعى في السياق الأوروبي إلى شرعنة حضوره عبر الهياكل القانونية، وتقديم نفسه كوسيط ديني واجتماعي، وبناء نفوذ ثقافي طويل الأمد.
وحذّر دلفال من أن هذا النموذج قد يؤدي، على المدى المتوسط، إلى خلل في توازن العلاقة بين الدولة والمجتمع، خصوصاً إذا لم يتم التفريق بوضوح بين الدين كحق مشروع، والتنظيم كفاعل سياسي عابر للحدود.
وأكد أن التجربة الأفريقية أظهرت أن التساهل المرحلي مع هذه الحركات غالباً ما يتحول إلى تحدٍ أمني لاحق، داعياً إلى اعتماد مقاربة تجمع بين القانون والشفافية والاحتواء المجتمعي.
ورأى أنه بين خطاب سياسي يتهم، وسلطة إدارية تراقب، يبقى ملف الإخوان في فرنسا معادلة دقيقة بين حماية الحريات الدينية وصون النموذج الجمهوري.
واعتبر الباحث الفرنسي أن المواجهة لا يجب أن تكون مع الإسلام كدين، بل مع أي بنية تنظيمية تستخدم الخطاب الديني كوسيلة سياسية لإعادة تشكيل الهوية الوطنية خارج إطار القانون الجمهوري.
كما أشار إلى أن الرهان الحقيقي ليس في الإغلاق أو التضييق فقط، بل في ترسيخ دولة مدنية قوية قادرة على احتواء التنوع دون السماح لأي مشروع أيديولوجي بالتحول إلى دولة داخل الدولة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTIwIA== جزيرة ام اند امز