وفاة القرضاوي.. كيف تؤثر على الصراع داخل الإخوان؟
فقد تنظيم الإخوان الإرهابي بوفاة مرشده الروحي يوسف القرضاوي أحد أهم منظريه ورجل التنظيم الدولي النافذ ومسموع الكلمة.
ستترك وفاة القرضاوي فراغا يصعب أن يجد التنظيم شخصا يملؤه، في الوقت القريب؛ نظرا لافتقارهم للكوادر الصالحة لذلك، فضلاً عن اشتعال الخلافات والانشقاقات التي تجتاح الإخوان مؤخرا.
غير أن من المحتمل أن يكون لوفاة القرضاوي ثمة تأثيرات غير مباشرة على الخلافات بين أجنحة الإخوان المتصارعة على القيادة.
وحرص القرضاوي على ألا يكون منحازًا، بشكل معلن، لأي طرف من أطراف صراع الإخوان، وتسويق نفسه على أنه المرجعية النهائية لأي خلاف، وأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع، حيث نجح في هذه المهمة في أثناء الخلاف بين جبهة محمود حسين ومحمود عزت من جهة، وجبهة محمد كمال في 2015 من جهة أخرى، وتمكن من استعادة التنظيم لصالح "جبهة عزت/ حسين".
ورغم فشله في لم الشمل حتى وفاته، إلا أن ثمة إشارات تؤكد أن القرضاوي كان يميل إلى جبهة إبراهيم منير (لندن)، فمن المعروف أن القرضاوي كان أحد العناصر الفاعلة في التنظيم العالمي للإخوان، والذي يؤيد جناح إبراهيم منير.
الخلافات أكبر من وفاة القرضاوي
وتعقيبا على ذلك، قال طارق البشبيشي، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي والقيادي السابق في الإخوان، إن الخلافات بين أجنحة الإخوان أعمق وأكبر من القرضاوي ومن غيره من الإخوان.
وأضاف البشبيشي لـ"العين الاخبارية" أن "الخلاف كان قائماً ومستعراً في حياة القرضاوي، وسيستمر بعد وفاته، فالخلافات الإخوانية ليست بين إبراهيم منير ومحمود حسين كأشخاص، بل هي في حقيقتها بين أجهزة دول إقليمية وعالمية حول طريقة عمل الإخوان وأسلوب توظيفهم، ضمن مشروع عالمي جديد، وكل دولة تريد توظيف الإخوان لصالحها ولمشروعها".
وأضاف أنه "إذا اتفقت تلك الدول الإقليمية أو العالمية على الشكل النهائي للإخوان، سيصدر الأمر لجميع الأطراف بلم شمل والالتفاف حول القيادة الجديدة، ومن يرفض سيعزله الإخوان".
من جانبه، شكك عمرو فاروق الكاتب والباحث المختص بالجماعات الإرهابية والمتطرفة في وجود تأثير قوي لوفاة القرضاوي على أي من أطراف النزاع، يمكن معه حسم الخلاف بين الجبهات المتناحرة في الجماعة.
وقال فاروق لـ"العين الإخبارية" إن "يوسف القرضاوي له وضعية مركزية في تنظيم الإخوان كان حريصًا عليها، لتمكنه دائما أن يكون وسيطاً بين الفرقاء، لهذا لم يتدخل لصالح طرف ضد الآخر".
وأضاف أن "هذا الحرص كان موجودا رغم ميل القرضاوي لإبراهيم منير، نظرًا لأنه (أي منير) من نفس جيل القرضاوي تقريبا، وقد عاصرا أحداثا واحدة، ومنير أقرب إلى التنظيم العالمي للإخوان، بخلاف محمود حسين الذي دخل في خلافات ومشاحنات معهم".
واتفق معه هشام النجار الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، حيث رأى أن تأثير وفاة القرضاوي على الخلافات بين جبهات الإخوان المتصارعة طفيف للغاية سواء بالسلب أو الإيجاب.
وقال النجار لـ"العين الإخبارية" إن "القرضاوي نفسه وفي حياته لم يتمكن من أن يكون له أي دور في حل الخلاف بين جبهتي (إسطنبول بقيادة محمود حسين) و(لندن بقيادة إبراهيم منير)".
وأضاف أن القرضاوي فشل في تقريب وجهات النظر ووضع حد للتراشقات في الإعلام، وتبادل الاتهامات بين الجبهتين.
وأوضح النجار أن الخلافات الإخوانية الأخيرة هي حالة غير مسبوقة، وهي أكبر من لجنة المصالحة ذاتها التي كونها القرضاوي وضمت شخصيات كبيرة وذات حيثية في التنظيم العالمي.
وأشار إلى أن الفشل في حل الخلافات لا يعود لضعف قدرات لجنة المصالحة أو لضعف تأثير القرضاوي، بل لطبيعة الصراع الكبير والعميق والشديد بين الإخوان، والذي تجاوز حدود السيطرة عليه.
ولفت إلى أن التنظيم انشق بالفعل إلى أكثر من جماعة، كما سعى كل طرف للسيطرة على قواعد التنظيم والأفرع المهمة وعلى أصول وأموال الجماعة، وهي حالة أكبر من نفوذ الجميع وحتى أكبر من سلطة المرشد والقيادات المصرية للتنظيم
هل العزاء سيكون فرصة؟
من جهته، اختلف منير أديب، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، مع الطرح السابق، مؤكدا أن وفاة القرضاوي قد تكون سبباً غير مباشر في تقريب وجهات النظر بين أجنحة الإخوان المتصارعة.
وقال أديب لـ"العين الإخبارية" إن "وفاة القرضاوي في حد ذاتها ليس لها تأثير على خلافات الإخوان، لكن ما بعد الوفاة ربما يكون له تأثير على الجبهتين".
وأضاف أنه "توجد ثمة إشارات لا يمكن تجاهلها ظهرت في الجنازة، إذ ظهر خالد مشعل وإسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق قادة حماس وهم بجوار إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد وقائد "جبهة لندن" وهم يقبلون رأسه، فيما يمكن اعتبارها بيعة من حماس "لمنير" في حضور الشيخ محمد الحسن ولد الددو الذي أم صلاة الجنازة على القرضاوي".
وأشار إلى أن هذه المؤشرات ترجح احتمال أن الوضع قد يستقر لإبراهيم منير، مضيفا: "ليس المقصود بهذا أن الخلاف انتهى فما زالت جذور الخلافات قائمة، سواء في تولي المناصب القيادية بالتنظيم، أو في طريقة إدارة الجماعة، أو حول المشروع الذي سيحمله الإخوان الفترة القادمة".
وقال إن "ثمة إشارات من داخل التنظيم تشير إلى أن بعض قيادات الإخوان من غير من تورطوا في تبادل السباب والاتهامات في أثناء الخلافات بين الجبهتين، سيسعون لاستغلال حضور محمود حسين لتقديم واجب العزاء في القرضاوي لعقد جلسات تفاهم بين الفريقين لحسم حالة التشرذم التي يعاني منها الإخوان منذ فترة ليست بالقليلة".
من يحل مكان القرضاوي؟
وبحسب البشبيشي، فإن الجماعة الإرهابية في طريقها لاختراق المجتمعات تحاول دائما ترميز شخصيات في كافة المجالات سواء الرياضة أو السياسة أو الفن، وبالتأكيد في مجال الدعاة والوعاظ والفقهاء الرسميين.
وقال "قديماً صنعوا رمزًا لسيد سابق كـ"صاحب فقه ميسر" ومحمد الغزالي السقا كـ"مفكر وفقيه تجديدي"، والقرضاوي كـ"مجدد وسطي"، وحاولوا منذ فترة مع عبدالرحمن عبدالبر وعبدالله الخطيب أعضاء مكتب الإرشاد الإرهابي".
وأضاف أن العوامل التي صنعت القرضاوي غير متوفرة حالياً، رغم وجود عناصر غير مصرية يمكن أن تستكمل دور القرضاوي، إلا أن الزمن مختلف.
وأشار إلى أن ظهور القرضاوي تزامن مع نمو الاتجاه الماضوي أو ما يسمى "بالصحوة الإسلامية" أو "التيار الإسلامي"، وقال "كلها مصطلحات صنعها التنظيم لخداع البسطاء، لكن في النهاية الظروف العالمية هي التي سمحت للقرضاوي للظهور وكذلك قناة الجزيرة القطرية وبرنامجه الذي كان يطل منه على العالم".
وأضاف البشبيشي: "أما اليوم فالإخوان يعانون في كافة الأقطار، ومشروعهم فشل ورفضتهم الشعوب العربية والإسلامية، وبالتالي لن يتمكنوا من إيجاد بديل للقرضاوي".
من جهته، قال النجار إن "الجماعة لا بد أن تسعى لملء مكان القرضاوي"، لكنه شكك في قدرتها على صناعة "قرضاوي آخر" حالياً، قائلا "ربما في وقت آخر أكثر استقرارا يمكنهم ذلك".
أما منير أديب فقال إنه "رغم امتلاك الإخوان لشخصيات متعددة، إلا أنه من المبكر أن ينشغل الإخوان بصناعة رمز ديني أصولي رسمي في المرحلة الحالية، فالجماعة تعاني من أزمات وانشقاقات وخلافات واتهامات ربما تعصف بمستقبلها وبوجودها من الأساس".
القرضاوي فوق المرشد
وذهب عمرو فاروق إلى أن القرضاوي كان مشروعا إخوانياً بامتياز، وقال "إنه ليس صنيعة التنظيم فقط بل كان يحمل مشروعًا ذاتيًا ورغبة جامحة في أن يكون مرجعية دينية فوق المرشد وفوق شيخ الأزهر".
وأضاف أن "القرضاوي توافق مع التنظيم دون ترتيب على أن يكون مرجعية عليا للمسلمين كافة، وأن يكون في نفس الوقت معبراً عن الجماعة ومساندًا لمشروعها".
واعتبر أن "التنظيم صنع القرضاوي عبر ترديد العناصر الإخوانية أن القرضاوي هو فقيه هذا العصر، وقد رد القرضاوي الجميل في العقد الأخير من حياته، فالوقائع تؤكد أنه قام بمهمته لصالح الإخوان على خير وجه، وأصدر فتاوى كثيرة ومتعددة لصالح التنظيم أخطرها اتهام كل من عارض محمد مرسي أنه من الخوارج، مع ما تحمله هذه التهمة من إباحة دماء المعارضة المصرية".