رأسان و4 جماعات بتنظيم مشتت.. من يقود الإخوان؟
يعيش تنظيم الإخوان لحظة تشتت على مستوى هرم القيادة، في ظل صراع وتناحر بين الرؤوس الكبرى، لا تعرف نهايته حتى الآن.
وتبحث أسئلة كثيرة عن إجابات، في ظل انشطار تنظيم الإخوان بشكل غير مسبوق حاليا إلى جبهتين متناحرتين، لكل منهما؛ مرشد عام، ومجلس شورى ومتحدث رسمي، فيما لا يعترف أي طرف بالآخر، ضمن أزمة شرعية واتهامات متبادلة باختطاف القيادة.
انشطار الإخوان ظهرت أبرز تجلياته في تنصيب محمود حسين "المجمد" -وفق قرارات صدرت عن الجانب الآخر - القيادي الإخواني مصطفى طلبة مرشدا عاما مؤقتا كبديل لإبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد، والمعزول خو الآخر بقرار من الجبهة المناوئة.
جبهتا لندن وإسطنبول
واشتعل الصراع بين "جبهة لندن" بقيادة إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد المطعون في شرعيته، وجبهة إسطنبول في المقابل، التي يتزعمها محمود حسين؛ الأمين العام السابق للجماعة من أنقرة، عقب إعلان الأخيرة تشكيل "لجنة للقيام بأعمال المرشد"، واختيار القيادي مصطفى طلبة ممثلا عنها، بمنصب مرشد الجماعة لمدة 6 أشهر.
محللون سياسيون وخبراء في شؤون حركات الإسلام السياسي، قدروا في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، حسم "جبهة إسطنبول" التي يتزعمها محمود حسين الصراع بشكل مؤقت لصالحها.
ونبه الخبراء في الوقت ذاته إلى أن الصراع سيمتد حتى "تفكيك بنية التنظيم وتهاويه"، دون أن تتمكن جبهة ما من تسديد بالضربة القاضية على الجبهة المناوئة، لكنهم حذروا أيضا من أن التنظيم سيلتهم الجميع في حال الالتئام من جديد وتخطي الأزمة الحالية.
واعتبر المحللون أيضا أن تشكيل جبهة إسطنبول، لجنة تقوم بمهام القائم بعمل مرشد الجماعة، بديلا عن "منير"، بمثابة "مولود جديد للتنظيم؛ لكنه مشوه برأسين، هما حسين ومنير، وأربعة أرجل؛ مجموعة مع الأول والثانية مع الأخيرة، وثالثه كمون وتجميد عضويتها، ورابعة أعلنت انشقاقها".
حسم مؤقت لصالح حسين
الدكتور أحمد الشوربجي الباحث في شؤون حركات الإسلام السياسي قال في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن جبهة محمود حسين حسمت "مؤقتا" الصراع لصالحها على الأقل قاعديا، ويبقى الحضور الإعلامي القوي لصالح جبهة لندن.
ونبه الشوربجي أن هناك 3 أسباب تقوي جبهة حسين في إسطنبول؛ وهى المال، والارتباط بتركيا، والمحافظة على التنظيم التقليدي كما هو، وعدم التحول إلى تيار فكري.
وفسر قائلا: "من يمتلك المال داخل التنظيم هو من يملك زمام الأمور في الجماعة، وحسين بيده زمام دخول الأموال للجماعة وخروجها منها"، مردفا : "محمود حسين قلب الطاولة على منير واستطاع توجيه ضربات حقيقية ومؤثرة، سحبت البساط تماما من تحت قدمه (منير)، وخلخلت وجوده ودرجة تأثيره في الجماعة".
المال يحكم الجماعة
وأبرز المحلل السياسي أن "نقطة القوة في الإخوان هي من يملك المال، فمن بيده أوراق الخروج والدخول لأموال الجماعة هو من يملك القوة الحقيقية".
ودلل الشوربجي على ذلك بأن القيادي الإخواني خيرت الشاطر رغم أنه لم يكن مرشد الإخوان في مصر، كان المرشد الفعلي، والمحرك للعديد من الأحداث، وقرارات الجماعة الهامة، خاصة عقب أحداث يناير عام 2011، بحكم كونه كان يملك المال.
وبرهن على ذلك بتأكيد أن الإخوان رفضوا خوض انتخابات الرئاسة في 2012، لكن الشاطر نجح في إعادة التصويت مرة أخرى لمجلس الشورى، واجتذب الأصوات لصالح قرار خوض الانتخابات، بالإضافة للعديد من المواقف الأخرى.
ووفقا لمراقبين، فإن جبهة إسطنبول دفعت بالقيادي مصطفى طلبة في واجهة المشهد كقائم بأعمال المرشد، لأنه يحظى بعلاقات وثيقة مع السلطات التركية، ويدير مجموعة ضخمة من استثمارات وأموال الجماعة.
لمن ترجح الكفة؟
الشوربجي أشار إلى أن هناك عامل أخر وهو مدى ارتباطات "حسين" أو "منير" بأجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، فالأول وجبهته يرتبطان بشكل وثيق بتركيا والجهات الأمنية هناك، بينما يرتبط منير بالاستخبارات البريطانية، وهذا الأمر يعطي لحسين ميزة وبعض القوة.
ومن العوامل التي رجحت كفة "حسين" في الصراع بشكل مؤقت، هي أن إبراهيم منير منذ فترة طويلة يرى ضرورة تحول الجماعة إلى تيار، باعتبار التيار الفكري أكثر تأثيرا وتفاديا للضربات، فيما يعارض حسين والتنظيم المصري بشكل قاطع التحول لتيار فكري ويؤيد فكرة بقاء التنظيم"، وفقا للخبير في شئون حركات الإسلام السياسي.
وقال الشوربجي إن "التنظيميين الذين يريدون الحفاظ على التنظيم، هم الأكثر تأثيرا، ويعتبرون بمثابة الكتلة الحرجة داخل الإخوان وهؤلاء يتبعون حسين"
ومع ذلك، اعتبر أن الإخوان وعلى مدار تاريخهم حين التعرض لأزمة، غالبا ما تتبعها انشقاقات عميقة أو بسيطة، وبمجرد أن تزول تلك الأزمة يلتئم التنظيم، بشكل أو بآخر ويعود.
وفي تقديره، فإن التنظيم "سيلتئم من جديد ويلتهم المجتمع إذا تخطى الأزمة الحالية"، متابعا :"التنظيم لم ينته، حيث يمتلك داخل العديد من المجتمعات أدوات قوى ناعمة سواء داخل النقابات أو العديد من الجهات والمؤسسات، علاوة على أن التنظيم لديه القدرة على التبرير الدائم وخطاب المظلومية".
وتوقع الشوربجي امتداد الصراع الحالي بين الجبهتين، ما لم يدخل طرف ثالث على خط الأزمة ويحسم الصراع، لكنه أمر مستبعد في ظل الظروف الحالية للتنظيم، ووجود معظم قيادات الإخوان بالسجون".
أخطاء منير
ومتفقا مع طرح الشوربجي، قال منير أديب الباحث فى شئون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن جبهة إسطنبول استطاعت حتى هذه اللحظة حسم الصراع لصالحها، ويبدو أنها الأقوى حتى الآن من الجبهة المناوئة.
وبين الخبير السياسي أن "حسين" يفهم أدبيات التنظيم، وطبيعته، وبالتالي كان أكثر إقناعا لمؤسسات الجماعة ولقواعدها، علاوة على تواصله مع جميع المكاتب الإدارية داخل مصر، كونه كان أمينا عاما سابقا للتنظيم.
وساق على ذلك دليلا بوجود مكتبين إداريين فقط داخل مصر، هما من اعترفا بشرعية إبراهيم منير، وهما الإسكندرية والفيوم، ولم يؤيده من مكاتب الخارج سوى 3 هي: إسطنبول والصومال وماليزيا.
ونوه خبير الإرهاب الدولي بأن "الأمين العام السابق للجماعة تدارك أخطاء كثيرة وقع فيها منير الذي كان يشغل منصب أمين عام التنظيم الدولي، وعاش في لندن 30 عاما؛ حيث غاب عن الأخير الطبيعة النفسية للإخوان خاصة بمصر، واعتقد خطأ أن المعركة فيمن يكسب الآخر في الإعلام وهو ما أدى إلى نتائج سلبية عليه.
التصفية المعنوية
وقال أيضا إن "حسين تعامل بنفس الطريقة التي كان يدير بها مكتب الإرشاد وقيادته وأعضاءه مع أي خلاف يطرأ مع بعض القيادات في الداخل أو الخارج، وتتمثل تلك الطريقة في "التصفية المعنوية" للمخالف، وهو ما نجح فيه مع إبراهيم منير.
لكن وفي معرض قراءته لإعلان جبهة إسطنبول تشكيل لجنة للقيام بمهام القائم بعمل مرشد الجماعة، بديلا عن منير، قال أديب، إن اللجنة "مولود جديد للتنظيم لكنه مشوه برأسين وأربعة أرجل".
ويوضح ذلك قائلا: "هناك أولا من عناصر التنظيم من انحاز لإبراهيم منير، وثان انضم لمجموعة حسين، وثالث جمد عضويته في التنظيم، فيما انشقت المجموعة الرابعة تماما عن التنظيم؛ لذا فنحن نتحدث حاليا عن الإخوان في اللاتنظيم.
تهاوي التنظيم
وحتى مع الحسم المؤقت لصالح جبهة إسطنبول -يتابع أديب- فإن الصراع ممتد "فنحن نتحدث عن تنظيم انشطر وتهاوي وربما تفككت أسسه التي بناها المؤسس الأول للجماعة حسن البنا".
وبدوره، قال أحمد بان الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن "الصراع لن يحسمه طرف في الأجل المنظور بالنظر لما يملكه كل طرف من أوراق وسيبقى الانقسام قائما حتى تحسم قيادات السجون أمرها بدعم طرف على حساب آخر"
ولفت إلى أن "ورقة المال قد تحسم الأمر مرحليا"، لكنه يرى – بخلاف سابقيْه- أن الحسم يبدو في صالح إبراهيم منير الذى دعمه بشكل علني المفوض السابق للعلاقات الدولية في التنظيم الدولي للإخوان يوسف ندا.
ومنذ توقيف القائم بالأعمال السابق محمود عزت القيادي التاريخي لإخوان مصر تولى إبراهيم منير أبرز أقطاب التنظيم الدولي، أعلى منصب في الجماعة الإرهابية.
لكن الصراع على المال والمناصب والنفوذ الذي تصدعت مع احتدامه الجماعة المترنحة أصلا، وصل لطريق مسدود مع قرارات عزل متبادلة ووسعت خريطة تشظي التنظيم إلى جناحين في الخارج؛ جناح لحسين وآخر لمنير وجناح في الداخل لعناصر شابة أكثر تطرفا.
aXA6IDE4LjE4OC41OS4xMjQg
جزيرة ام اند امز