إرث الإخوان يثقل كاهل البرلمان.. تونس تطوي الماضي
بعد تجربة مريرة مع "السياسة الفاسدة"، يكافح التونسيون لإعادة الثقة في اللعبة الانتخابية، وتصديق الواقع الجديد للبلاد بلا إخوان.
هذه على وجه الدقة، فحوى القراءة العميقة لما حدث في انتخابات البرلمان بتونس، أمس، حيث بات واضحا أن التونسيين عالقون بين النفور من الماضي، وصعوبة تصديق حلم الخلاص من الإخوان، الذي أصبح واقعا.
فعلى قدر الرعب الذي يعيشه المرء، يحمل الخلاص في بدايته صدمة وصعوبة في التصديق، سرعان ما تتحول إلى بهجة وإقبال وتعايش، في اللحظة التي يتيقن فيها الجميع أن صفحة الماضي طوت إلى غير رجعة.
هذا الواقع السيكولوجي، تزامن مع تعديلات جمة على أساليب وقواعد الاقتراع في انتخابات أمس، إذ بات يتوجب على المرشح أن يتقدم للانتخابات فرديا وليس عبر قائمة حزبية كما تم إلغاء مبدأ التناصف بين الجنسين.
كما ألغى القانون الجديدة، شرط حصول كل مرشح على 400 تزكية موقعة من 200 ناخب و200 ناخبة، وحظر التمويل العام لحملات المرشحين فضلا عن تقسيم البرلمان إلى 161 دائرة انتخابية بدلا من 217 دائرة انتخابية.
هذه التغيرات رغم صعوبة التعايش معها والاعتياد عليها في البداية، تعد، وفق مراقبين، بداية لمرحلة جديدة يأمل فيها التونسيون استعادة الحياة السياسية لبريقها، بعد أن أفقد الإخوان الشعب ثقته في السياسة.
ففشل الإخوان السياسي على مدار 10 سنوات، دفع الشعب إلى النزول في مظاهرات تطالب الرئيس قيس سعيد، باتخاذ إجراءات حاسمة ضد الوجود الإخواني، فعزل الأخير رئيس البرلمان وأوقف تنازع السلطات الثلاث، ووضع "خارطة طريق" بدأها بوضع دستور جديد للبلاد.
ثم كانت الخطوة الحالية وهي إجراء الانتخابات البرلمانية لتشكيل برلمان جديد، لكن الإخوان لم تقف مكتوفة الأيدي أمام خطوات الإصلاح السياسي، واستعدت بخطة لعرقلة مسيرة الإصلاح، رغم رفض الشعب لها.
وعن الانتخابات البرلمانية ومخطط الإخوان لعرقلة وتشويه مسار 25 يوليو/تموز، يرى باسل ترجمان الكاتب التونسي والباحث في الإسلام السياسي، أن الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس السبت، هي المسمار الأخير في نعش حزب النهضة حركة وفكرًا.
وأكد في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الانتخابات الأخيرة أثبتت وعي التونسيين والتفافهم حول الوطن، وأن خيار "أن تكون تونس بدون إخوان هو بمثابة إسدال للستار على تجربة الإخوان في تونس".
ومضى قائلا إن "الشعب اقترع أمس، إدراكا منه لخطر الإخوان على مستقبل الشعب والأجيال القادمة".
ورغم ذلك، أرجع ترجمان سبب ضعف الإقبال على لجان الاقتراع " أن نسبة 9% ليست دليلاً على استجابة الشعب لدعاوي المقاطعة، بقدر ما هي انعكاس لحالة فقدان ثقة الناخب التونسي في البرلمان، والتي سببها الإخوان على مدار العشر سنوات الماضية".
وتابع أن "هذه النسبة مرشحة للزيادة في المستقبل إذا شعر الناخب بأنه يمتلك صوته وأن من يختارهم يمثلونه فعلا وليس كأيام الإخوان عندما كانت الجماعة تمثل دولة إقليمية، وتهتم بمصالحها أكثر من اهتمامها بمصالح التونسيين".
وأضاف "هذا دور النخبة السياسية في الفترة القادمة؛ وهي مهمة ضخمة، فإزالة أثار الإخوان أشق من مواجهتها".
وحول مخطط الإخوان لإفشال العرس الديمقراطي، يرى ترجمان "من المتوقع أن ترفض الإخوان مسار الإصلاح الذي اختاره الشعب وأن تبدأ في تنفيذ مخططها" الذي يرتكز "على ثلاث مراحل، الأولى التشكيك، وفيها يتم نشر الشائعات حول قانونية قرارات الرئيس ومدى صلاحيتها للشعب التونسي".
المرحلة الثانية، وفق ترجمان، هي التشويه، وفيها "يقوم أتباع الجماعة بتشويه أي إنجاز مثل خطط الدولة في استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والعدالة الضريبية وتكثيف الإصلاحات التي تدعم بيئة مواتية للنمو الشامل وخلق فرص عمل مستدامة".
أما المرحلة الثالثة، فتركز على "إسقاط الرئيس نفسه، عبر المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة"، وفق الخبير التونسي الذي أضاف "هذا المخطط بدأ قبل الاستفتاء على الدستور، واستمر مع الانتخابات البرلمانية الحالية، ومن المتوقع أن يضخ الإخوان مزيدًا من الشائعات والأكاذيب حول الدولة والرئيس والإصلاحات".
ومضى ترجمان قائلا "الإخوان فشلوا في تونس وغيرها من الدول العربية فشلاً ذريعا، وهم يعيشون صدمة رفض الشعب لهم".
وأوضح "قبل أسبوعين، صور لهم غرورهم "يقصد الإخوان" أنهم قادرون على إسقاط الدولة والرئيس معًا، فدعوا إلى مظاهرات في شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة، ولم يستجب لهم حتى أتباعهم، فلم يجتمع معهم سوى عشرات من الأفراد وسط حماية الشرطة التي لم تمنعهم من التظاهر".
واستطرد قائلا "وعندما تأكد فشلهم، حاولوا الاستقواء بالخارج كعادتهم، فأرسلوا رسائل للرئيس الأمريكي تطالبه بعدم مقابلة الرئيس التونسي على هامش القمة الأفريقية الأمريكية، اعتراضًا على ما قام به تجاه الإخوان، وطبعا لم يستجب الرئيس جو بايدن لهذه السخافات".
وحول إمكانية أن يلجأ الإخوان إلى العنف للانتقام، أكد الباحث التونسي أن "الإخوان لديها الرغبة في هذا، لكن ليس لديها القدرة، ولن يسمح لها الشعب بالانخراط في عمليات إرهابية تهدد أمن البلاد، ولن تتمكن من فرض الفوضى والشغب على الشارع التونسي؛ فقد عادت الدولة للشعب مرة ثانية"
فيما يرى حازم القصوري الكاتب والباحث السياسي أن الانتخابات الأخيرة تاريخية وتؤسس لتونس ما بعد الإخوان فقد تم إزاحة الجماعة قانونيًا وشعبيًا".
وأوضح في تحديث لـ"العين الإخبارية"، أن الانتخابات التونسية التي جرت يوم السبت الماضي رغم ضعف الإقبال، تعد السطر الأخير في كتاب الإخوان بتونس"، مشيرًا إلى أن المشهد الجنائزي الرمزي الذي أداه مجموعة من الشباب التونسي ذو دلالة صارخة، فالشعب ليس فقط مؤيدًا للرئيس، بل رافضا للإخوان.
وتابع أن الإخوان "رفضت المشاركة في العملية الانتخابية لعلمها اليقيني أنها ستتلقى ضربة شعبية أخيرة، فالعديد من قادتها لا يتمتعون بشعبية، مع وجود اتهامات صريحة لهم بخدمة مصالح ذاتية فقط عندما كانوا في الحكومة".
ويستكمل القصوري"اليوم تونس على أعتاب مرحلة جديدة بدون إخوان وبدون المال السياسي الفاسد"، موضحًا أنّ هناك العديد من التقارير لمحكمة المحاسبة تؤكد وجود تمويل سياسي أجنبي لأحزاب سياسية وشخصيات ترشحت للرئاسة في السابق.
ومضى قائلا "أما اليوم فهو بداية جديدة بشرعية شعبية جديدة ولا ننسى أن قبل شهور حقق قيس سعيّد نجاحًا في الاستفتاء بموافقة غالبية كبيرة من الناخبين على مشروع دستور جديد".
القصوري قال أيضا، إن "الإقبال المحدود في الانتخابات الحالي هو أمر متوقع وطبيعي فهو أول استحقاق انتخابي يُجرى في ظل القواعد الانتخابية الجديدة، والجميع يترقب البرلمان في ثوبه الجديد"
aXA6IDEzLjU5LjEyNy42MyA=
جزيرة ام اند امز