ناجية تروي مشاهد مروعة عن مجزرة بحق الروهينجا بميانمار
إحدى سيدات الروهينجا تروي مشاهد مرعبة لمجزرة شهدتها قرية تولا تولي غرب ميانمار
منبوذة ومتروكة لتموت.. هكذا تقول ممتاز التي وجدت نفسها أعلى تلة من الجثث المتفحمة المتشابكة.
تقول ممتاز، وهي سيدة من الروهينجا من قرية تولا تولي الواقعة غرب ميانمار: "قتلوا وكدسوا الجثث فوق بعضها. كان الأمر يشبه قطع الخيزران"، مضيفة: "في الكومة يمكنك العثور على عنق أحد الأشخاص، أو رأسه، أو ساقه. تمكنت من الخروج لا أعلم كيف".
الأهوال التي تقول ممتاز إنها عانتها لا تتوقف هناك، فبعد هروبها من المقبرة الجماعية، تم سحبها إلى منزل قروي واغتصبها جنود، ثم أغلق المنزل الخشبي بعد ذلك وأشعلت فيه النيران.
وكانت ابنتها التي تدعى "راضية" ذات السبعة أعوام داخل المنزل القروي، وهي من أنقذتها في النهاية.
مرت الاثنتان عبر أحد السياج المتضررة، ثم اختبأتا في إحدى البقاع الخضراء، قبل أن يجدهما قرويون آخرون ليقدموا لهما يد المساعدة عبر إيصالهما إلى بنجلاديش.
توثيق مذبحة
شافيور رحمن، أحد صانعي الأفلام الوثائقية، سمع أولاً عما حدث في تولا تولي بعد تصويره فيلم عن مجموعة من الروهينجا يعبرون الحدود بين ميانمار وبنجلاديش في 2 سبتمبر، بعد ثلاثة أيام من وقوع أعمال القتل.
اللقطات المأساوية تظهر عشرات الرجال والنساء يتسلقون أحد السياج الشائكة عبوراً إلى منطقة محظورة، بعضهم تغطيهم الدماء ويحملون القتلى أو أقاربهم الجرحى.
وقال رحمن لشبكة "سي إن إن" الأمريكية: "سرعان ما بات واضحاً لي أن أولئك ممن يخبروني بالروايات الأكثر ترويعاً عن آخر أيامهم كانوا في تولا تولي، وما صدمني كان الاتساق في قصصهم".
رحمن التقى السيدة ممتاز التي كانت مغطاة بالضمادات، وقضت 15 يوماً على سرير بإحدى العيادات، لكنها كانت في البداية غير قادرة على التحدث أو حتى تناول رشفة مياه، لكن بحلول منتصف أكتوبر، بدأت الحروق المروعة التي غطت وجهها بأكمله وجسدها في التعافي ببطء، وبدأت هي الأخرى في رواية قصتها ضمن سلسلة لقاءات.
وعود كاذبة:
وتعتبر ولاية راخين، أحد أفقر المناطق في ميانمار، موطناً لمعظم الروهينجا المسلمين وعرقية الراخين، وهي جماعة أغلبها يعتنقون البوذية، وقد عاشت الاثنتان جنباً إلى جنب في تولا تولي طيلة أجيال، رغم التوترات طويلة الأمد التي كانت في كثير من الأحيان تتحول إلى عنف.
خلال لقاءات ومقابلات تفصيلية، أكثر من 30 ناجياً أخبروا "رحمن" أنهم حصلوا على تأكيدات من السلطات المحلية أنهم سيكونون في أمان إذا بقوا في قراهم، فعلى سبيل المثال قيل لأحد الروهينجا ويدعى محمد ناصر: "قد يحرقون المنازل، لكنهم لن يقتلوا أحداً".
وتحدث الناجون عن هبوط مروحيات قرب القرية في الساعة الثامنة من صباح يوم 30 أغسطس، فيما انضم للجنود نحو 50 بوذياً من عرقية راخين، كما انضم آخرون من أقليات أخرى خارج القرية.
ويقول ناصر: "طلبوا منا التجمع عند الشاطئ"، متحدثاً عن الضفاف الرملية للنهر المتعرج الجاري في تولا تولي"، مضيفاً: "عندما رأوا الناس تتجمع، توجهوا مباشرة إليهم، وأطلقوا عليهم النار بشكل متواصل في نفس وقت حرق المنازل".
أما ريحانة بيجون، فأكدت الرواية السابقة، وقالت إن السلطات المحلية طلبت منهم مغادرة المنزل إلى قرب النهر ثم أطلقوا عليهم النار.
وتابعت: "الجيش حاصرنا فجأة، ولم نتمكن من الهرب بسبب النهر، كان المد عالياً، ولم تكن هناك قوارب، ولكن تمكنت من السباحة والهرب"، وأضافت: "الكثير أصيبوا بطلقات نارية، وآخرون أصيبوا وسقطوا على وجوههم، وأولئك أخذوا وقطعوا وألقوا في النهر".
مستقبل مظلم
تتعافى السيدة "ممتاز "ببطء من حروقها وجروح أخرى في مستشفى ببنجلاديش، لكنها تواجه مستقبلاً يائساً.
الأوضاع في المخيمات الحدودية حالكة وكئيبة، مع معاناة وكالات المساعدات في توفير طعام كافٍ، وملاجئ، ورعاية صحية، حيث وصفت منظمة الأمم المتحدة أزمة اللاجئين الروهينجا بأنها الأسرع نمواً في العالم وتعتبر حالة طوارئ إنسانية كبرى.
ممتاز وراضية ليس لديهما سوى بعضهما البعض. ففي المذبحة، تقول ممتاز إن زوجها أصيب عند النهر، وأحد أولادها الثلاثة ألقي في النيران، وقتل الاثنان الآخران في الكوخ الخشبي الذي هربت منه وابنتها.
وتقول راضية: "شقيقي والآخرون حُرقوا، وأطلقوا النار على والدي".