"حدود ملطخة بالدماء" .. شهادات مروعة من مأساة الروهينجا
وصف الصحفي البريطاني بيتر أوبورن ما يحدث بحق أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار بأنها "إبادة جماعية"
"إبادة جماعية" بحق الروهينجا.. هكذا وصف الصحفي البريطاني بيتر أوبورن ما يحدث على الحدود بين ميانمار وبنجلاديش والتى وصفها أيضاً بأنها "ملطخة بالدماء"، راصدًا شهادات مروعة لما يحدث لهذة الأقلية المسلمة.
- "أطباء بلا حدود": فتيات الروهينجا يتعرضن للاغتصاب
- بالصور.. "المهرجون" استراحة قصيرة للروهينجا من الأهوال
والصحفى البريطاني أوبورن يعمل مراسلا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، تحدث مع عدد من الناجين من الهجوم الوحشي الذي شنه جيش ميانمار على الروهينجا التي فر منها أكثر من 600 ألف عابرين الحدود إلى بنجلاديش.
ويقول :" يصل المزيد من الآلاف كل يوم، ويحمل كل منهم قصة تنفطر لها القلوب، فيصف أولئك اللاجئون المصابون بالصدمة كيف حرق الجيش منازلهم ويسردون قصص القتل والاغتصاب والمقابر الجماعية.
عندما تولت أونج سان سو كي السلطة في 2015، كان يُقدر عدد سكان الروهينجا بأكثر من مليون شخص، والآن لم يتبق سوى 300 ألف شخص على الأرجح، بينما مات الآخرون أو فروا عبر الحدود في رحلة محفوفة بالمخاطر فوق الجبال وعبر الغابات.
وفي كثير من الأحيان، يُجبر الفارون على الاختباء في مصارف وخزانات المياه وحقول الأرز، ويُقتلون إذا عُثر عليهم.
ولا يفهم الناجون لماذا لن يتدخل العالم وينقذهم، فبينما انهمرت الأمطار على المنزل المؤقت لرجل عجوز قال "أرجوك ساعدنا.. أرجوك احك قصتنا للعالم".
وقال بيتر أوبورن إنه عند وصوله إلى مخيم بالوكالي للاجئين الواقع على بعد أميال قليلة من حدود ميانمار، كان مستعدًا للاستماع لشهادات مروعة، ولكن ما سمعه كان أسوأ بكثير.
وتحدث الناجون عن الوحشية في تولا تولي، وهي قرية للروهينجا غربي ميانمار، ففي وقت باكر من صباح 30 أغسطس/آب الماضي، ظهر حوالي 150 من جنود الحكومة والمدنيين البوذيين على أقدامهم في شمال القرية.
واستخدمت القوات قاذفات الصواريخ وبدأت في إشعال النيران في المنازل، فما كان من القرويين المذعورين سوى الفرار من ألسنة اللهب، وبينما كانوا يركضون بدأ الجنود في إطلاق النار عليهم بما يقول الشهود إنها بنادق نصف آلية.
وتقع تولا تولي بين الأدغال ونهر متدفق، وبينما حاول القرويون الهروب إلى الأدغال، اعترض طريقهم صف من المدنيين البوذيين من قرى غير مسلمة حاملين سيوفا طويلة.
وكان الطريق الوحيد هو ضفة النهر، وسرعان ما اجتمعت القرية بأكملها على مرتفع رملي كبير على حافة النهر، وكان تلك إشارة للقتل والوحشية الحقيقية.
ويقدر القروي عبد الله –اسم مستعار لحماية هويته- عدد الوفيات بحوالي 1500 شخص، بما في ذلك زوجته و5 من أطفاله البالغ عددهم 6 أطفال، فقد فرت ابنته المتزوجة سالمة حيث كانت تعيش في قرية أخرى.
تمكن هو وما يقرب من 15 شخصًا آخرين يصفهم بالأكثر قوة، من السباحة في النهر والاختباء في مقبرة، ومن هناك على بعد 40 ياردة شاهدوا المشهد المروع.
وقال عبد الله، إنه شاهد الجنود وهم يقسمون الروهينجا إلى 3 مجموعات، وهم الرجال، والفتيات الصغيرات والسيدات العجائز أو كما يصفهم عبد الله بصورة تقشعر لها الأبدان باللواتي لا يمتلكن قدرًا كبيرًا من الجمال.
بينما انبطح بعض القرويين في محاولة لحماية أنفسهم من إجبارهم على الانقسام إلى مجموعات، ولكن كان ذلك بلا فائدة، ثم فتح الجنود النيران.
وأضاف عبد الله أن الجنود أطلقوا النيران على جميع الرجال الشباب في آن واحد، واستغرق الأمر أقل من 10 دقائق.
وعندما انتهى إطلاق النار، سار الجنود على كومة الجثث للبحث عن ناجين، وإذا رأوا علامات على وجود أحياء كانوا يقتلونهم بالمنجل.
وبعد توقف دام خمس دقائق، فتح الجنود النيران على السيدات العجائز، ويقول عبد الله إن الجنود وضعوا الأغطية على الجثث ثم صبوا البنزين وأشعلوا النيران فيها، وبينما كان هناك لهيب كبير قذفوا الأطفال الصغار أحياء في النار.
وقال عبد الله إنه شاهد قائد الجيش يجلس صامتًا يراقب قواته بينما يقومون بمجزرتهم، مما يشير إلى أن الجنود كانوا يتصرفون وفقًا لأوامر سابقة.
ولكن ما حدث بعد ذلك كان أسوأ، وفقًا لعبد الله، أخذ الجنود الفتيات الصغيرات المسالمات وكان عددهن حوالي 100 فتاة، إلى حافة الغابة، ثم سحبوهن في مجموعات من 5 أو 6 فتيات إلى القرية مجددًا وأجبروهن على الدخول إلى المنازل التي لم تكن قد احترقت بعد.
كان عبد الله بعيدًا لدرجة لا تسمح له برؤية أسرته، ولكن كان يعرف أن زوجته وبناته ضمن هذه المجموعات، ثم ساد الصمت لثلاث ساعات.
يصف عبد الله رؤية النساء وهن يوضعن داخل المنازل بينما تدخل مجموعة من الجنود وتخرج، وعلى الرغم من عجزه عن رؤية ما يحدث بالداخل إلا أنه لم يكن هناك حاجة للتخمين، ما يحدث هو الاغتصاب.
ومع نهاية الساعات الثلاث، يقول عبد الله إنه تم إضرام النيران في المنازل بينما الفتيات بالداخل، وسمع عبد الله صراخهن، بينما تمكنت 7 فتيات فقط من الهرب على الرغم من تعرضهن للضرب والحرق الشديد، إلا أن عبد الله لم ير زوجته وبناته مجددًا.
ثم ذهب الجنود إلى النهر وحفروا حفرة كبيرة وألقوا الجثث فيها بمساعدة القرويين غير المسلمين، ولم يتبقى سوى عدد قليل من الأطفال الصغار جدًا أحياء، ويقول الشهود إن بعضهم أُحرقوا أحياءً بعد ذلك، بينما أٌلقي الآخرون في النهر.
وفي الرابعة والنصف عصرًا، انطلق عبد الله في رحلة على الأقدام دامت ثلاثة أيام عبر الحدود إلى بنجلاديش، حيث التقى ابنته المتزوجة بعد 10 أيام.
وأشار الصحفي بيتر أوبورن إلى عدم قدرته على التحقق من حقيقة شهادة عبد الله عبر السفر إلى تولا تولي بنفسه؛ لأن جيش ميانمار لن يسمح بدخول المراقبين الأجانب إلى المنطقة.
مع ذلك، أكد ناجون آخرون فضلًا عن مراقبين دوليين مستقلين، الحقائق الأساسية لقصته المروعة، فشهادة عبد الله تناسب النمط الأوسع للأعمال الوحشية التي وقعت في مناطق الروهينجا في الأسابيع العشرة الأخيرة.
وقال أوبورن إنه استمع مرارًا وتكرارًا لنفس القصص عن وباء قتل الروهينجا واغتصاب النساء، مشيرًا إلى أن هناك شيئًا مظلمًا ومروعًا يحدث في ميانمار.
من جانبه، قال ماثيو سميث من منظمة فورتيفاي رايتس الحقوقية -التي حذرت من حدوث إبادة جماعية وشيكة منذ سنوات– لأوبورن، إن عدد القتلى رهيب، وأكبر بكثير من تقديرات أي شخص.
وأوضح سميث أن حكومة ميانمار لم تمسح للغرباء بتسجيل الخسائر، مضيفًا أن هناك عادة سبب لذلك، فهذه ليست علامة جيدة، مشيرًا إلى احتمالية رؤية المزيد من القتل الجماعي في الأسابيع المقبلة.
ويختتم أوبورن تحقيقه بالقول إنه لا يزال هناك وقت كاف لوقف تعرض المتبقي من الروهينجا البالغ عددهم 300 ألف من مواجهة نفس مصير سكان قرية تولا تولي المنكوبين.