بعد وفاة الباحثة ريم حامد.. هل أدمن المصريون صناعة الأسطورة؟ (خاص)
منذ تم الإعلان عن وفاة الباحثة المصرية الشابة في فرنسا ريم حامد، ذهبت تعليقات المصريين بدون تردد في اتجاه تعرضها للاغتيال بسبب نبوغها العلمي، دون أن يكون هناك تقييم حقيقي لمنتجها العلمي، وهل بالفعل يجعلها هدفا لجهات أجنبية تريد إنهاء حياتها.
الحقيقة، وكما يكشف حسابها على بوابة الأبحاث "ريسيرش جيت"، فإنها لا تزال تتلمس طريقها في البحث العلمي، حيث لم تنشر سوى أربعة أبحاث، قرأها 407 أشخاص، ولم يتم الاستشهاد بأعمالها سوى مرة واحدة فقط، كما أنها تعمل في مجال شائع جدا، وليس نادرا (بايو تكنولوجي)، ولم تصل إلى أي اختراقات علمية تضعها في بؤرة الضوء، لكن مع ذلك، وجد المصريون في خبر وفاتها فرصة لصناعة أسطورة جديدة.
وصناعة الأساطير ثقافة مصرية تقفز إلى الذهن كثيرا لتمنع أي محاولات للتفكير بتمعن، وهو ما ظهر أيضا، قبل أربعة أعوام من وفاة ريم حامد، عندما تُوفي الدكتور أبوبكر عبد المنعم رمضان، الأستاذ المتفرغ بقسم المواقع والبيئة بهيئة "الرقابة النووية الإشعاعية"، أثناء حضوره ورشة عمل تنظمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التلوث البحري في المغرب، فكان أول ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي أنه تم اغتياله، كما اغتيل من قبله العالم الشهير الدكتور محمد مصطفى مشرفة.
ولاحقا تبين أن الدكتور رمضان، الذي تخرج في كلية الزراعة، وكانت كل اهتماماته تتعلق بدراسة التلوث الإشعاعي في المياه أو التربة، توفي إثر أزمة قلبية طبيعية، تماما كما كانت وفاة مشرفة طبيعية بشهادة أسرته نفسها، والتي بح صوتها بالمطالبة بعدم ترديد الحديث عن اغتياله، ومع ذلك، لم تفلح هذه المناشدات في إثناء المصريين.
ومؤخرا، فعل شقيق الباحثة الشابة ريم حامد نفس الشيء، بمناشدة المصريين التوقف عن ترديد الحديث عن اغتيالها، فكانت التعليقات على السوشيال ميديا أنه تم توجيهه بالتزام الصمت، واتهمه البعض بأنه يساهم في ضياع حق شقيقته.
والقضية برمتها مثيرة للسخرية، لذلك علق عليها الدكتور سامح سعد، رئيس وحدة أبحاث بيولوجيا الأورام بمستشفى سرطان الأطفال 57357، بشكل ساخر قائلا في تعليق كتبه على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك": "عندما يرى أعداؤنا أننا ننسج خيالات حول اغتيال طالبة (لها الاحترام والدعاء بالرحمة ولأهلها خالص التعازي) وهي في بداية مشوارها البحثي حول موضوع شائع وبلا أي إنتاج حقيقي حتى الآن، هيتأكدوا من مدى ضحالتنا وخيبة آمالنا وهايكنسلوا جميع مشروعات الاغتيال للربع مليون باحث اللي حيلتنا، الحمد لله على النجاة أنا بالذات لأن الصحافة والميديا بتاعتنا بترشحني لجائزة نوبل كل أسبوع".
وتفاعل مع هذا التعليق الدكتور طارق قابيل، الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة، والذي أيد ما ذهب إليه الدكتور سعد، قائلا إن "الادعاءات باغتيال علماء مصريين بسبب إنجازاتهم العلمية لا تجد سندا لها في الواقع العلمي، فالعلوم ترتكز على الدليل والبرهان، وليس على الشائعات والأقاويل، فالإنجاز العلمي الحقيقي هو نتاج جهد مضن ونشر واسع في الأوساط العلمية، وليس مجرد ادعاءات مبنية على التخمين".
وأضاف أن "غياب أي أثر علمي ملموس عن الشخصيات التي يتم الترويج لها كضحايا اغتيال يضع علامة استفهام كبيرة حول مصداقية هذه الادعاءات، فادعاء اغتيال باحث لم ينشر أبحاثا مؤثرة هو أمر يتعارض مع المنطق العلمي، ولا يمكن بناء إنجاز علمي على أساس الشائعات، وهذه الادعاءات لا تساهم سوى في تشويه صورة العلم والعلماء، وتزرع الشكوك في النفوس".
ومحاولا الوصول لتفسير علمي لهذه الظاهرة، قال محمود خطاب، إخصائي الطب النفسي بوزارة الصحة المصرية لـ"العين الإخبارية"، إن "هناك حالة من التعلق بالأنماط التي يتم عرضها في الدراما، والتي تظهر عالما توصل لاكتشاف مهم، قام بتخبئته في مكان سري، ومخابرات الأعداء تطارده، والإنجاز العلمي للباحثة الشابة بعيد عن ذلك".
ويعتقد خطاب، بعد قراءات تعليقات سابقة للباحثة الشابة على حساباتها بمواقع التواصل الإجتماعي، أن الوفاة ناجمة عن ضغوط نفسية تعرضت لها الباحثة، بسبب "الإسلاموفوبيا" في الغرب، لاسيما أنها كانت تحافظ على ارتداء الحجاب.
وكان مصدر مسؤول داخل إدارة البعثات بوزارة التعليم العالي، قد أكد أن الباحثة أبلغت أسرتها عند زيارتها لمصر مؤخرا بمعاناتها من اضطرابات نفسية، بسبب التعامل معها في العمل، وذهبت بالفعل لأحد الأطباء النفسيين في مصر، حينما كانت في الإجازة.
aXA6IDE4LjIyNi4yMDAuOTMg
جزيرة ام اند امز