يمثل الإعلام الوطني في العالم العربي ساحة اختبار لقدرة الدول على الجمع بين الثبات والمرونة في استراتيجياتها.
فمن جهة، تحتاج الدول إلى خطاب إعلامي مستمر يعكس صورتها وهويتها الوطنية، ومن جهة أخرى، يفرض تغيّر القيادات والأحداث السياسية والاقتصادية ضغوطًا تؤدي إلى تبدّل الأولويات بشكل ملحوظ.
في التجارب الدولية، نجد مؤسسات إعلامية كبرى استطاعت أن ترسّخ استراتيجيات ثابتة تتجاوز الأفراد. وكالة رويترز مثال واضح على ذلك، إذ حافظت لعقود على نهجها في الحياد ونقل الأخبار العالمية، حتى مع تغيّر إداراتها، مكتفية بتطوير أدواتها الرقمية لتواكب جمهورها.
وعلى النقيض، واجهت شبكة CNN صعوبة في هذا الجانب؛ فحين تغيّرت قيادتها عام 2022، حاولت تعديل خطابها السياسي لتبدو أقل انحيازًا، لكن هذا التحوّل قوبل بانتقادات وأثّر على نسب المشاهدة، ما يعكس هشاشة الاستراتيجية حين ترتبط بالأشخاص أكثر من المؤسسة.
أما في العالم العربي، فقد بدأت بعض الدول تدرك أهمية المأسسة الإعلامية وتبني استراتيجيات وطنية طويلة المدى.
وتمثل الإمارات نموذجًا بارزًا لهذا التوجّه؛ فمنذ عام 2016، انطلقت وكالة أنباء الإمارات (وام) بمبادرات استراتيجية للتوسّع الدولي تنطلق من رؤية وطنية واضحة. ومع نهاية عام 2023، وصلت شراكاتها إلى 110 مؤسسات إعلامية حول العالم، وبـ19 لغة تغطي جميع القارات، ما مكّنها من نشر أخبار الإمارات دوليًا بصورة غير مسبوقة.
وزاد هذا الزخم مع تنظيمها الكونغرس العالمي للإعلام الذي عزّز حضورها كمحور رئيسي في صناعة الإعلام الدولي. كما سارت صحف الاتحاد والبيان والخليج، وقناة سكاي نيوز عربية، في مسار تطوير استراتيجيات رقمية تستهدف الأجيال الجديدة مع الحفاظ على رسالتها الوطنية الثابتة.
المشهد العام في الإعلام العربي يُظهر أن العديد من المؤسسات ما زالت تعاني من شخصنة الاستراتيجيات، حيث يُحدَّد توجهها تبعًا لرئيس التحرير أو المدير أو المالك، لا وفق خطة وطنية طويلة المدى. وهذا ما يجعلها عرضة للتقلّب وفقدان الثبات. بالمقابل، تؤكد المأسسة — كما في بعض التجارب الدولية والإماراتية — أن بناء استراتيجية مستقرة، مع مرونة التطوير، هو السبيل لضمان المصداقية والتأثير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة