خطر الانهيار المناخي.. الجيش الأمريكي ضمن أكبر المهددين عالميًا

في الوقت الذي يواصل فيه العالم التحذير من خطر الانهيار المناخي، تكشف أرقام جديدة عن مسار مقلق تتخذه الولايات المتحدة عبر زيادة إنفاقها العسكري.
وحذر تقرير صادر عن "معهد المناخ والمجتمع" (CCI) من أن الزيادات الأخيرة في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ستؤدي إلى إطلاق 26 مليون طن إضافي من غازات الاحتباس الحراري، وهي كمية تعادل الانبعاثات السنوية لـ68 محطة لإنتاج الكهرباء بالغاز أو لدولة كرواتيا بأكملها، بحسب موقع "ريسبونسبول ستيت كرافت".
ميزانية ضخمة.. وانبعاثات بحجم دولة
بحلول عام 2026، سترتفع ميزانية البنتاغون إلى تريليون دولار، ما يمثل زيادة بنسبة 17% مقارنة بعام 2023. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن تصل الانبعاثات الكلية للجيش الأمريكي إلى 178 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ما سيضعه في المرتبة 38 عالميًا من حيث الانبعاثات، لو تم اعتباره "دولة" قائمة بحد ذاتها.
أما التكلفة الاقتصادية لهذا الحجم من التلوث فتُقدّر بنحو 47 مليار دولار سنويًا، بحسب تقديرات وكالة حماية البيئة الأمريكية، وتشمل خسائر في الزراعة والصحة العامة والممتلكات.
ورغم هذه الأرقام الصادمة، فإن التقرير لا يُظهر التأثير الكامل للبنتاغون على المناخ، إذ لا يشمل الانبعاثات الناتجة عن الإنفاق العسكري غير الرسمي، كصفقات الأسلحة لأوكرانيا وإسرائيل، أو الانبعاثات الناجمة عن الحروب والصراعات المباشرة، والتي تكون في العادة ضخمة.
ورغم اقتصار التقرير على الولايات المتحدة، تتجه دول الناتو الأخرى، وخصوصًا في أوروبا وكندا، إلى رفع إنفاقها العسكري بشكل حاد. فوفقًا لتعهدات قمة لاهاي الأخيرة، سترفع دول الناتو مجتمعة إنفاقها العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035، لتصل إلى إنفاق سنوي يتجاوز تريليون دولار، وهو ما يعادل تقريبًا ميزانية الدفاع الأمريكية.
تضخيم التهديدات.. وتجاهل المناخ
خلال ندوة عسكرية عقدت في فيسبادن الألمانية، دعا القائد الأعلى لقوات الناتو، الجنرال الأمريكي أليكسوس غرينيكويتش، الدول الأعضاء إلى الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب مزدوجة ضد روسيا والصين بحلول عام 2027، رغم غياب أي مؤشرات واقعية قوية تدعم هذا السيناريو.
وخلال المؤتمر ذاته، كشف الجنرال كريستوفر دوناهو عن مبادرة جديدة بعنوان "خط ردع الجناح الشرقي" لتوسيع القدرات البرية للناتو وتكامل الصناعات العسكرية في أوروبا. وتفاخر بقدرة قوات الناتو على السيطرة على منطقة كالينينغراد الروسية المحصنة "في وقت قياسي"، ما يثير تساؤلات حول التناقض بين زعم "نقص الموارد" والقدرة على شن هجمات خاطفة.
قاعدة لكل بحر.. وغيابٌ للضمير المناخي
أشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة تدير أكثر من 870 قاعدة عسكرية خارجية، أي أكثر من ضعف ما تديره بقية دول العالم مجتمعة. كما يشكل حلف الناتو ما نسبته 55% من الإنفاق العسكري العالمي.
ورغم هذا الثقل العسكري، لم تشهد ندوة فيسبادن أي مناقشة لتأثير هذا الإنفاق على الكوكب، إذ لم تكن هناك "زاوية خضراء" تُذكّر قادة الجيوش أن أزمة المناخ تهديد وجودي يتجاوز في خطورته كل الأعداء المفترضين.
ويبدو أن هذا التجاهل ينبع من توجه رسمي، عبّر عنه صراحة وزير الدفاع الأمريكي في إدارة ترامب، بيت هيغسيث، حين كتب: "وزارة الدفاع لا تهتم بتفاهات التغير المناخي. نحن معنيون بالتدريب وخوض الحروب".
ما بعد الحرب.. التصحر، النزوح، والانهيار
المفارقة أن العمليات العسكرية التي تُبرر باسم "الأمن القومي" تخلق نتائج عكسية تمامًا، كتصاعد شحّ المياه، وارتفاع مستويات البحار، وزيادة التصحر، خصوصًا في المناطق الهشّة من العالم، وهو ما يؤدي بدوره إلى اضطرابات سياسية وهجرات جماعية ونزاعات جديدة.
دعوة لإعادة توجيه البوصلة
ويحذر الخبراء من أن الاستمرار في تجاهل الرابط بين العمل العسكري والتغير المناخي سيؤدي إلى كوارث يصعب احتواؤها. ويقترح تقرير معهد المناخ والمجتمع توجيه جزء من هذه الموازنات نحو حلول مستدامة تعزز الأمن الحقيقي، مثل مشاريع الطاقة المتجددة، والنقل العام، والإسكان الأخضر، ما يعني تحويل "أدوات الحرب" إلى "وسائل للنجاة".