ترامب والناتو.. معركة الإنفاق في مواجهة شبح الانقسام
![وزير الدفاع الأمريكي (يسار الصورة) وأمين عام الناتو (وسط)](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2025/2/13/109-095413-nato-russia-ukraine-europe_700x400.jpg)
عقدٌ من الزمان أمضاه "الناتو" وهو يحاول الوصول إلى هدفه المتمثل في إنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
وهو الهدف الذي يحققه حاليا 24 من أصل 32 عضوا في حلف شمال الأطلسي، ولكن الرئيس الأمريكي يريد الآن زيادة هذا الهدف إلى 5%.
زيادةٌ وصفتها مجلة "بوليتيكو" الأمريكية بأنها بمثابة قنبلة مالية يدوية ألقاها ترامب على حلف "الناتو" الذي يسارع أعضاؤه الآن إلى معرفة كيفية الرد.
ومن المرتقب أن يركز اجتماع وزراء دفاع حلف "الناتو"، في بروكسل" اليوم الخميس، ومؤتمر ميونيخ للأمن هذا الأسبوع ــ الذي يجمع كبار المسؤولين الدفاعيين من جانبي الأطلسي ــ على هذا المطلب.
ولهذا، يزن الحلفاء الحاجة إلى ردع روسيا وإبقاء ترامب مهتما بأوروبا في مواجهة ميزانياتهم المتوترة.
تحدي الـ5%
ومع ذلك، فإن معظم الدول الأوروبية إلى جانب كندا لا تستطيع زيادة ميزانيات الدفاع بشكل كبير في الأمد القريب، حتى لو كان هذا ما يريده ترامب. بحسب المجلة.
وفي هذا الصدد، تقول كارين بيرس، السفيرة البريطانية المنتهية ولايتها لدى الولايات المتحدة "لا أعتقد أن العديد من الدول ستلتزم مقدما بنسبة 5٪ لأن الكثير من السرعة التي يمكنك بها المضي قدمًا تعتمد إلى حد كبير على كيفية أداء اقتصاداتك"،
ولفتت "بوليتيكو" إلى أن عقودا من تخفيضات الميزانية بعد الحرب الباردة، تركت الأوروبيين يكافحون للعثور على أموال إضافية لإعادة تجهيز جيوشهم.
لكن الأمر بات أكثر إلحاحا الآن، بعد الحرب الأوكرانية، وتهديد واشنطن بالتراجع عن التزاماتها الأمنية تجاه أوروبا.
وهذا الأسبوع، جاء بيت هيغسيث، وزير الدفاع الأمريكي الجديد، إلى أوروبا بهذا التحذير الصارخ.
وأمس الأربعاء، قال متحدثا من مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل، "نحن هنا اليوم أيضا للتعبير بشكل مباشر وواضح عن أن الحقائق الاستراتيجية الصارخة تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من التركيز بشكل أساسي على أمن أوروبا".
مضيفًا أن الأوروبيين سيضطرون إلى "تولي ملكية الأمن التقليدي".
وهي الجزئية نفسها التي تطرقت لها شبكة "سي إن إن" في تحليل لها طالعته "العين الإخبارية".
وقالت "سي إن إن"، إن اجتماع الأربعاء في مقر "الناتو" ببروكسل، كان على الورق حول تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا والترحيب بوزير الدفاع الأميركي الجديد، لكن عمليا، كان هو اليوم الذي قلبت فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب نهج التحالف في التعامل مع هذه الحرب التي دامت ثلاث سنوات تقريبا، وعرضت رؤية بدت وكأنها تلبي بعض المطالب الرئيسية لموسكو، وتركت حلفاء الناتو يقاتلون لتجنب ظهور الانقسام.
ورأت الشبكة أن ترامب أطلق طلقة البداية لهذا الأسبوع الحرج من الدبلوماسية بصب الماء البارد على آمال أوكرانيا في التوصل إلى اتفاق سلام مواتٍ.
وقال ترامب لقناة "فوكس نيوز" يوم الإثنين: "قد يكونون روسا ذات يوم، أو قد لا يكونون روسا ذات يوم".
انقسام الناتو لـ3 مجموعات
ومنذ ذلك الحين، كان القادة الأوروبيون متحفظين بشأن تعليقات ترامب. وقال وزير الدفاع اللاتفي أندريس سبرودس، يوم الأربعاء: "هناك تعليقات مختلفة تخرج الآن، ومن المهم أن نرى خطة محددة واضحة للغاية".
في هذه الأثناء، تجنب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، التطرق إلى هذه القضية عندما سألته شبكة "سي إن إن" في إحاطته الإعلامية قبل القمة، مكتفيا بالقول "نحن ننسق بشكل مكثف مع فريق الرئيس ترامب على جميع المستويات، وهذه محادثات جيدة للغاية".
واعتبر كاميل جراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي والذي يعمل الآن زميلا سياسيا بارزا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لمجلة "بوليتيكو"، أن مطلب ترامب هو تقسيم الدول الأوروبية الأعضاء في التحالف إلى ثلاث مجموعات.
المجموعة الأولى
وقال جراند إن "مجموعة صغيرة نسبيا" تضم دول البلطيق وبولندا تنفق بالفعل ما يقرب من 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع لردع روسيا، وهي مستعدة "لدفع الثمن" للحفاظ على ترامب إلى جانبها.
من جهته، رأى ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في لندن أن "الولايات المتحدة سعيدة تماما بالسير على خطاها وترك أوروبا وأوكرانيا لالتقاط القطع".
وقال لشبكة "سي إن إن": "يتعين على الدول الأوروبية أن تتكيف مع المزاج السائد... وإذا كانوا يعتقدون أن أي مسؤول أو سياسي أمريكي سوف يخاطر بحياته من أجل أوروبا، نيابة عن أوروبا، فإنهم يخدعون أنفسهم".
ولفتت "سي إن إن" إلى أنه من بين كل التصريحات التي تزعزع الوضع الراهن من إدارة ترامب، هناك حقيقة واحدة صعبة يجب على أوروبا مواجهتها. وهي هدف الإنفاق الدفاعي بنسبة 2٪، والذي لم يصل إليه ثلث أعضاء حلف شمال الأطلسي بعد.
وهو ما تطرق له وزير الدفاع الأمريكي بقوله "2٪ ليس كافيا؛ لقد دعا الرئيس ترامب إلى 5٪، وأنا أتفق معه. لن تتسامح الولايات المتحدة بعد الآن مع علاقة غير متوازنة تشجع على التبعية".
وبحسب جيدريماس جيجلينسكاس، وهو أمين عام مساعد سابق آخر لحلف شمال الأطلسي، والذي يرأس الآن لجنة الأمن القومي والدفاع في البرلمان الليتواني، فإن نسبة الخمسة في المائة ليست "مجنونة إلى هذا الحد".
وقال في حديثه مع بوليتيكو: "أعتقد أن هذا منطقي في الحدود الشرقية لحلف شمال الأطلسي".
المجموعة الثانية
وتضم المجموعة الثانية دولا مثل الدول الاسكندنافية والمملكة المتحدة.
وأوضح جراند أن ميزانيات الدفاع لديها تتجاوز بالفعل 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وهي "على استعداد للنظر في أهداف 2.5 أو 3 أو حتى 3.5 في المائة، لأنها تتفق مع تحليلها للوضع الجيوسياسي". ومع ذلك، أضاف: "إنهم لن يقولوا نعم بشكل أعمى لنسبة الخمسة في المائة".
المجموعة الثالثة
أما المجموعة الثالثة التي أشار إليها جراند، فهي أكثر ترددا في زيادة الإنفاق بشكل كبير لأسباب تتعلق بالميزانية أو بسبب تصورهم لبيئة التهديد.
وتعهدت بلجيكا، التي تبلغ حاليا 1.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بالوصول إلى 2.5٪ بحلول عام 2034.
وطرحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني - وهي حليفة وثيقة لترامب وتنفق بلادها 1.57٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع - خططا للوصول إلى هدف الناتو في عام 2027 بدلا من عام 2028.
لكن العديد من دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي حذروا من أن الانقسامات العميقة حول الإنفاق قد تؤدي في النهاية إلى استياء من قبل المنفقين الكبار.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته إن هدف الإنفاق الجديد الذي تم تحديده في قمة يونيو/حزيران في لاهاي، من المرجح أن يكون "شمال 3 في المائة".
ولكن تلبية مطلب ترامب بنسبة 5 في المائة من شأنه أن يثير مشاكل ضخمة لشركات المقاولات الدفاعية غير القادرة على إنتاج ما يكفي من الدبابات والطائرات المقاتلة وقذائف المدفعية.
aXA6IDE4LjIyMy4xNTYuMTcyIA== جزيرة ام اند امز