خمس قضايا تجعل قمة الناتو "تاريخية" بامتياز
يرتقب في العاصمة الإسبانية مدريد بشكل وشيك انطلاق أعمال قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" وهي القمة التي وصفها سكرتيره العام ينس ستولتنبرج قبل يومين بأنها تاريخية.
وعشية القمة في مدريد، تحدث ستولتنبرج عما سماه "تحول جذري في ردع التحالف ودفاعه"، وتعزيز دفاعاته على حدوده الشرقية ورفع قوة الرد السريع إلى أكثر من 300 ألف جندي.
ووفقا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن التحالف يواجه العديد من التحديات، من الحرب المختلطة إلى زعزعة استقرار البلقان إلى الهجمات الإلكترونية وعسكرة الفضاء وما يجب فعله حيال القوة العسكرية المتنامية للصين.
وقال ستولتنبرج، للمرة الأولى، إن قمة الناتو هذه ستتناول ما تسميه "التحديات التي تشكلها بكين لأمننا ومصالحنا وقيمنا".
وتحدث تقرير "بي بي سي" عن القضايا الأكثر إلحاحًا التي من المحتمل أن تكون مطروحة للنقاش خلال القمة.
تجنب التصعيد في حرب أوكرانيا
الناتو وهو أقوى تحالف عسكري في العالم، بثلاثة من أعضائه يمتلكون أسلحة نووية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا)، لا يريد خوض حرب مع روسيا.
فقد ذكّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرب مرارًا وتكرارًا بأن لديه ترسانة نووية ضخمة، ومن ثم فأي اشتباك على مستوى منخفض عبر الحدود يمكن أن يتصاعد بسرعة ويخرج عن نطاق السيطرة.
لذلك كان التحدي الأكبر في الأشهر الأربعة الماضية، ولا يزال حتى الآن، هو كيفية مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها دون الانجرار إلى القتال نفسه.
وسيكون على قمة مدريد تحديد مدى المساعدة العسكرية التي يمكن أن تقدمها دول الناتو وإلى أي مدى.
في الوقت الحالي، تفوز موسكو في دونباس، المنطقة الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا وتشير التوقعات إلى أن روسيا ستحاول التمسك بهذه المكاسب الإقليمية، وربما ضمها بالطريقة نفسها التي فعلتها مع شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وفي غياب معاهدة سلام، سيواجه الناتو معضلة جديدة لاحقًا، وهي هل يستمر في تسليح الأوكرانيين وهم يحاولون استعادة الأراضي التي تعتبرها موسكو الآن جزءًا قانونيًا من الاتحاد الروسي؟.
لكن مخاطر التصعيد هنا ستزداد بشكل كبير، حيث أشار الكرملين إلى أن استخدام الأسلحة الغربية في ضرب الأراضي الروسية يتجاوز الخطوط الحمراء.
الحفاظ على الوحدة الغربية في دعم أوكرانيا
يعتبر تقرير "بي بي سي" أنه لو كانت روسيا قد هاجمت دونباس فقط ولم تسيطر على أوكرانيا بأكملها من ثلاث جهات، فمن المحتمل أننا لم نكن قد رأينا مثل هذه الوحدة الاستثنائية في رد الغرب.
وأثرت ست جولات من عقوبات الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد الروسي، وألغت ألمانيا في الوقت الحالي خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يبلغ تكلفته عدة مليارات، والذي كان من شأنه أن ينقل الغاز إلى شمال ألمانيا.
لكن هناك انقسامات في التحالف الغربي حول مدى معاقبة روسيا ومقدار الألم الذي يمكن أن تتحمله الاقتصادات الغربية.
فقد اتُهمت ألمانيا بالتباطؤ في تسليم الأسلحة الموعودة بينما رفضت المجر، بقيادة رئيس وزراء على صلة وثيقة بالرئيس بوتين، التوقف عن شراء النفط الروسي.
على الطرف الآخر، فإن تلك الدول التي تشعر بأنها الأكثر تهديداً من قبل موسكو، وبالتحديد بولندا ودول البلطيق، تضغط من أجل اتخاذ أشد خط ممكن والمزيد من التعزيزات من الناتو على حدودها.
تأمين دول البلطيق
هذه المنطقة مرشحة لأن تكون بؤرة ساخنة بين الناتو وروسيا، فقد هددت موسكو هذا الشهر "بإجراءات مضادة عملية" بعد أن منعت ليتوانيا بعض البضائع الروسية المطبق عليها عقوبات أوروبية - من المرور على أراضيها في طريقها إلى منطقة كلينينجراد الروسية في البلطيق.
وانتقدت حكومة إستونيا "الناتو" لعدم استعداده للهجوم الروسي عبر الحدود.
كانت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا ذات يوم جزءًا من الاتحاد السوفيتي قبل أن تستقل جميعا وتنضم للناتو.
وهناك أربع مجموعات قتالية متعددة الجنسيات متمركزة في هذه البلدان الثلاثة، جنبًا إلى جنب مع بولندا، كجزء مما يسمى الوجود الأمامي المعزز.
وتتصدر المملكة المتحدة القائمة في إستونيا، والولايات المتحدة الأمريكية في بولندا، وألمانيا في ليتوانيا وكندا في لاتفيا.
السماح لفنلندا والسويد بالانضمام
قررت فنلندا والسويد التخلي عن حيادهما والانضمام إلى الناتو الذي يرحب بهما بأذرع مفتوحة، لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
فتركيا، وهي عضو منذ عام 1952، تمنع إضافتهما على أساس أن كلا البلدين الإسكندنافيين يؤوي انفصاليين أكرادا تعتبرهم تركيا إرهابيين.
ولكن نظرًا لأن فنلندا والسويد مهمتان جدًا بالنسبة للناتو، فسيتم بذل كل جهد لإيجاد طريقة للتغلب على اعتراضات تركيا.
وبمجرد انضمامهما، سيصبح بحر البلطيق فعليًا "بحيرة الناتو"، تحدها 8 دول أعضاء، مع نظام دفاع جوي مشترك ونظام صاروخي متكامل.
وبالإضافة إلى ذلك، سيحتاج الناتو إلى تقرير ما إذا كان ينوي قبول أعضاء جدد مثل جورجيا ومولدوفا، مع كل المخاطر المرتبطة باستفزاز الكرملين.
الارتفاع العاجل في الإنفاق الدفاعي
في الوقت الحالي، يتعين على أعضاء الناتو إنفاق 2٪ من ناتجهم المحلي الإجمالي السنوي على الدفاع، لكن ليس كلهم يفعلون ذلك.
وتُظهر الأرقام الأخيرة من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنه بينما أنفقت الولايات المتحدة 3.5٪ على الدفاع وبريطانيا 2.2٪ وألمانيا 1.3٪ فقط بينما كانت إيطاليا وكندا وإسبانيا وهولندا أقل بكثير من 2٪، فيما تنفق روسيا 4.1٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.
وعندما كان دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، هدد بشكل علني بإخراج بلاده من التحالف إذا لم تقم الدول الأعضاء الأخرى بزيادة إنفاقها العسكري.
كان لهذا بعض التأثير، لكن الحرب الأوكرانية سرعت من الخطوة، حيث بعد ثلاثة أيام فقط من بدايتها، أعلنت ألمانيا أنها ستخصص 100 مليار يورو إضافية للدفاع وترفع حصتها في النهاية إلى أكثر من 2٪.
وأعلن رئيس الناتو قبل أيام أن 9 دول أعضاء وصلت إلى هدف 2٪ أو تجاوزته، في حين أن 19 دولة لديها خطط واضحة للوصول إليه بحلول عام 2024.
وعلى الرغم من تعزيز الإنفاق الدفاعي في المملكة المتحدة مؤخرًا، كان هناك أيضًا إهدار هائل في المشتريات.
كما أن الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للغذاء والوقود، في أعقاب الوباء، جعل الميزانيات حرجة بالفعل، ذلك قد يكون تخصيص المزيد من الأموال للدفاع غير محبوب محليًا عندما يكون هناك الكثير من المطالب الملحة الأخرى على الإنفاق الحكومي.