بعد قمة مدريد.. هذا ما يهدد وحدة حلف "الناتو"
ربما تكون العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أقل التحديات التي تواجه الدول الأعضاء في حلف الناتو، الذي يواجه تحديات جمة، ستبرز أكثر بعد قمة القادة الأخيرة في العاصمة الإسبانية مدريد.
ويرى تحليل لمجلة "فورين أفيرز" أن الصراع في أوكرانيا وضع على جدول أعمال الناتو مجموعة من التحديات الجديدة المتمثلة في إدارة مستقبل التوسع، وتوجيه التطلعات الجيوسياسية المتزايدة لأوروبا، وبناء بنية عبر الأطلسي يمكنها استيعاب القضايا الأكثر تعقيدًا وتنوعًا التي تواجه الغرب.
من الدبلوماسية للتفاوض
ركزت جهود الحلف لدعم أوكرانيا على تزويد البلاد بالأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها. لكن الحلف لم يخبر الأوكرانيين بكيفية التفاوض، وعلى أي شيء يتفاوضون ومتى يتفاوضون، تاركين لهم هذه ليقرروها بأنفسهم.
لكن الوقت قد حان -يقول التحليل- لكي يركز حلف الناتو على نهاية اللعبة الدبلوماسية والاستفادة من جهوده الناجحة لتعزيز موقف أوكرانيا عبر التوسط لوقف إطلاق النار والمفاوضات اللاحقة.
فقد كان تحول الزخم في ساحة المعركة لصالح روسيا، أحد الأسباب التي دفعت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين إلى التحول نحو الدبلوماسية.
وأشار التقرير إلى أن واشنطن لا تزال ترفض المفاوضات حتى الآن، لكن التأخير يعني استمرار الحرب والمزيد من الخسائر في الأرواح والأراضي، وليس تحقيق مكاسب في ساحة المعركة لكييف. وكلما طال أمد الحرب، زاد خطر التصعيد، سواء عن قصد أو عن طريق الصدفة، وزادت الاضطرابات التي طال أمدها وشدتها في الاقتصاد العالمي والإمدادات الغذائية.
تأثير داخلي على السياسة الأمريكية
مما يثير القلق بشكل خاص الآثار الاقتصادية للحرب على أعضاء الناتو أنفسهم، بما في ذلك التأثير المحتمل للتضخم المتفشي على السياسة الأمريكية، والتي جعلت الأسس المحلية للسياسة الخارجية الأمريكية أكثر هشاشة مما كانت عليه من قبل.
ويتوقع أن يؤدي التضخم الناجم عن الحرب في أوكرانيا، والذي وصل إلى أعلى مستوياته خلال 40 عاما، إلى تسهيل هيمنة الجمهوريين على الكونجرس.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه بالرغم من صعوبات التوقعات بشأن توجهات مجموعة الجمهوريين التي ستتخذ القرارات في الكونجرس، لكن المرجح أن تميل أكثر في اتجاه "أمريكا أولاً".
ولعل أصدق ما يمثل ذلك هو فوز جيه دي فانس، مدعومًا بتأييد ترامب، مؤخرًا في انتخابات تمهيدية ساخنة في مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو، الذي قد تكون وجهات نظره بشأن الحرب في أوكرانيا نموذجا لما سيأتي، حيث قال: "أعتقد أنه من السخف أن نركز على هذه الحدود في أوكرانيا. يجب أن أكون صادقًا معكم، لا يهمني حقًا ما يجري في أوكرانيا بطريقة أو بأخرى ".
تجدر الإشارة إلى أن ترامب حجب المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وأهان بانتظام حلفاء الناتو، وأعرب عن رغبته في انسحاب الولايات المتحدة من الحلف الأطلسي.
ويتوقع أن يتجه أو بعض الجمهوريين الآخرين من أنصار "أمريكا أولاً"، إلى مثل هذه السياسات إذا تم انتخابه. ما قد يكون له على الأقل تأثير كبير على الأمن الأوروبي ومستقبل الديمقراطية الليبرالية مثل النتائج العسكرية في منطقة دونباس الأوكرانية.
جبهة أوروبا الداخلية في خطر
تحتاج أوروبا أيضًا إلى مراقبة الجبهة الداخلية. فقد أظهر الأوروبيون كرمًا ملحوظًا في استضافة ملايين اللاجئين الأوكرانيين، لكن الترحيب الحار قد يضعف وقد ينتج عنه رد فعل سياسي عنيف؛ وقد عززت موجات الهجرة السابقة من قبضة الشعبويين غير الليبراليين.
في الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي نقص الغذاء في أفريقيا الذي تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا إلى أزمة إنسانية ومواجهة الأوروبيين تدفقا آخر للمهاجرين اليائسين.
كما قد يؤدي استمرار التضخم واحتمال حدوث نقص في الطاقة في الشتاء المقبل إلى وهن عزيمة أوروبا لمواجهة روسيا. كما حذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في وقت سابق من هذا الشهر، "نحن في أزمة غاز. الغاز سلعة نادرة من الآن فصاعدًا. . . . سيؤثر هذا على الإنتاج الصناعي وسيصبح عبئًا كبيرًا على العديد من المستهلكين ".
وخلصت المجلة إلى أن الناتو سيظل ركيزة أساسية لمجتمع دائم عبر الأطلسي من المصالح والقيم المشتركة. وقد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أهميته وفعاليته ووحدته في حشد رد حازم على العملية الروسية في أوكرانيا.
لكن حان الوقت كي يتحرك حلف الناتو نحو وقف إطلاق النار ونهاية اللعبة الدبلوماسية في أوكرانيا، في محاولة للحفاظ على التضامن عبر الأطلسي وحمايته من التهديدات المحلية للديمقراطية الليبرالية التي قد تشكل تهديدًا للمجتمع الأطلسي أكثر مما يشكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يجب أن يكون هذا المحور جزءًا من جهد أوسع لبناء بنية عبر الأطلسي أكثر ترابطا وفقا لمتطلبات القرن الحادي والعشرين.