نعمات عبدالله.. "الكنداكة الثائرة" تتولى قضاء السودان
نعمات عبدالله تدرجت في السلك القضائي السوداني إلى أن وصلت لقاضي محكمة عليا بعد قاضي محكمة استئناف وجزئية بالخرطوم.
في موكب خالٍ من القضاة المنتمين لإخوان السودان، يوم الـ25 من أبريل/نيسان الماضي، كانت نعمات عبدالله محمد خير تتوسط المشهد دعماً للثوار ضد المعزول عُمر البشير.
موكب القضاة الذي شكل نقطة حاسمة في مسار الحراك الثوري، وخطف الأضواء المحلية والإقليمية وفق مراقبون، أثار فضول السودانيين للتعرف عن قرب على شرفاء السلطة القضائية، ومنها برز اسم "نعمات" التي جرى تعيينها رسمياً الخميس رئيساً للقضاء كأول امرأة عربية وأفريقية تتقلد هذا المنصب.
تدرجت نعمات عبدالله في السلك القضائي السوداني إلى أن وصلت لقاضي محكمة عليا، بعد أن حصلت على قاضي محكمة استئناف وجزئية بالخرطوم في وقت سابق.
تتحدث السيرة الذاتية لرئيسة القضاء عن الخرطوم كونها موقع ولادتها، حيث تسكن في المنشية (شرق العاصمة)، إذ كان والدها يشغل منصب مدير مشروع الجزيرة الزراعي، أكبر المشاريع في السودان.
وبحسب مصدر، فإن رئيسة القضاء الجديدة كانت نزيهة في عملها، وحكمت في كثير من القضايا ضد رغبة التنظيم الإخواني إبان سيطرته على السلطة، رغم خطورة ذلك على وظيفتها، مؤكداً أنها شخصية مستقلة ومهنية مخلصة ولم يعرف عنها أي انتماء سياسي.
ومن بين أبرز القضايا التي عارضت فيها رغبة الإخوان، هي الدعوى التي رفعتها حكومة السودان ضد متهم بالفساد يدعى خضر الشريف، حيث حاول الإخواني عبدالعزيز شدو خلال توليه منصب وزير العدل والنائب العام إجراء تسوية مع المتهم فرفضت نعمات عبدالله واعتبرتها تتعارض مع المصلحة العليا للدولة، وحكمت عليه بدفع مبلغ 60 مليون دولار.
كما رفضت نعمات عبدالله طعنا مقدما من وزارة الإرشاد والأوقاف في عام 2016 ضد الكنيسة الإنجيلية السودانية، الحكم الذي جاء مخالفاً لتوجه سلطة الإخوان الإرهابية التي ظلت تمارس تضييقاً مفرطا على الأقليات الدينية غير المسلمة، ودرجت على هدم دور عبادتهم "الكنائس" بحجج واهية.
وبحسب مقربين منها، فإن نعمات عبدالله محمد خير شكلت حضوراً ثورياً لافتاً طوال فترة الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير، من خلال نشاط مكثف عبر "نادي القضاء" وهو ائتلاف يضم قضاة ديمقراطيين مناهضين لحكم الحركة الإسلامية السياسية، ويكافحون لأجل استقلال السلطة القضائية.
وكان موكب قضاة السودان الذي شكل نقطة حاسمة في إنهاء سيطرة الإخوان على مفاصل الحكم بالدولة، أبرز محطات نعمات في مسيرتها النضالية العلنية ضد سلطة الإرهاب.
وقالت عنها عضوة القطاع القانوني بحزب المؤتمر السوداني، المحامية إقبال علي: "إنها قاضية متمرسة ومشهود لها بالنزاهة ومواقفها المشرفة في مناهضة عبث حكومة الإخوان البائدة بالسلطة القضائية، وفضح التدخلات السافرة لجهاز مخابرات الرئيس المعزول عمر البشير في شؤون القضاء وتوجيهه".
وتضيف إقبال خلال حديثها لـ"العين الإخبارية": "كانت نعمات عبدالله من المؤسسين لنادي القضاة الذي تولى مهمة مناهضة أخونة القضاء السوداني، والدفاع عن القضاة الشرفاء والعمل على استقلالية السلطة القضائية".
وتابعت: "تولت القاضية نعمات مهمة مساعدة صغار القضاة والمحامين وتدريبهم للتدرج في هذه المهنة، والدفاع عنهم حال تعرضوا لفصل تعسفي نتيجة مواقف مشرفة تبنوها".
ورأت المحامية إقبال أن وجود نعمات عبدالله بالسلك القضائي جعلها ملمة بكامل تفاصيله والمشكلات التي يعانيها، مما يجعلها أكثر تأهيلا لتولي هذا المنصب الحساس، وتحقيق إصلاحات حقيقية في الجهاز القضائي الذي ظل مختطفاً من قبل سلطة الإخوان الإرهابية لـ30 عاماً.
وقالت: "رأيت الفرحة في وجوه المحامين والقضاة بتعيين نعمات عبدالله رئيساً للقضاء، وربما يكون ذلك نتيجة لأنهم وجدوا حلم تحرير هذا السلك من قبضة الإخوان قد يتحقق وأن المحاكمة الناجزة لرموز النظام السابق قد اقتربت".
بدوره، يقول عضو تحالف المحامين الديمقراطيين في السودان، محمد أحمد علي، إن "نعمات تتمتع بشخصية قوية ولها تأثير كبير داخل السلك القضائي، وهي من القضاة القلائل الذين ما زالوا يمتازون بالنزاهة، بعد أن حيدت سلطة الإخوان الإرهابية لصالحها".
وأضاف خلال حديثه لـ"العين الإخبارية": "بتعيينها استبشرنا خيراً وارتفعت تطلعاتنا في إصلاح القضاء السوداني الذي تعرض لتخريب ممنهج في فترة حكم البشير، فهي ثورية ومصادمة ومن المؤكد ستنحاز إلى رغبة الشعب وأهداف انتفاضة ديسمبر المجيدة".
وشكلت المرأة السودانية "الكنداكة" حضورا في السلك القضائي، حيث تولت بدرية حسونة نيابة رئاسة القضاء، لكن نعمات عبدالله كتبت التاريخ وحصلت على أرفع منصب قضائي في مسيرة البلاد والوطن العربي بأثره.
وأطلق على "نعمات" ورفيقات لها لقب "كنداكة" الذي يستخدم لتمجيد السيدات، حيث كان يطلق على ملكات "مملكة مروي" التاريخية في القرن الثالث قبل الميلاد.
وتضاف نعمات عبدالله، للمكاسب التي حققتها نساء السودان بالتمثيل الرفيع في الحكومة الانتقالية، حيث جرى تعيين أسماء محمد عبدالله وزيرة للخارجية لأول مرة في تاريخ البلاد ونيل سيدتين عضوية مجلس السيادة، و4 سيدات تقلدن وزارات اتحادية.