لم يعد هناك مجال للشك بأن طريقة إدارة الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تحقق النتائج والأهداف المحددة لتلك الحرب..
سواء الأهداف ذات الأهمية القصوى فيها كاستعادة كل الرهائن المخطوفين لدى حركة "حماس" وتصفية قدراتها العسكرية، أو الأهداف الأخرى المتعلقة بالحصول على ضمان من الفصائل الفلسطينية بعدم تعرض أمن إسرائيل للتهديد أو حتى إيجاد آلية لإدارة قطاع غزة مستقبلاً.
ومع مرور الوقت واستمرار الحرب لأكثر من تسعة أشهر باتت أمام بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية مجموعتان من التحديات أو الضغوطات السياسية.
المجموعة الأولى: ويمكن تسميتها "المعطيات الضاغطة القديمة" وهي تضاؤل بشكل كبير قدرة الحكومة الإسرائيلية على تمرير الوقت وإقناع الإسرائيليين بالصبر والانتظار. وما يزيد من صعوبة موقف الحكومة أن الأطراف الغاضبة من عدم نجاح حكومته في تحقيق أهداف الحرب، باتت متعددة، حيث أصبحت تشمل أهالي المختطفين الذين يخشون على ذويهم من القتل ليس فقط بأيدي حماس، لكن أيضاً من القتل بـ"نيران صديقة" كما حدث في مرات سابقة أثناء العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لتحرير المختطفين.
والأهم في هذه الحكومة الإسرائيلية أنها مهددة بالتفكك والانهيار، على خلفية الانقسام والخلافات العميقة التي تضرب أوصالها بسبب ضغوط الوزراء اليمينيين فيها مثل بن غفير وسموتريتش.
أما المجموعة الثانية: التي يمكن تصنيفها بالجديدة فهي الضغوطات التي ربما تجبر نتنياهو على تغيير مسار الحرب في غزة وربما إنهائها قريباً، هو تغيير موقف المستوى العسكري خصوصاً بين قيادات الجيش الإسرائيلي.
فمعنى إعلان المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، قبل أيام أنه من الصعب القضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس، أن العسكريين ينأون بأنفسهم عن مغامرات نتنياهو وإصراره على استمرار الحرب دون أفق محدد.
وإضافة إلى الملاحظات الكثيرة على التكتيك العملياتي والأداء القتالي للقوات الإسرائيلية طوال الأشهر الماضية، كانت استقالة عدد من كبار القادة العسكريين كفيلة بإثارة مخاوف شديدة لدى بقية القادة من تحمل المسؤولية السياسية والتحول إلى كبش فداء.
ونتيجة هذه المعطيات التي يمكن ملاحظتها، أن الأسابيع الماضية شهدت تطورات متناقضة لكنها تسير معاً بالتوازي، إذ بدأت إسرائيل تخفف نسبياً من وتيرة عملياتها العسكرية في غزة. واتجهت إلى عمليات انتقائية استناداً إلى معلومات استخبارية حول أهداف محددة.
وعلى التوازي، بدأت وتيرة المناوشات العسكرية على الجبهة الشمالية (لبنان) تزداد سخونة وحدة. وتوالت التصريحات من مسؤولين إسرائيليين حول الاستعداد لضرب لبنان. في تهيئة إعلامية وتسخين فعلي للجبهة اللبنانية، من خلال استهداف مسؤولين وعناصر قيادية في حزب الله. حتى إن أحد أولئك المسؤولين نجا من محاولة تصفيته فجرى استهدافه بعدها بأيام قليلة وقتل بالفعل. ما يعني وجود (بنك أهداف) محدد وقائمة اغتيالات قررت تل أبيب تنفيذها. وتشكل كل تلك التحركات تحضيراً إعلامياً وعملياً لعمل عسكري تجاه لبنان.
إن التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله يفهم منها أن احتمال تفجر هذه الجبهة قابل للحدوث في ظل استراتيجية نتنياهو للهروب إلى الأمام للإبقاء على حكومته والحفاظ على مستقبله السياسي.
وكما أطال عمر الحرب في غزة بلا مبرر موضوعي، ها هو يتجه شمالاً إلى لبنان للغرض ذاته، بحثاً عن الاستمرار في رئاسة الحكومة وضمان الحصانة ضد أي مساءلة أو حساب.
يبدو نتنياهو لا يدرك أن مماطلته في إنهاء حرب غزة، فاقمت مأزقه وأكدت مسؤوليته عن تبعاتها وإخفاقاته فيها. وبدلاً من الاستماع إلى صوت العقل وإنهاء الحرب والالتفات إلى حل سياسي واقعي للقضية الفلسطينية، يعيد نتنياهو إنتاج الأزمة ويفتح على إسرائيل والمنطقة جبهة جديدة وربما حرباً، الأرجح أنه لن يتجنب فيها أخطاءه السابقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة