حرب غزة «تشوه» صورة واشنطن بالشرق الأوسط.. هل تصحح هاريس المسار؟
منذ شنت إسرائيل هجومها على غزة في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثيرت تساؤلات بشأن إذا كان كبار المسؤولين الأمريكيين على علم بما يحدث في القطاع المحاصر، من «أهوال» غمرت وسائل التواصل الاجتماعي.
أسئلة حاصرت وزارة الخارجية الأمريكية، التي لم تستطع إجبار إسرائيل على تغيير سلوكها، ولم تسحب في الوقت نفسها الدعم عن حليفتها، التي لا تستطيع أن تدعي أنها لم تكن على علم بما كانت تفعله تل أبيب بالسكان المدنيين في غزة بأسلحة أمريكية، حسب صحيفة «فورين بوليسي» الأمريكية.
وتقول الصحيفة الأمريكية إن وزارة الخارجية الأمريكية «تتجاهل عمدا التحولات الجوهرية التي تحدث في المنطقة نتيجة الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل»، مشيرة إلى أن «اتخاذ مثل هذه القرارات الخاطئة والخطيرة يأتي من القمة، ويرسل رسالة إلى كل من هم في الأسفل بأن يمتثلوا أو يخاطروا بعواقب حياتهم المهنية».
وبحسب «فورين بوليسي» فإن الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بالإضافة إلى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك «يعتقدون أن الولايات المتحدة قادرة على مواصلة هذه السياسة ومواجهة عواقب قليلة في الأمد البعيد، في حين أن الضرر الذي لحق بها لا يمكن إصلاحه قد وقع بالفعل»، مضيفة: «نحن الآن على وشك اندلاع أعمال عنف في مختلف أنحاء المنطقة. وهذا هو ما يسعى إليه بنيامين نتنياهو، بدعم من المزيد من القوات الأمريكية على الأرض في الشرق الأوسط».
ومن خلال «الاستمرار في تمويل وتسليح والدفاع عن هجمات إسرائيل على المدنيين في غزة وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل عرقلة وصول الغذاء والمياه النظيفة والأدوية إلى غزة، دمرت إدارة بايدن مصداقية الولايات المتحدة وزادت بشكل خطير من التهديد الأمني القومي للولايات المتحدة»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأشارت إلى أن «تواطؤ الولايات المتحدة يضع الدبلوماسيين وأفراد الخدمة الأمريكيين هدفا للانتقام المحتمل، في حين أنه يزعزع استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل متزايد».
تهديدات ومخاوف
وقد سلط مسؤولو الاستخبارات الأمريكية الضوء على مثل هذه التهديدات لعدة أشهر، فقد أعرب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي عن مخاوفه في أكتوبر/تشرين الأول بشأن التهديدات المحتملة للولايات المتحدة، قائلاً إن جماعات مثل القاعدة وداعش، وحزب الله تدعو إلى شن هجمات.
وفي مارس/آذار الماضي، وصف مدير الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز "التأثير الجيلي على الإرهاب". واعتباراً من يوليو/تموز بدأت الجماعات الإرهابية تستخدم غزة كأداة للتجنيد، وفقاً لرئيس مكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية.
وعلى هذه الخلفية، وجد مسؤولو وزارة الخارجية أنه من المستحيل بشكل متزايد محاولة تعزيز جوانب أخرى من السياسة الأمريكية، مثل الدفاع عن حقوق الإنسان.
ولم يكن بوسع المسؤولين الأمريكيين إلا أن يقدموا تأكيدات فاترة بأن الحكومة الأمريكية ملتزمة بمفاوضات وقف إطلاق النار، وهي وعود لم تشق طريقها إلى التفعيل، فيما لم تفرض إدارة بايدن عواقب على إسرائيل، رغم رفض نتنياهو مرارا وتكرارا مقترحات وقف إطلاق النار.
وأظهرت وثيقة داخلية مسربة مؤخراً أن كبار القادة في الوزارة يدركون أن السياسة الأمريكية تلحق ضرراً لا رجعة فيه بمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن كبار المسؤولين في وزارة الخارجية كانوا يتلقون تقارير يومية عن غزة ويعترفون بالضرر الذي يلحقه الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة، فإن رد فعلهم لم يكن مقاومة هذه السياسة بل تمكينها.
وفي أعقاب اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية وما نتج عنه من تخريب لمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، قد يصبح كل شيء أسوأ كثيرا بالنسبة للمنطقة والولايات المتحدة، تقول الصحيفة الأمريكية، التي حذرت من أن اندلاع حرب أوسع نطاقا مع حزب الله والحوثيين، واحتمال المواجهة المباشرة مع إيران، سيكون كارثيا، لكنه سيساعد نتنياهو على البقاء السياسي.
ولا يزال بإمكان واشنطن أن تختار طريقا آخر للمضي قدما، طريقا يرفض العنف المستمر، والقتل العشوائي للمدنيين الأبرياء، ودائرة الانتقام.
هل تستطيع هاريس تعديل البوصلة؟
ولمنع المزيد من التصعيد وجعل احتمالات الدبلوماسية والسلام حقيقة واقعة، يتعين على المرشحة الرئاسية المفترضة للحزب الديمقراطي كامالا هاريس أن تسعى إلى إنهاء حرب غزة، وترسل إشارة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لن تقدم دعما غير مشروط لحرب إسرائيلية ضد حزب الله وإيران.
ويتعين عليها أن تصر على الدبلوماسية، وفي دورها الحالي كنائبة للرئيس أن تضغط على الإدارة لتجنب الحرب الإقليمية، وقد لا يتبقى شيء من غزة يمكن إنقاذه في غضون ستة أشهر، وهذا هو ما يراهن عليه نتنياهو، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وقالت «فورين بوليسي» إن هاريس قادرة على تصحيح المسار من خلال الإصرار على تطبيق القوانين الأمريكية بشكل متسق وعادل عندما يتعلق الأمر بنقل الأسلحة، مشيرة إلى أن تطبيق القوانين واللوائح الأمريكية (التي تنتهكها الإدارة حالياً) من شأنه أن يدفع إلى ربط المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بقوانين ليهي، وقانون مراقبة تصدير الأسلحة، وقانون المساعدات الخارجية.
وأشارت إلى أنه «بناءً على انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان المتكررة والممنهجة والموثقة وعرقلتها للمساعدات الإنسانية الأمريكية، لم تعد إسرائيل مؤهلة لتلقي المساعدات الأمنية الأمريكية».
وتستطيع هاريس أن توضح أنها ستستخدم نفوذ الولايات المتحدة للضغط على نتنياهو لقبول اتفاق وقف إطلاق النار، ما من شأنه أن يمكّن قطر ومصر من الضغط على حماس لتقديم التنازلات وقبول الصفقة التي قبلتها سابقا، وقد صرح حزب الله والحوثيون وإيران سابقًا أنهم لن يهاجموا إذا أنهت إسرائيل العنف وسمحت بدخول المساعدات إلى غزة.
ومن خلال توضيح موقفها الآن واتخاذ إجراءات ملموسة للإصرار على تطبيق القوانين الأمريكية، فإن هاريس ستثبت التزامها بدعم وجهة نظر أغلبية الأمريكيين الذين يعارضون دعم بايدن غير المشروط لإسرائيل ويعارضون إرسال قوات أمريكية للدفاع عن إسرائيل من عواقب عدوانها، كما قد يجبر موقفها نتنياهو على تجنب المزيد من الاستفزازات.
وأكدت الصحيفة الأمريكية أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقوض المتطرفين من كافة الأطراف، محذرة من أن التقاعس في التحرك الآن مخاطرة بالأمن القومي الأمريكي، وينذر باندلاع حرب كارثية في الشرق الأوسط، التي سوف تجر إليها الولايات المتحدة حتما.
ومن خلال اتخاذ إجراءات الآن، بما يتماشى مع القوانين الأمريكية، سوف تعمل هاريس على تعزيز قاعدة الحزب الديمقراطي وربما استعادة الناخبين غير الملتزمين والشباب، والذين بدونهم قد تخسر الانتخابات بسهولة.
aXA6IDMuMTMzLjEzOS4yOCA= جزيرة ام اند امز