من الخلاف للتفاهم.. كيف تحوّلت العلاقات الفرنسية الإيطالية؟

مصافحة وقبلات أمام الكاميرات بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، تعكس تحولا بعلاقات "كانت باردة".
واعتبر خبراء سياسيون فرنسيون، أن التقارب الأخير بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، يعكس التحول المهم في العلاقة بين باريس وروما لإعلاء مصالح القارة بعد سنوات من التوتر،
الخبراء أشاروا إلى أن هذا التفاهم الجديد يرتبط بملفات حاسمة في القارة الأوروبية، لا سيما الأمن والهجرة والعلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة دونالد ترامب، بالإضافة إلى الحرب التجارية المتصاعدة.
"دبلوماسية الضرورة"
واللقاء الثالث منذ يونيو/حزيران الجاري في روما، أمس، "ليس مجرد مصافحة سياسية دافئة، بل خطوة مدروسة جاءت بعد شهور من التوترات الصامتة بين العاصمتين"، وفق الخبراء.
من جهته، قال الخبير السياسي الفرنسي، مارك لازار، المتخصص في العلاقات الفرنسية الإيطالية، لـ"العين الإخبارية" إن ذلك التقارب "بمثابة تحول في منطق العلاقات الثنائية، حيث لم يعد الرهان على القرب الإيديولوجي، بل على منطق الضرورة السياسية".
مشيرًا إلى أن "الرغبة في تنسيق المواقف قبيل قمتي مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، دفعت الطرفين إلى تجاوز الخلافات".
ورأى لازار أن ما يجمع الطرفين اليوم ليس وحدة الرؤية، بل وحدة المصالح في مواجهة قضايا أوروبية طارئة، مضيفًا أن "عودة دونالد ترامب أدت إلى اهتزاز التوازن الدبلوماسي داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي اضطر باريس وروما إلى التفاهم ولو تكتيكيًا".
"تباين استراتيجي"
ومن النقاط المحورية التي كشفت عن التباعد الاستراتيجي بين ميلوني وماكرون في الأشهر الماضية، كان الموقف من الولايات المتحدة، ولا سيما من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
فبينما تبنّت ميلوني شعار "Make the West Great Again" في زيارتها إلى واشنطن، وأبدت انحيازًا صريحًا لمعسكر ترامب، تمسّك ماكرون بفكرة استقلالية القرار الأوروبي عن البيت الأبيض، مع إصراره على أن الملف التجاري الأوروبي–الأمريكي من صلاحيات المفوضية الأوروبية، لا الدول الأعضاء.
وفي السياق الأوكراني، اتخذت روما وباريس مواقف متباينة، خصوصًا بعد إعلان ماكرون عن مشروع "تحالف المتطوعين" لتأمين أوكرانيا بعد الحرب، وهو ما رفضته ميلوني واعتبرته مخاطرة غير مقبولة بالنسبة للرأي العام الإيطالي.
وبلغت حدة الخلاف ذروتها عندما اٌستُبعدت ميلوني من قمة في كييف ضمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا، ثم من لقاءات لاحقة في ألبانيا، ما فسّرته أوساط إيطالية على أنه "تهميش سياسي متعمد".
"بين الشعارات والمصالح"
ورغم الخلافات، أكد البيان الختامي المشترك بعد لقاء روما الذي جمع ماكرون وميلوني، على "رغبة فرنسا وإيطاليا في تعزيز التزامهما من أجل أوروبا أكثر سيادة وقوة وازدهارًا".
هذه الصيغة فسّرها الخبير في الشأن الأوروبي لوران بودوان، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بليون، في حديث لـ"العين الإخبارية"، على أنها "محاولة لإبراز توافق مؤسساتي يخفي خلفه صراعًا سياسيًا حادًا بشأن مستقبل أوروبا".
وقال بودوان: "ميلوني تراهن على التأثير في بروكسل من الداخل، بعد أن تخلّت مؤقتًا عن خطابها الشعبوي. أما ماكرون، فيسعى لبناء محور أوروبي يقود ملف السيادة التكنولوجية والعسكرية، وهذا يستدعي الحد الأدنى من التوافق مع روما، التي تُعد بوابة استراتيجية نحو البحر المتوسط وشمال أفريقيا".
الأمن والهجرة والحرب التجارية
الملف الأمني كان حاضرًا بقوة في محادثات روما، لا سيما ما يتعلق بالوضع في ليبيا وشرق المتوسط.
وقال فرانشيسكو غالييتي، مدير مؤسسة "بوليسي سونار" في روما، إن "اللقاء لم يكن لإحياء الصداقة الفرنسية–الإيطالية، بل لإدارة الضرورة الإقليمية، وعلى رأسها ليبيا، حيث لا وقت للخصومة إذا أرادت باريس وروما التصدي للنفوذ الروسي المتزايد هناك"، بحسب محطة "20 مينيت" الفرنسية.
وفي موضوع الهجرة، يظل التنسيق هشًا، لكن الطرفين أبديا استعدادًا لتفعيل الشق العملي من معاهدة "الكرينال"، التي سبق توقيعها في 2021، وتُنظم أوجه التعاون في السياسة الخارجية والدفاع والمبادلات الأمنية.
من الخلاف إلى "التفاهم المرحلي"
واعتبر الخبراء أن ما حدث في روما لا يعني نهاية الخلافات، بل بداية تفاهم مرحلي فرضته التحديات الخارجية، سواء عودة ترامب، أو تصاعد الحرب التجارية العالمية، أو الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي نفسه.
إذ قال مارك لازار، إن "الابتسامات العريضة لا تُخفي حقيقة أن ماكرون وميلوني يمثلان رؤيتين متناقضتين لأوروبا: الأولى ليبرالية، والثانية قومية ذات نزعة شعبوية".
لكن اللافت، وفق لازار، أن الطرفين قررا تفعيل اللقاءات الثنائية بشكل منتظم، مع إعلان تنظيم قمة جديدة في فرنسا مطلع 2026، وهو ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من "البراغماتية الثنائية" في ظل عالم يشهد تقلبات كبرى في موازين القوة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAwIA== جزيرة ام اند امز