خوفا من أزمة مغاربية جديدة.. أنقرة ترضخ لشروط الرباط

خلال الآونة الأخيرة، طفت على السطح العديد من الأزمات بين المغرب وتركيا جراء سياسات الأخيرة سواء السياسية أو الاقتصادية.
بعد نحو عامين من المماطلة، رضخت أنقرة إلى شروط الرباط في اتفاقية تبادل تجاري، خشية تنامي أزمة جديدة في منطقة المغرب العربي بعد إفشال دبلوماسية الجزائر وتونس أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليبيا.
وطفت على السطح مؤخرا العديد من الأزمات بين المغرب وتركيا جراء سياسات الأخيرة سواء السياسية أو الاقتصادية أبرزها دعم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، وكذلك استغلال اتفاقية التبادل التجاري لصالحها قبل أن ترضخ أنقرة لشروط الرباط.
وعلى مدار أكثر من عامين، يطالب خبراء اقتصاديون مغربيون بإلغاء اتفاقية التبادل الحر مع تركيا بسبب الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني.
إلا أنه تصاعدت حدتها عقب قيام قناة "تي أر تي" التركية بنشر مقطع فيديو يشير إلى سيرة مختصرة للانفصالية المؤيدة لجبهة البوليساريو أميناتو حيدر نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
آنذاك، هاجم نشطاء مغاربة تركيا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب موقفها من قضية الصحراء المغربية.
واعتبروا نشر قناة تركية رسمية شريط فيديو مليئا بالمغالطات، ومن وجهة نظر واحدة يستدعي إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع أنقرة.
وعبر المغرب عن غضبه من تفاقم عجز الميزان التجاري لصالح تركيا والانعكاسات السلبية لاتفاق التبادل الحر على المقاولات المغربية.
ودعت الرباط إلى ضرورة إعادة التوازن لهذا الوضع حتى لا يكون المغرب مضطرا لإعادة النظر في هذا الاتفاق، قبل أن تعلن أمس رضوخ تركيا لشروطها.
ووفق مراقبين فإن تركيا رضخت أمام شروط المغرب خشية تنامي أزماتها بالمنطقة التي تعادي أغلبية الدول بها خاصة بعد العمليات العسكرية المستمرة في سوريا، ومن ثم التدخل في الأزمة الليبية وإرسال مرتزقة موالين لها.
وعقب زيارتين للرئيس التركي إلى تونس والجزائر، خرجت بيانات رسمية من الدول ذاتها تكذب فيها أردوغان حول تنسيق عسكري مع البلدين حول ليبيا.
وأكد البلدان رفضهما القاطع أن تكون ضمن ما يعرف بـ"التحالف مع تركيا في ليبيا" أو تسمح بأن تكون ممراً لمرتزقته، الأمر الذي زاد من عزلة نظام أنقرة إقليمياً ودولياً.
وتتفق الجزائر وتونس على رفض التدخلات العسكرية الأجنبية بالمنطقة عامة وليبيا تحديداً، وتبنتا موقفاً مشتركاً رافضاً للوجود العسكري التركي في ليبيا.
رضوخ تركي
وأمس الإثنين، كشف مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي بالمغرب، في جلسة بالبرلمان، عن أنه تلقى جوابا من المسؤولين الأتراك قبل يومين تزامنا مع انتهاء مهلة التفاوض، أكدوا له موافقتهم من أجل إعادة النظر في بنود الاتفاقية وفق المعايير التي حددتها بلاده.
وقال العلمي إن "الجانب التركي كان قد طلب مهلة أخرى إضافية إلى غاية السادس من فبراير/شباط الجاري، وتوصلنا قبل يومين بجواب منهم يخبروننا بقبول إعادة النظر بالشكل الذي حدده المغرب"، وفق ما نقله موقع هيسبريس المغربي.
وأفاد المسؤول الحكومي بأنه في "الأيام القليلة المقبلة سيجري توقيع اتفاق جديد بين البلدين وفق نتيجة رابح رابح؛ لأن همنا، أولا وأخيرا، هو مصلحة بلدنا المغرب".
وقال النائب البرلماني، إدريس الأزمي الإدريسي، إن المغرب يخسر في جميع اتفاقيات التبادل الحر وليس فقط مع تركيا، معتبرا أن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني في النسيج جاءت بسبب الفشل هذا القطاع.
وأشار إلى أن "استثمارات تركيا في بلادنا هي أقل من 1%، بينما تصل في الجار الجزائري 5.4 مليار دولار".
وأضاف الوزير أن العجز التجاري مع تركيا يصل 18 مليار درهم سنويا، نافيا أن يكون قطاع النسيج في المغرب غير مهيكل.
وتكبد المغرب خسائر فادحة على مستوى مناصب الشغل بسبب غزو النسيج التركي، وفق معطيات الوزير العلمي؛ إذ فقد في سنة 2014 نحو 19 ألف منصب، وفي 2015 نحو 24 ألفا، وفي 2016 نحو 35 ألفا، وفي 2017 نحو 44 ألفا.
وكان المغرب قد اشترط على تركيا ضرورة تخفيف الخسائر التي تُسببها التجارة التركية للاقتصاد المغربي، من خلال "رفع التجارة الثنائية بين البلدين إلى مستوى أكثر توازناً، وتشجيع المُستثمرين الأتراك على الاستثمار بالمغرب في الصناعة الإنتاجية، وتشجيع الصادرات المغربية نحو تركيا".
وفي الوقت الذي دافع فيه أغلب البرلمانيين على ضرورة مراجعة الاتفاق التجاري المثير للجدل بدا فريق حزب العدالة والتنمية منزعجا من الصرامة التي وضعها العلمي ضد الجانب التركي؛ وهو ما أثار انزعاج الوزير "التجمعي".
** قمة الفتنة
كما كان لـ"قمة الفتنة" في كوالالمبور التي روجت لها قطر وتركيا دور رئيسي في تأجيج الأزمة بين أنقرة والرباط جراء دعوة حزب مغربي محظور إليها.
وكانت ماليزيا قد دعت إلى لقاء خماسي لدول إسلامية، هي تركيا وقطر وإندونيسيا وباكستان، إلى جانب الدولة الداعية ومشاركة إيران، فيما عرف إعلاميا بـ"قمة الفتنة"، لكن جاكرتا وإسلام آباد رفضتا الدعوة.
ونقل موقع "العرب" عن مصادر ماليزية مطلعة أن أزمة حالية بين المغرب وتركيا أدت إلى استدعاء السفير المغربي في أنقرة، علي لزرق، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأشارت المصادر إلى أنها بدأت حين تدخلت تركيا وفرضت قائمة مدعوّين على القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور، كان منهم حزب إسلامي مغربي شبه محظور.
وقالت إن المغرب عبّر عن انزعاجه لماليزيا، لكن حكومة كوالالمبور أشارت إلى أن تركيا تقدمت بقائمة الأحزاب والشخصيات الإسلامية المشاركة، وأن القائمة شملت حركة "العدل والإحسان" المغربية شبه المحظورة، وأن المغرب الرسمي نأى بنفسه عن أيّ نوع من التمثيل في القمة.
وشملت قائمة الدعوات أيضا حركة "التوحيد والإصلاح" وهي حركة ذات مرجعية إسلامية، تشكل الذراع الدعوية لحزب "العدالة والتنمية" متزعم الائتلاف الحكومي بالمغرب.
**الأزمة الليبية
كما أثار التدخل التركي في ليبيا وتوقيع مذكرتي تفاهم مع ما يعرف بحكومة الوفاق في طرابلس إخلالا بتوازنات إقليمية وبينها المغرب التي رعت اتفاق الصخيرات في 2015 وبإشراف الأمم المتحدة.
وتخشى دول المغرب العربي على تحول ليبيا إلى سوريا جديدة، خاصة أن زيادة التوتر في ليبيا تهدد هذه البلدان أمنيا.
وكان رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد وقّعا في يوم 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مذكرتي تفاهم حول ترسيم الحدود البحرية وتعزيز التعاون الأمني والعسكري.
وقوبلت تلك الخطوة برفض محلي وإقليمي ودولي كبير؛ حيث وصف البرلمان الليبي توقيع السراج ذلك بـ"الخيانة العظمى"، فيما طالب رئيسه جامعة الدول العربية والأمم المتحدة بسحب الاعتراف من حكومة الوفاق وعدم أحقية السراج بتوقيع مثل تلك الاتفاقيات.
وتنخرط تركيا في دعم حكومة فايز السراج بالعاصمة الليبية طرابلس والتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة التابعة له بالمال والسلاح، على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي بحظر توريد السلاح إلى ليبيا منذ 2011.
وحذرت دول المنطقة والمجتمع الدولي من إرسال قوات تركية إلى ليبيا؛ حيث سيُسهم ذلك في إشعال الأزمة الليبية وتصعيد إقليمي غير مسبوق.
aXA6IDMuMjIuNzcuMjQ0IA== جزيرة ام اند امز