"مشافهة النص الشعري".. أول منصة أهلية للشعر في السودان
منتدى شعري يقاوم سطوة قصيدة التفعيلة وقدم أكثر من 60 شاعرة وشاعرا من شعراء القصيدة الحديثة.. ويهدف لإحياء الشعر بـ"الشاعر المتجول"
معركة قوية تدور رحاها الآن في السودان بين القصيدة النثرية وقصيدة التفعيلة.. وهي المعركة الثقافية التي يخوضها "منتدى مشافهة النص الشعري"، كأول منصة أهلية للشعر في السودان.
المنتدى يقتحم المشهد الثقافي بمبادرة من مجموعة من الشعراء الذين لم يكن همهم الأساسي بعد محبة الشعر سوى استعادة منابره التي صودرت من قبل سدنة القصيدة القديمة السائدة، حيث لا مكان فيها لصوت جديد أو قصيدة حديثة لا تأبه بشروط الموزون المقفى. كما لا يخفي الشعراء أصحاب الفكرة رغبتهم في تقديم نصوصهم وتجاربهم الشعرية للأجيال القادمة من الشعراء وتوريثهم محبة الشعر، بوصفه فناً حراً لا يجب أن يتقيد بقافية ووزن.
يقول الشاعر المغيرة حسين حربية، أحد مؤسسي المنتدى لـ"العين الإخبارية": "فكرة المنتدى نبعت عام 2012 عندما قرر 4 من الشعراء الأصدقاء، منهم الأصمعي باشري، وحاتم الكناني، وعادل سعد والصادق الرضي إقامة ليلة شعرية احتفاء بالشاعر بابكر الوسيلة، أحد أبرز أصوات القصيدة الحديثة في السودان".
وأضاف:" شهدت هذه الأمسية تقديمهم تجارب شعرية جديدة ونصوصا متمردة على القوالب القديمة؛ لتجد الفكرة صدى واسعا وارتياحا لدى محبي الشعر، وبعدها توالت العديد من الليالي الشعرية حتى اكتمل الشكل الكامل للمنتدى، والذي بات ملاذا لكثيرين من الشعراء الشباب الذين يكتبون القصيدة الجديدة في السودان والمتحررين من ثقل القوالب والمدارس الشعرية القديمة، والمتعارف عليها" والتي يقول المغيرة إنها استنفدت أغراضها ولم تعد تلبي شروط الواقع بأزماته المستفحلة".
ووفقا للمغيرة فإن "المنتدى وطوال تجربته أبدى حرصا على تقديم الشعراء الذين يكتبون النصوص ذات الحساسية الشعرية الجديدة ولا يجدون منابر لتقديم نصوصهم وتجاربهم الجديدة والمبتكرة."
ويتابع: "استطاع المنتدى منذ انطلاقته تقديم أكثر من 60 شاعرة وشاعرا من شعراء القصيدة الحديثة في السودان، ومناقشة تجاربهم ونقد نصوصهم".
الأمر المميز في تجربة "مشافهة النص الشعري"، أنها تخطت حدود السودان، بحسب قول المغيرة:" لم يكن المنتدى حكرا على السودانيين، وقام بتقديم تجارب من خارج البلاد مثل تجربة الشاعر العراقي باسم فرات، والشاعر اليمني جلال الأحمدي، كما احتفى بتجارب شعراء جنوب السودان مثل: أتيم سايمون وتوماس قرنق وبوي جون."
وبشأن الشعرية الجديدة التي برزت في السودان، يرى أن "الشعراء الجدد تجاوزوا إبداعيا وبحكم الواقع المعيش تجارب القصيدة القديمة التي تكلست، وحملوا أدوات أخرى لكتابة نصوصهم الشعرية.
فبالنسبة لهم تجاوز الوقت القصيدة القديمة، ولم يعد المتلقي منفعلا بها بعد أن اكتملت دورة التعبير عنها، معللا الأمر بأنهم كشعراء لم يعد في وسعهم التعبير من خلالها عن المضامين والأفكار والأحاسيس الجديدة التي تراود مخيلاتهم؛ ولذلك برزت القصيدة الجديدة كشكل في بداية التسعينيات، وربما قبل ذلك، واستمر نضجها في المشهد الشعري في السودان حتى هذه اللحظة.
ويضيف المغيرة أن المنتدى يعمل منحازا للكثير من القضايا الجمالية الخاصة بالشعر والشعرية، وعلى التأكيد على أهمية استمرار جذوته التعبيرية منذ أن انتخبَ الشعرَ كمدونة كبرى يكتب بها الإنسان همومه ومشاعره، وينقل بها أحساسيه نحو الوجود.
ويقف المنتدى على النقيض من القصائد التي لا تمثل الجمال أو مقاومة القبح، وهو لا يطرح مدرسة شعرية محددة، لكنه يعمل على إبراز القصيدة الجديدة كمنجز جديد وفاعل في مسيرة الشعر السوداني رغم تحديات الركاكة والجمود وسطوة التقنيات الحديثة.
وتقوم المشافهات في المنتديات على إلقاء الشعراء نصوصهم على الشعراء والمتلقين "الشعراء بالضرورة" بطريقة مباشرة وتحدث أثناء الإلقاء عملية إعادة الإنتاج للنص وتأويله ومناقشته من قبل كل الحاضرين.
ويرى الشاعر الأصمعي باشري، وهو أحد المؤسسين، في حديثه لـ "العين الإخبارية"، أن احتفاءهم بالقصيدة الجديدة ينبع من إيمانهم بأنها المستقبل، وأن كل الفتوحات الشعرية في الشعر السوداني في الآونة الأخيرة قدمت من قبل رواد القصيدة الجديدة.
صمود أمام الظرف الثقافي المحتقن
في الآونة الأخيرة عانى المنتدى من مضايقات من السلطات الثقافية في السودان- حسب الأصمعي_ مشيراً إلى أنها تتالت بعد أن حقق شعبية واسعة في الأوساط الثقافية، واستطاع أن يخلق التفافا غير مسبوق من الجمهور وأن يسحب البساط من الأنشطة الثقافية الرسمية للسلطة. كما استطاع جذب جمهور واسع من الأصدقاء من محبي الشعر، وحافظ على استمراريته برغم إغلاق السلطات للمقر الذي كانت تعقد فيه أنشطته.
كما ظل يحتفل كل عام بيوم الشعر العالمي الذي يصادف الحادي والعشرين من مارس من كل عام، رغم الظرف الثقافي السوداني المحتقن المتأثر بالمناخ بالسياسي والاقتصادي.
ولم يكتف المنتدى بتنظيم اللقاءات الشعرية، بل خاض تجربة إصدار الكراسات الشعرية لعدد من الشعراء برعاية أهلية بحتة وبدعم ذاتي بلغ عددها 4 إصدارات شعرية.
الشاعر الجوال تجربة غير مسبوقة
وفي تجربة جديدة وغير مسبوقة طرح المنتدى فكرة الشاعر الجوال أو المتجول، والفكرة حسب رأي رواد المنتدى، تقوم على تنصيب أحد الشعراء لمدة عام ليطوف في العاصمة والولايات، وذلك بهدف إحياء طقوس قراءة الشعر التي كادت أن تندثر، ونصب المنتدى الشعراء بابكر الوسيلة ومأمون التلب وحسين علي حسين كشعراء جوالين على مدى ثلاثة أعوام.
إلا أن الملفت في التجربة هو محاولة الوصول للجمهور في أماكن تجمعاته وكسر طوق الشعر، إذ لا يكتفي الشعراء بالقراءة في المنتديات فقط، بل ينطلقون للحدائق والساحات العامة لتقديم قراءات شعرية مع شعراء آخرين.
كما تهدف فكرة الشاعر المتجول أيضا لاكتشاف شعراء جدد ونقل الشعر إلى المناطق النائية التي لا يصل إليها، وفي ذلك يقول المغيرة: "أن هذه الفكرة تطرح لأول مرة على مستوى الوطن العربي وأفريقيا". ويضيف بأن "حداثتها تكمن في أن الشاعر الذي يتم تنصيبه يقوم بالتجوال بالشعر في المدن والأقاليم السودانية أو أن يقوم بالتجول داخل النص. كما في فعل الشاعر بابكر الوسيلة في ديوانه "العاطل عن المجاز".
ويرى الناقد محمد فرح وهبي في حديثه لـ "العين الإخبارية" أن "منتدى مشافهة النص الشعري هو هيئة قائمة بمحبة الأصدقاء ولا يطرح أي تيار أو منفستو شعري ولا يدافع عن أي توجه شعري، بل يستمد وجوده بقوة الدفع الذاتي من الشعراء ومحبي القصيدة الجديدة، ويسعى إلى الحفاظ على تقاليد محبة الشعر حية في نفوس الأجيال القادمة." إلى ذلك، فان المنتدى أطلق أول مهرجان أهلي للشعر في السودان صيف العام 2014، وأصدرت مكتبته خمسة إصدارات شعرية بالعون الذاتي وبدعم الأصدقاء ومحبي الشعر.
aXA6IDUyLjE0LjYuNDEg جزيرة ام اند امز