بعد ضربة كييف.. «حروب الحاويات» تغير التاريخ وتضيق الفوارق العسكرية

لقد أثرت عملية القصف الأوكرانية لمطارات روسية، على سطوة القوة الجوية الاستراتيجية لموسكو، وربما تكون قد صدمت واشنطن أيضًا.
في مناورة غير معتادة، شنت أوكرانيا سلسلة منسقة من الضربات العميقة في الأراضي الروسية باستخدام طائرات بدون طيار في حاويات.
العملية استهدفت مطارات عسكرية وأصول حيوية في عدة مواقع (قاعدة أولينيا الجوية في منطقة مورمانسك، وقاعدة بيلايا الجوية في منطقة إيركوتسك، وقاعدة إيفانوفو الجوية في منطقة إيفانوفو، وقاعدة دياجيليفو الجوية في منطقة ريازان).
وتعد الهجمات المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تقوم فيها دولة أوروبية بتوجيه ضربة بهذا الحجم وهذه الدقة في العمق الروسي، وفق مجلة «ذا ناشونال إنترست» الأمريكية.
لم يكن هناك مظليون، ولم يكن هناك اندفاع دراماتيكي للدبابات عبر الحدود، فقط حاويات شحن لا تحمل علامات مميزة متوقفة بشكل غير واضح في مواقف الشاحنات وعلى جانب الطريق، تم فتحها لتطلق أسرابًا من الطائرات دون طيار بعيدة المدى مبرمجة بكفاءة لا ترحم.
في غضون دقائق، أفادت التقارير أن عدة طائرة أُصيبت أو دُمرت على الأرض، بما في ذلك قاذفات من طراز تو-22 وتو-95 - وكلاهما ذات قدرة نووية، وفق المجلة، لكن السلطات الروسية لم تفصح عن الخسائر.
لحظة مفصلية
وإذا كانت هذه الادعاءات الصادرة عن أجهزة الأمن الأوكرانية (SBU)، دقيقة إلى حد كبير، فإن ما يقرب من ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية قد تم تحييده، إلى جانب 34% من حاملات صواريخ كروز الاستراتيجية الروسية.
ومن الطبيعي أن يكون لدى أوكرانيا حافز للمبالغة في تقدير هذه الأرقام. ومع ذلك، رأت المجلة الأمريكية أن هذا النوع من الإضعاف للردع النووي الروسي، الذي قامت به دولة غير نووية، غير مسبوق.
كما هو الحال مع إغراق الطراد الروسي ”موسكفا“ أو تخريب ”نورد ستريم 2“، يبدو أن توقيت الضربات الأوكرانية يهدف إلى تحويل إيقاع الحرب بعيدًا عن التفاوض والعودة إلى التصعيد؛ على حد قول المجلة.
ومع ذلك، وعلى عكس تلك الحوادث السابقة، لم يكن هذا مجرد حدث غير مسبوق. بل كان نقطة تحول في العقيدة العسكرية. فبهذا الهجوم، انتقلت حرب الطائرات دون طيار المعبأة في حاويات من مفهوم إلى واقع تم اختباره في القتال.
والآن بعد أن فُتح صندوق باندورا، لن يتمكن أي جيش على وجه الأرض من التظاهر بعدم وجوده، وفق ذا ناشونال انتريست.
صعود حرب الحاويات
ما يجعل هذه الضربة ثورية حقًا ليس الضرر الذي تسببت فيه، ولكن آلية التنفيذ. إذ أطلق الأوكرانيون الطائرات دون طيار من حاويات شحن لا يمكن تمييزها عن ملايين الحاويات الأخرى التي تجوب العالم كل يوم.
وهذا ليس تهديدًا نظريًا، كما أنه ليس ابتكارًا فريدًا من نوعه في أوكرانيا، فالحرب بالحاويات كانت قيد المناقشة لسنوات.
ووفق المجلة، فإنه مفهوم راسخ لدرجة أنه ظهر في ألعاب الفيديو. ما فعلته أوكرانيا هو أنها أخرجت هذا المفهوم وفرضته علانية في ساحة المعركة.
وبقيامها بذلك، تكون قد خرقت افتراضين أساسيين للتخطيط العسكري في مرحلة ما بعد الحرب الباردة: أن صراعات الدول محدودة بالجغرافيا وأن البنية التحتية التجارية ستبقى، إن لم تكن خارج الحدود، فعلى الأقل هامشية في أي صراع.
في غضون ساعات قليلة، أصبحت حرب الطائرات دون طيار المعبأة في حاويات حقيقية. وهذا، على الأرجح، هو التطور العسكري الأكثر إرباكًا منذ ظهور الطائرات المسلحة دون طيار نفسها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفق المجلة الأمريكية.
الآثار الاستراتيجية واسعة النطاق لهذا التطور، وليس فقط بالنسبة للحرب الأوكرانية. إذا كان بالإمكان نشر الطائرات بدون طيار من حاويات الشحن في أي مكان، فإن أي ميناء أو ساحة للسكك الحديدية أو محطة استراحة على الطريق السريع تصبح منصة إطلاق محتملة.
ويمكن لأي دولة لديها إمكانية الوصول إلى طائرات دون طيار رخيصة الثمن، ومعرفة البرمجة الأساسية، وعدد قليل من ضباط اللوجستيات المتقاعدين تطوير قدرة على توجيه ضربات بعيدة المدى.
لذلك، هذا تغيير كبير في المدى والقدرات العسكرية، ولم تعد الدول بحاجة إلى حاملات الطائرات أو الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ولكنها قادرة على توجيه ضربات استثنائية بإمكانات قليلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODQg
جزيرة ام اند امز