سيناريوهات أزمة النيجر.. ماذا بعد انضمام الجيش للانقلابيين؟
بدت الأوضاع تحت السيطرة إلى حد ما حين أعلن رئيس النيجر أن مجموعة فقط من الحرس الرئاسي هي التي تمردت واحتجزته بالقصر، معلنا "مفاوضات" معها.
الرئاسة أعلنت أيضا أن الجيش والحرس مستعدان للهجوم حال لم يعد المتمردون إلى رشدهم، ما منح انطباعا بأن الأمر قد لا يعدو أن يكون سوى تمرد سرعان ما سيخمد بشكل أو بآخر.
لكن ساعات فقط بعد ذلك، تداخلت الأوراق بشكل متسارع وانقلبت الإحداثيات ليعلن الجيش انضمامه للحرس الرئاسي في خطوة أكدت أن الرئيس النيجري محمد بازوم يتعرض لانقلاب.
ومع أن كواليس الأحداث أو ما جرى خصوصا صبيحة الأربعاء يظل طي الكتمان باستثناء ما يمكن استخلاصه من بيان الرئاسة، أو ما رجحته أو كشفته مصادر مقربة منها، إلا أنه يمكن تخيل ما جرى في قصر الرئيس.
عناصر من الحرس الرئاسي تحتجز بازوم وأفراد عائلته وأعضاء من الحكومة في القصر الرئاسي، ثم تتفاوض معه -قد يكون على الخروج مقابل ضمان سلامته- وحتى تلك المرحلة لم يقبل الجيش الانضمام للمتمردين لأسباب مجهولة.
لكن لاحقا، يبدو أن المفاوضات لم تمض في الطريق المأمول، كما أن الحرس الرئاسي نجح في إقناع الجيش، في خطوة لا تعتبر صعبة ببلد يعج تاريخه بالانقلابات.
وفي وقت سابق الخميس، أعلن رئيس أركان القوات المسلّحة في النيجر "تأييد إعلان" العسكريين الانقلابيين وضع حد "لنظام" الرئيس محمد بازوم المحتجز من قبل الحرس الرئاسي، فيما دعا رئيس الحكومة بالوكالة إلى الحوار.
ورغم إعلان العسكريين الإطاحة بالرئيس، إلا أنه لا يزال صامدا، وقال في رسالة عبر خدمة "إكس" المعروفة سابقاً بـ"تويتر"، "ستُصان المكتسبات التي حققت بعد كفاح طويل، كل أبناء النيجر المحبون للديمقراطية والحرية سيحرصون على ذلك".
وضع على رمال متحركة تنذر كل لحظة آتية بتطورات ترسم سيناريوهات عديدة لكنها مخيفة، فيما تظل الأسباب الكامنة وراء هذه المستجدات غامضة وغير محددة.
أسباب
عقب توليه الحكم في الثاني من أبريل/نيسان 2021، احتفظ بازوم بقائد الحرس الرئاسي لسلفه محمدو يوسوفو، عمر تشياني، في قرار أثار حينها استفهامات عديدة.
لكن الخطوة أكدت أن العلاقات بين الرجلين جيدة، وأن ثقة الرئيس بتشياني كبيرة ليمنحه مهمة تأمين سلامته وعائلته، ما يطرح تساؤلات حول ما استجد لينقلب المسؤول الأمني عليه.
بعض المصادر تشير إلى وجود خلافات مالية، حيث يطالب عدد من عناصر الحرس الرئاسي، وعلى رأسهم تشياني، بصلاحيات وحوافز مالية أكبر، وقد سبق أن قدموا مطالبهم أكثر من مرة لكنهم لم يحصلوا على موافقة.
الاحتمال الثاني -وهو الأقرب- يكمن في مشهد أكبر من القصر وتجاذبات الرئيس وعناصر حمايته، ليشمل الصراع الدولي في منطقة الساحل الأفريقي، وقد يكون ما يحدث عقابا له على ولائه المطلق لفرنسا، وعدم حضوره القمة الروسية الأفريقية الأخيرة.
وبالتالي، قد يكون ما جرى محاولة لمعاقبته على طبيعة تحالفاته الوثيقة مع فرنسا ومعاداته النسبية مع دول الجوار المباشر، مثل مالي وبوركينا فاسو، البلدين اللذين يحاولان الإفلات من التأثير الفرنسي.
ففي مالي مثلا، طرد المجلس الانتقالي الحاكم القوات الفرنسية على وقع تنامي المشاعر الشعبية المناهضة لباريس مقابل تصاعد الوجود الروسي.
الأمر نفسه يحدث في بوركينا فاسو، هناك حيث استعرت الاحتجاجات لفترات طويلة تطالب برحيل قوات برخان الفرنسية، مقابل تطور واضح للحضور الروسي.
وبناء على ذلك، يرجح محللون أن يكون الانقلاب نتيجة للصراع الفرنسي الروسي في هذا البلد الغني باليورانيوم الذي تسيطر عليه باريس.
سيناريوهات
بما أن الجيش يعتبر العامل الأساسي في حسم الموقف، فإن أمام النيجر سيناريوهات محدودة للغاية.
فإما أن يقبل بازوم بإملاءات الانقلابيين وبالوضع الجديد وينفذ بجلده مع عائلته، لكن عليه أولا أن يجد ملجأ سيكون على الأرجح نيجيريا، لأنه لن يكون موضع ترحيب في بقية بلدان الجوار خصوصا مالي وبوركينا فاسو.
وفي حال تشبث بازوم بالشرعية كما قال قبل ساعات، فإن المصير المحتوم سيكون دمويا بشكل فج، وقد يتجسد في شكل مواجهات بين الشق المنقلب على الرئيس من الجيش، وبين الشق الموالي له.
وبما أنه لا يعرف حتى الآن ثقل الموالين من الانقلابيين، فإنه من الصعب تحديد التوازنات، ولكن بناء على المسؤولين العسكريين أو الأمنيين الذين ظهروا اليوم خلال إعلان الإطاحة ببازوم، يمكن رسم صورة نسبية للوضع.
فمن بين الانقلابيين ظهر العقيد أمادو عبدالرحمن من سلاح الجو، في المقابل غاب الجنرال عمر تشياني، قائد الحرس الرئاسي وقائد الانقلاب على بازوم، لكنه حرص على إرسال رجله الثاني العقيد إبراه أمادو بشارو.
أما الضباط الحاضرون فينتمون لفيالق مختلفة بالجيش في هدف واضح وهو بعث رسالة مفادها بأن ما يحدث ليس مجرد انقلاب قام به الحرس الرئاسي فقط ولكن يشمل جزءا كبيرا من الجيش أيضا.
على التلفزيون، ظهر أيضا الجنرال محمد تومبا الذي كان من المتوقع لبعض الوقت أن يحل محل تشياني على رأس الحرس الرئاسي، إضافة إلى الجنرال سالو بارمو قائد القوات الخاصة، وهذا الجهاز يعتبر واحدا من فيالق النخبة بالجيش النيجري مع الحرس الرئاسي.
مشهد ضبابي يخيم على النيجر، والمؤكد أنه في الأثناء تجري اتصالات ووساطات سواء من الاتحاد الأفريقي، المنظمة القارية، أو من تكتلات إقليمية، في محاولة لاحتواء الوضع الخطير.
وفي حال عدم توصل الجهود لحل سياسي، فمن المؤكد أن تسقط النيجر في صراع عسكري كفيل بأن يحولها لبؤرة لتنظيمات متطرفة تنشط حتى الآن بالمناطق الحدودية، وقد تمنح الفوضى للإرهابيين ضوءا أخضر ثمينا للتوغل والتوسع والتمدد في منطقة الساحل.