المنافسة الجيوسياسية في منطقة الساحل.. هل أصابت لعنة الثروات النيجر؟
على حبل مشدود، يسير كل فاعل في منطقة الساحل الأفريقي، في محاولة لتحقيق أهدافه، دون أن يظل عالقا في تعقيدات السياسة والجغرافيا.
فالساحل الأفريقي منطقة مزدحمة من منظور جيوسياسي، في ظل وجود عدة مهام عسكرية دولية مختلفة، وأكثر من 7 دول تشارك في مشاريع تنموية وأمنية، في مشهد يرسم منظور "التدافع من أجل أفريقيا".
كما أنها تمثل تحديات وفرصا للعديد من اللاعبين التقليديين والناشئين. مع ما يقرب من ثلثي سكانها دون سن الـ25، حيث تعد المنطقة واحدة من أصغر المناطق في العالم، إذ أصبح رأس المال البشري فيها أهم سمة في ملفها العالمي. بحسب المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسات الاقتصادية.
كذلك مواردها الطبيعية الوفيرة من الثروات المعدنية والنفطية، وإمكانياتها الكبيرة للطاقة المتجددة، وموقعها الجغرافي المتميز، جعلتها ساحة للباحثين عن التموضع الاستراتيجي والنفوذ والهيمنة.
طبيعة جيوسياسية غنية
تحتل المنطقة موقعا جغرافيا متميزا يمتد من المحيط الأطلنطي غربا، وحتى البحر الأحمر شرقا.
وتقع المنطقة في الصحراء الكبرى شمالا حتى السافانا جنوبا، وتمتد حتى موريتانيا والسنغال وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد ونيجيريا والسودان غربا، وإثيوبيا شرقا.
وتتوسط حركة التجارة العالمية ولا سيما طريق التجارة النفطية، في ظل تزايد الطلب العالمي على البترول ومحاولة القوى في تأمين احتياجاتها لموارد الطاقة.
وفي هذا الصدد، يقول المركز الديمقراطي العربي إن "وجود الموارد النفطية داخل الساحل الأفريقي فرض على المنطقة استراتيجية خاصة للتعاملات الدولية وهو ما زاد من حدة التنافسات الكبرى، خاصاً في ظل تمتع البترول بمنطقة الساحل بالعديد من المزايا منها جودته العالية باحتوائه على نسبة من الكبريت".
"كما يتميز بقربه من أسواق الاستهلاك داخل أمريكا ودول أوروبا، حيث الساحل الغربي لأفريقيا يقع بالقرب من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني انخفاض تكلفة نقل المواد البترولية، في ظل الأوضاع المضطربة داخل الشرق الأوسط وانتشار أعمال القرصنة".
ناهيك عن أن بعض دول المنطقة لا تلتزم بقرارات منظمة الأوبك، الأمر الذي يعطي لها الحرية الكاملة في إنتاج النفط، وهو الذي أعطى للمنطقة أهمية إنتاجية كبيرة.
صراعات ونفوذ
منذ ربيع 2021، تسارعت الأحداث في منطقة الساحل إلى حد ما، ففي أبريل/نيسان من العام نفسه توفي أحد أقدم القادة الإقليميين، الرئيس التشادي إدريس ديبي، بينما كان على خط المواجهة يقود القتال ضد متمردين.
وبعد شهر، نفذت القوات المسلحة في مالي الانقلاب الثاني في أقل من عام، وأطاحت بالأعضاء المدنيين في الإدارة السابقة.
تسلسل من الاضطرابات السياسية، يقول المركز الأفريقي للتسوية البناءة للنزاعات "أكوورد"، إنه نتج عنه سلسلة من النتائج المهمة في المنطقة.
أولا: أظهر الاتجاه نحو الحكم العسكري من قبل العديد من دول الساحل ضعف استراتيجية فرنسا في المنطقة.
وفي هذا الصدد، يوضح "أثبتت عقيدة مكافحة التمرد من قبل باريس، والتي تهدف إلى التركيز على القضايا العسكرية البحتة مع تجنب أي تدخل في السياسة الداخلية أنها غير مستدامة، وكان هذا واضحا في الأساليب المختلفة التي اعتمدتها فيما يتعلق بالتطورات في تشاد ومالي".
روسيا على الخط
لم تكن فرنسا وحدها من تدرك الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة الساحل، فهناك لاعبون آخرون تستهويهم تضاريس القارة الأفريقية.
تنافسٌ يأخذ موقعه سواء عبر الاستثمار أو التموقع الاستراتيجي بالقرب من المناطق المؤثرة والممرات المائية مثل البحر الأحمر، إلى جانب اهتمام هذه القوى بالقضايا الإقليمية الحاسمة بما في ذلك الإرهاب والهجرة غير النظامية.
في هذا السياق، يقول مركز السياسات للجنوب الجديد, إن المتغير الأمني يشكل ركيزة أساسية للسياسة الروسية في محاولاتها لممارسة نفوذها في منطقة الساحل، وذلك على غرار دورها في ليبيا وأوكرانيا وسوريا.
ويشير إلى أن موسكو وقعت العديد من اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري كأساس لمبيعات الأسلحة الروسية إلى دول الساحل، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر التي تشهد منذ أمس الأربعاء "انقلابا" قادته مجموعة من الجنود في الجيش، في تحرك رفضه رئيس البلاد محمد بازوم الذي أكد أنه ما يزال يمثل السلطة الشرعية في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز دور مجموعة فاغنر في العديد من البلدان في المنطقة، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي، بحسب المركز.
ففي سبتمبر/أيلول 2021، شارك المجلس العسكري في باماكو في محادثات مع مجموعة فاغنر الروسية، بحسب المركز الأفريقي للتسوية البناءة للنزاعات.
ويرى مراقبون أن ظهور روسيا كمنافس في المنطقة يعود إلى سعي موسكو للاستفادة من الموقف المعادي للفرنسيين المتنامي بين الماليين وبحث المجلس العسكري الحاكم عن شركاء الأمن الجدد.
وفي هذا الصدد، يشرح مركز أكوورد "إلى جانب الروابط التاريخية المعروفة بين البلدين، تعرضت مصداقية باريس كمزود أمن عالمي للخطر بسبب التطورات الأخيرة في منطقة الساحل، وكذلك في المناطق الاستراتيجية الأخرى".
و"نتيجة لذلك، فإن خسارة مالي هي خسارة على الأقل جزئيًا للمكانة العالمية لفرنسا"، يضيف "أكوورد".
من ناحية أخرى، يبدو أن مقاربة روسيا الأكثر براغماتية للسياسة الأفريقية تعمل إلى حد ما، على الأقل على المدى القصير.
ووفق عقيدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -حسب المركز- تعد أفريقيا أمرا حاسما للحفاظ على مكانة روسيا العالمية.
ولفت إلى أنه بدخول فاغنر على الخط في مالي تكون روسيا قد حققت هدفين رئيسيين، الأول: تنمية العلاقات التجارية مع دول جنوب الصحراء الكبرى التي أصبحت الآن ذات صلة بشكل متزايد بـ اقتصاد روسيا المتعثر.
والثاني: الاستمرار في إبقاء الغرب تحت الضغط على حدوده الجنوبية.
وأمام ذلك، طورت فرنسا استراتيجية جديدة لمنطقة الساحل عبر فرقة عمل تاكوبا.
فمن خلال هذه الآلية العسكرية متعددة الأطراف، التي سيكون مقرها في نيامي عاصمة النيجر، تسعى باريس إلى الحفاظ على اليد العليا في شؤون الساحل، لكن هذا أثار مخاوف بعض الشركاء الأوروبيين بشأن ما يرون أنه خطط يهيمن عليها الفرنسيون.
أثار الوجود الروسي المتزايد في منطقة الساحل انتقادات واسعة النطاق وقلقا في أوروبا، على اعتبار أنه يمثل بداية مشاركة أمنية غير تقليدية في مجال تقليدي من النفوذ الأوروبي.
وهو ما أشار إليه مركز السياسات للجنوب الجديد، بأن جهود روسيا لترسيخ نفسها في منطقة كانت فرنسا نشطة فيها منذ فترة طويلة هي جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذ موسكو العالمي من خلال قيادة حملة ضد شبكات القوة طويلة الأمد في المنطقة.
ولفت إلى أن الكرملين يستغل تراجع القيادة الغربية في أفريقيا، لا سيما في سياق تزايد انعدام الثقة بالسياسة الفرنسية بين شعوب منطقة الساحل.
الصين وأمريكا.. من يكسب؟
وعلى نفس المنوال، تعد الصين مثالا آخر على إبراز القوة في منطقة الساحل، وذلك من بوابة تعطش أفريقيا للتنمية.
يقول مركز السياسيات للجنوب الجديد إن بكين تعلمت درسها من الأزمة الليبية في عام 2011، ولم تترك لها خيارا سوى إعادة تشكيل وجودها في أفريقيا، بما في ذلك منطقة الساحل.
ونتيجة لذلك، نما نطاق مشاركتها العسكرية بالتزامن مع مبادرة الحزام والطريق التي تم إطلاقها في عام 2013، والتي تعزز المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الصينية وتوفر بديلا للاستراتيجيات التوجيهية والهيمنة للكتلة الغربية.
وتسعى الصين -حسب المركز- إلى إعادة ولادة جديدة على المسرح العالمي من خلال نموذج جديد للمشاركة الدولية، تكون فيه منطقة الساحل مجرد واحدة من بين العديد من مجالات الاهتمام.
ولذلك، تبذل بكين جهودا كبيرة للترويج لنموذجها الأمني في منطقة الساحل باعتباره دفاعياً وتعاونياً، مع التركيز على التدريب في مجال مكافحة الإرهاب وحماية البنية التحتية في تعاونها مع تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي.
وتُظهر بيانات مقياس Afrobarometer، كيف توجد آراء إيجابية عن الصين كشريك تجاري، لكن غالبية دول جنوب الصحراء الكبرى تواصل النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها أفضل نموذج للتنمية على المدى الطويل.
فإعادة تأكيد الولايات المتحدة قيادتها العالمية يمثل أولوية قصوى لإدارة الرئيس جو بايدن، في مشهد دولي يتسم بالمنافسة الشرسة بين القوى العظمى في أفريقيا.
ويريد بايدن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا بعد زلات سياسية لسلفه دونالد ترامب في العديد من البلدان، خاصة في منطقة الساحل.
وأظهر إنشاء دور المبعوث الخاص للولايات المتحدة لمنطقة الساحل عام 2020 الاعتراف بالتحديات متعددة الأوجه والمتداخلة التي تواجه بلدان الساحل، بما في ذلك الفقر المدقع، والحركات الانفصالية، والهجرة غير الشرعية.
aXA6IDE4LjExNy4xNjYuNTIg جزيرة ام اند امز