النيجر.. "منجم يورانيوم" أسير الصراعات والإرهاب
بلد حبسته الطبيعة عن البحار، فبات أسير الفقر والصحراء القاحلة، وأصيب بداء الإرهاب، فأصبح مريضًا بحاجة إلى دواء يريح آلامه، ومُني بانقلابات، فاحتل الصدارة بين أكثر دول العالم التي تشهد انقلابات في تاريخها.
إنها النيجر التي تشهد الأربعاء، محاولة انقلاب احتجز خلالها عناصر من الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم، فيما منحهم الجيش "مهلة" لإطلاق سراحه، وفق مصادر عدة.
فماذا نعرف عن النيجر؟
اشتق اسمها من نهر النيجر. تحدها بنين من الجنوب، وبوركينا فاسو ومالي من الغرب، والجزائر وليبيا من الشمال وتشاد من الشرق.
تبلغ مساحة النيجر التي عاصمتها مدينة نيامي، مليونًا و270 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها أكبر بلد في غرب أفريقيا، ويتركز معظم سكان البلد الأفريقي (غالبيتهم مسلمين) في أقصى جنوب وغرب البلاد.
وتشكل الصحراء ثلثي مساحة النيجر الواقعة في قلب منطقة الساحل القاحلة في غرب إفريقيا وتحتل المرتبة 189 بين 191 بلداً في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية عن العام 2022.
وفي ظل معدل فقر يبلغ 48.9% وحصة من الدخل للفرد تبلغ 533 دولاراً أمريكياً عام 2022، بحسب البنك الدولي، تعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم. وقُدِّر عدد سكانها في عام 2016 بنحو 19.8 مليون نسمة، إلا أنه ارتفع بشكل متسارع في العام 2023 إلى 22,4 مليون نسمة، نظرا إلى بلوغ معدل الولادات سبعة أطفال لكل امرأة.
الاقتصاد
ورغم أن النيجر تعد عرضة لعدم الاستقرار السياسي، وانعدام الأمن الغذائي المزمن، والجفاف، والفيضانات، وغزو الجراد، إلا أن إنتاجها من اليورانيوم والنفط يعد حجر الزاوية لاقتصاد البلد الأفريقي.
الزراعة مصدر آخر هام لإيرادات تصدير النيجر؛ ففي مناخها الحار والقاحل، تتركز الزراعة على المزارع الأسرية الصغيرة التي تنتج الحبوب والخضروات في مناطق الزراعة البعلية والمحاصيل المروية، بما فيها البصل والسمسم والبازلاء الهندية.
انقلابات النيجر
تأتي النيجر بين أكثر دول العالم التي تشهد انقلابات في تاريخها، إذ سجلت 4 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا، بالإضافة إلى المحاولات الفاشلة.
ولعل ما شهدته من قيام الحرس الرئاسي باحتجاز الرئيس محمد بازوم، أول رئيس عربي للبلاد، داخل القصر الرئاسي في العاصمة نيامي، تأكيدًا على أن هذه الدولة المنكوبة ليست استثناء في منطقة جنوب الصحراء التي تعج بالانقلابات.
وخلال العقدين الأخيرين، شهدت النيجر ثلاثة انقلابات ومحاولة انقلابية فاشلة، كانت أولاها في 27 يناير/كانون الثاني 1996، والتي أطيح خلالها بـ"مهمان عثمان" أول رئيس منتخب ديمقراطياً، بعد قرابة ثلاث سنوات في السلطة، ليخلفه الجنرال إبراهيم باري مناصرة رئيسا.
الانقلاب الثاني كان في 9 أبريل/نيسان 1999، والذي أسفر عن مقتل الرئيس إبراهيم باري مناصرة في كمين بمطار ديوري حماني، من قبل أفراد من الحرس الرئاسي أثناء محاولة محتملة للفرار من البلاد، ليخلفه داودا مالام وانكي رئيساً.
وفي 18 فبراير/شباط 2010، كانت النيجر على موعد مع ثالث انقلاب خلال العقدين الماضيين؛ فهاجم جنود، القصر الرئاسي في نيامي في منتصف النهار واعتقلوا الرئيس تانجي مامادو، الذي كان يترأس اجتماعًا حكوميًا في ذلك الوقت. وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، أعلن المتمردون على شاشات التلفزيون تشكيل المجلس الأعلى لاستعادة الديمقراطية بقيادة سالو جيبو.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، قضت محكمة عسكرية بسجن تسعة جنود ومدني لفترات تراوح ما بين خمسة و15 عاما لمحاولتهم الإطاحة بمحمد إيسوفو، سلف بازوم، عام 2015.
ومن بين المدانين الجنرال سليمان سالو، وهو رئيس أركان الجيش السابق وعضو في المجموعة العسكرية التي أطاحت بتانجا في 2010.
آخر محاولات الانقلاب في النيجر تلك التي وقعت في 31 مارس/آذار 2021، بعد إطلاق نار في شوارع نيامي عاصمة النيجر قبل يومين من تنصيب الرئيس المنتخب محمد بازوم، لكن الجيش تمكن من إحباط تلك المحاولة واعتقال المشاركين فيها.
اليورانيوم في النيجر
يوجد في النيجر منجمان هامان لليورانيوم يوفران حوالي 5% من إنتاج التعدين العالمي من خامات اليورانيوم عالية الجودة في إفريقيا.
بدأ أول منجم تجاري لليورانيوم في النيجر العمل في عام 1971. وتم اكتشاف اليورانيوم في Azelik في النيجر عام 1957 من قبل المكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية والجيولوجية (BRGM) والذي كان يفتش عن النحاس.
شرعت اللجنة الفرنسية للطاقة الذرية (CEA) في إجراء المزيد من الدراسات، تبع ذلك اكتشافات أخرى في الحجر الرملي، بما في ذلك في أبو كرم (1959)، ومداويلا (1963)، وأرليت، أريج، أرتويس وتاسا - تازة (1965)، إيمورارين (1966) وأكوتا (1967).
بلغ الإنتاج التراكمي من اليورانيوم في النيجر حوالي 150 ألف طن حتى نهاية عام 2019، ويتم استخراج اليورانيوم بالقرب من بلدتي التعدين التوأم أرليت وأكوكان، على بعد 900 كيلومتر شمال شرق العاصمة نيامي.
تعتبر النيجر موردًا رئيسيًا لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، وتمثل خُمس إمداداتها، وهي مهمة بشكل خاص لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. لكن صناعة التعدين في حالة ركود.
وفي تصريحات سابقة لوكالة "فرانس برس"، قال وزير التعدين في النيجر يعقوبة حديزاتو أوسيني: "خلال السنوات القليلة الماضية، كانت صناعة اليورانيوم في جميع أنحاء العالم على موعد مع هبوط مستمر في أسعارها"، ملقيًا باللوم على "ضغوط علماء البيئة" بعد حادث فوكوشيما النووي في اليابان عام 2011، لكن أيضًا ظهور "رواسب غنية بشكل خاص" من اليورانيوم في كندا لتسبب في كساد السوق.
ويمكن العثور على مثال ملموس لمشاكل النيجر في منجمها الشاسع في إيمورارين، والذي قال الخبراء إنه سينتج 5000 طن من الخام لمدة 35 عامًا، لكنه مغلق منذ 2014.
وقالت شركة التعدين الفرنسية أورانو، التي لديها رخصة تشغيل، على موقعها على الإنترنت: "التعدين في إيمورارين، التي تعد واحدة من أكبر رواسب اليورانيوم في العالم، سيبدأ بمجرد أن تسمح ظروف السوق بذلك".
وشركة "أورانو"، المعروفة سابقًا باسم أريفا، لديها شركتان تابعتان في النيجر.
كانت الأسعار مؤخرًا في مسار تصاعدي خلال العامين الماضيين، عند حوالي 50 دولارًا للرطل (نصف كيلو)، وه ضعف الأسعار التي كانت عليها قبل ست سنوات، على الرغم من أنها لا تزال بعيدة جدًا عن الرقم القياسي البالغ 140 دولارًا للرطل، والذي وصلت إليه عام 2007.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأت شركة Global Atomic Corporation الكندية البداية الرمزية لاستخراج اليورانيوم في موقع يبعد حوالي 100 كيلومتر (60 ميلاً) جنوب أرليت. وتعهدت باستثمار 121 مليار فرنك أفريقي (حوالي 185 مليون دولار) هناك خلال العام الحالي.
وفي تصريح له بث قبل عامين، قال الرئيس النيجري محمد بازوم: "يورانيوم (النيجر) ... مفتوح لمن لديهم القدرة التكنولوجية لاستغلاله".
قال علي إدريسا، منسق ائتلاف من مجموعات الحملات يسمى شبكة المنظمات النيجرية لشفافية الميزانية وتحليلها: "لا توجد شراكة رابحة. لم تستفد النيجر من تعدين اليورانيوم".
وقال الخبير النيجيري تشيروما إيسامي مامادو إن اليورانيوم "جلب لنا الخراب فقط ... وذهبت كل الأرباح إلى فرنسا". وفي عام 2020، ساهم التعدين بنسبة 1.2 في المائة من الميزانية الوطنية.
مخاطر متنامية
لم تتوقف معاناة النيجر عند الانقلابات؛ فالدولة الحبيسة تجابه تحديات متعلقة بتمدد النفوذ الإرهابي من دول الجوار، علاوة على الاشتباكات الدامية بين جماعتي "داعش" و"بوكو حرام". وأجبرت المعارك الدامية الفارين على مغادرة غابة سامبيسا في نيجيريا، للوصول إلى النيجر.
وعلى إثر المعارك الطاحنة الدائرة بين الطرفين، فر أتباع بوكو حرام إلى النيجر؛ هرباً من القتال مع خصومهم من تنظيم داعش في غرب أفريقيا، الأكثر قوة وتسليحاً.
ومد تنظيم داعش في غرب أفريقيا نطاق عملياته من شمال شرقي نيجيريا، إلى مدن ومواقع عسكرية مهمة، في منطقة ديفا، جنوب شرقي النيجر، مما تسبب في معضلات أمنية وإنسانية كبيرة.
وتلقى الجيش النيجري تدريبات ودعما لوجستيا من الولايات المتحدة وفرنسا، علما بأن للدولتين قواعد عسكرية في البلاد.
كما تعد النيجر مركزا للعمليات الفرنسية لمكافحة الإرهابيين في الساحل، والتي أعيد النظر فيها بعدما انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو إثر الخلافات السياسية مع البلدين.
aXA6IDMuMTM1LjE5NC4xMzgg جزيرة ام اند امز