النيجر.. الباب "الذهبي والنووي" للعالم في مهب الريح
امتدت ألسنة الصراعات السياسية التي تشهدها عدة دول أفريقية إلى النيجر لتعصف بآمال الاستقرار السياسي الذي يمهد لأي تحسن اقتصادي محتمل.
والنيجر التي يقوم اقتصادها على المحاصيل الموسمية والثروة الحيوانية، تمتلك أيضا واحدا من أكبر احتياطيات العالم من اليورانيوم ومع ذلك، أدت مشكلات بيئية مثل الجفاف والتصحر بالإضافة إلى الزيادة السكانية المطردة والتي بلغت 2.9% علاوة على قلة الطلب العالمي لليورانيوم، إلى تراجع عجلة التنمية الاقتصادية بالبلاد.
وتشارك النيجر 11 دولة أفريقية أخرى من دول وسط وغرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية نفس العملة وهي "فرنك س ف ا" والمعروف باسم فرنك مجلس النقد الإفريقي. كما تشارك النيجر سبع دول من أعضاء المجلس النقدي لدول غرب أفريقيا والمعروف حاليا بـ"التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا" في بنك مركزي واحد وهو البنك المركزي لدول غرب أفريقيا ومقره داكار بالسنغال.
وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2000 تأهلت النيجر لبرنامج خفض الديون للدول المدينة الأشد فقرا في العالم والتابع لصندوق النقد الدولي، كما تم إبرام اتفاقية لخفض معدلات الفقر وزيادة معدلات النمو. وأدت مبادرة خفض الديون لتوفير الأموال اللازمة للإنفاق على الخدمات الصحية الأساسية والتعليم الأساسي ومكافحة الإيدز والحد من انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة ومشروعات البنية التحتية بالمناطق النائية وبعض البرامج الأخرى للحد من انتشار الفقر بالبلاد.
وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 2005، أعلن صندوق النقد الدولي عن رفع الديون عن النيجر بنسبة 100% مما يعني تنازل الصندوق عن 86 مليون دولار أمريكي من مستحقاته لدى حكومة النيجر وهو نفس العام الذي واجه فيه قرابة 2.5 مليون فرد من شعب النيجر مجاعة قاسية نتيجة الجفاف وهجوم أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية. وتعتمد النيجر في توفير 50% من ميزانيتها على معونات الدول المانحة.
معادن نفيسة
مع نهاية حمى جمع اليورانيوم في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي تراجعت الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد. وتمتلك شركة تنقيب فرنسية حق تشغيل اثنين من أكثر مناجم النيجر إنتاجا وهما: منجم سومير المكشوف ومنجم كوميناك تحت الأرض، وقد تمت أعمال الحفر والتنقيب باستثمارات فرنسية. ومع بداية عام 2007 قامت النيجر بإصدار العديد من تراخيص الحفر والتنقيب عن اليورانيوم للعديد من الشركات العالمية غير الفرنسية، خاصة من كندا وأستراليا للتنقيب عن احتياطيات جديدة.
وإلى جانب اليورانيوم، أشارت العديد من التقارير عن وجود كميات كبيرة من احتياطيات الذهب موجودة بين نهر النيجر والمنطقة الحدودية المتاخمة لبوركينا فاسو. وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2004، أعلن الرئيس تانجي رسميا عن افتتاح منجم الذهب بهضبة سميرة بمقاطعة تيرا وقدمت له أول سبيكة ذهبية تنتجها النيجر. وقد مثلت هذه اللحظة نقطة تاريخية في تاريخ النيجر المعاصر حيث يعتبر منجم هضبة سميرة هو أول منجم للكشف عن الذهب وإنتاجه وتصديره في النيجر.
ويمتلك المنجم شركة ليبتاكو للتعدين وهي شركة مغربية كندية نيجرية مشتركة يمتلك الطرفان المغربي والكندي 80% من الشركة مناصفة في حين تمتلك حكومة النيجر 20% من الشركة. وبلغ إنتاج المنجم في العام الأول 135 ألف أوقية بسعر 177 دولارا للأوقية. ويتوقع خبراء أيضا العثور على احتياطات أخرى في المنطقة التي أطلق عليها حزام الذهب والواقعة بين مدينتي جوثاي وعولام في الجنوب الغربي للبلاد.
كما تم الكشف عن احتياطيات من الفحم عالي الجودة في جنوب وغرب البلاد. وتمتلك النيجر أيضا احتياطيات نفطية كبيرة. ففي عام 1992 تم منح حق استخراج النفط من منطقة هضاب دجادو لشركة هانت أويل الأمريكية، كما تم منح حق التنقيب في صحراء تينيري لشركة النفط الوطنية الصينية كما تم منح حق الكشف والتنقيب بمنطقة أجاديم الواقعة في ديفا شمال بحيرة تشاد لشركتي إكسون موبيل وبيترونز الأمريكيتين إلا أن التنقيب لم يتخط َ المراحل الكشفية.
وفي عام 2008، أعطت الحكومة النيجرية حق الانتفاع بمنطقة أوجاديم لشركة النفط الوطنية الصينية وذلك مقابل 5 مليارات من الدولارات الأمريكية. وتمتلك النيجر احتياطيات من النفط تقدر بنحو 324 مليون برميل تم الكشف عنهم وبانتظار الكشف عن احتياطيات جديدة بصحراء تينيري بجوار واحة بيلما.
ومن المتوقع أن تحقق النيجر نموا اقتصاديا من خلال زيادة أعمال التنقيب عن البترول والذهب والفحم بخلاف المعادن الأخرى. كما ساعدت عودة أسعار اليورانيوم في السنوات الخمسة الأخيرة إلى معدلاتها السابقة على دفع عجلة التنمية الاقتصادية قليلا بالدولة.
تداعيات اقتصادية
لكن الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد في اليومين الأخيرين قد يكون لهما تداعيات اقتصادية مهمة.
هذا ما خلص له تقرير نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وكتبه الباحث أحمد عسكر. وقال عسكر في تقريره إن النيجر تحتل مكانة استراتيجية مهمة لدى الغرب وبخاصة فرنسا، كونها تعد حليفًا مهمًا وحاسمًا في مجال الحرب على الإرهاب وكذلك مكافحة الهجرة غير الشرعية. وبالتالي يشكل استقرارها أمرًا حيويًّا للأمن الإقليمي وحماية للمصالح الغربية الاستراتيجية في الساحل.
وكان الرئيس بازوم هو الحليف الوحيد للغرب لاحتواء التهديدات الأمنية والإرهابية والتصدي للنفوذ الروسي في المنطقة. وفي مقابل هذا الدور كانت البلاد تتلقى سلسلة من الموارد والمساعدات العسكرية والإنمائية بشكل موسع من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية.
فقد أنفقت واشنطن نحو 500 مليون دولار منذ عام 2012 لمساعدة نيامي كما أعلن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، خلال زيارته للنيجر في مارس/آذار الماضي عن تقديم مساعدات إنسانية بقيمة 150 مليون دولار لدول المنطقة بما في ذلك نيامي. كما أعلنت ألمانيا في أبريل/نيسان 2023 دعمها لتحسين كفاءة وقدرات الجيش النيجري في البلاد. فيما تعهد الاتحاد الأوروبي في عام 2022 بتقديم حوالي 1.3 مليار دولار لتحويل اقتصاد النيجر بعيدًا عن النفط.
وتعتمد فرنسا على النيجر في الحصول على 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية في توليد 70% من الكهرباء.
تجارة الذهب
ومن ناحية أخرى، فإن عدم الاستقرار السياسي قد يعقد الجهود المبذولة لمكافحة عمليات التعدين الأهلي عن الذهب.
وفي الحقيقة، فإن تجارة الذهب تمثل إشكالية لدى المجتمعات المنتجة لهذا المعدن الأصفر في غرب أفريقيا بالتحديد. فبعد أن كان المعدن النفيس سببا لتهافت الجماعات المتصارعة من أجل إيجاد تمويل لصراعاتها، بات سببا كافيا للصراع في ذاته. فالجماعات المختلفة تسعى للسيطرة على هذا المعدن والتحكم في تجارته بغض النظر عن وصولها لأي مكاسب سياسية أخرى.
ومن المعروف أن منطقة Liptako-Gourma التي تغطي منطقة الحدود الثلاثية لمالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي منتجة للذهب، تقع في قلب صراع مستمر وتشهد مستويات عالية من الهشاشة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الفساد وضعف التنمية الاقتصادية والإحباط من الدولة وتفاقم النزاعات المجتمعية وهي ظروف تمثل وضعًا مثاليًا للجماعات المتطرفة للنمو وتجنيد أعضاء جدد.
وقال تقرير بعنوان "ما وراء الدم.. نزاعات الذهب والجريمة في غرب أفريقيا"، نشرته "المبادرة العالمية ضد الجريمة المنظمة وعابرة الحدود" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنه في فبراير/شباط 2017، أغلقت حكومة النيجر حقول الذهب في هضبة دجادو بدعوى مخاوف أمنية. وكان الموقع وقت إغلاقه، يعد أكبر موقع حرفي في حقول الذهب في البلاد، وكان يوفر سبل العيش لعشرات الآلاف من عمال المناجم في المناطق المجاورة.
وجاء الإغلاق بالتوازي مع حملة على تهريب البشر - مصدر رئيسي آخر لسبل العيش هناك، وهي أمور كان لها تأثير كبير مزعزع للاستقرار في المنطقة. فقد غذى كلا الحدثين المظالم داخل مجتمعات التابو والطوارق، وأوجد حافزًا لعدد من الأفراد للانخراط في نشاط إجرامي، ولا سيما قطع الطرق. وكل ذلك يضغط على الاستقرار المجتمعي اللازم للتنمية الاقتصادية.
aXA6IDMuMTQ4LjEwOC4xNDQg جزيرة ام اند امز