"إيكواس" و"الزحف" إلى النيجر.. "العين الإخبارية" تكشف أبعاد التدخل العسكري
قرر قادة جيوش "إيكواس"، تحديد يوم الزحف إلى النيجر، لاستعادة النظام الديمقراطي مع إصرار العسكريين على عدم تسليم السلطة.
القرار جاء بعد اجتماع استمر ليومين لقادة جيوش المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" بالعاصمة الغانية أكرا، حيث خرج المجتمعون ببيان يتحدث بلغة عالية من التصعيد، ولكنه في الأخير ما زال في خانة التهديد، لم يستطع إعلان اليوم المحدد للتدخل العسكري في النيجر.
وبحسب محللين فإن البيان التصعيدي الجديد يعطي انطباعا بأن دول "إيكواس" ليست مستعدة لمثل هذه الحرب المفتوحة، ولكنها تحاول حفظ ماء الوجه، علّ قادة المجلس العسكري في النيجر يتراجعون، خشية تعرض بلدانهم لمثل هذه الانقلابات.
فتح باب الدبلوماسية
مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بـ"إيكواس" أعلن أن اتخاذ قرار التدخل العسكري بالنيجر قائلا: "اتفقنا بالفعل على الإجراءات المطلوبة لأي تدخل في النيجر، وحددنا يوما، لكننا لن نعلنه، جاهزون عند إعطاء الأوامر".
وشدد المسؤول الأفريقي على أن "الخيار العسكري ليس خيارنا المفضل، لكننا مضطرون، لذلك بسبب تعنت المجلس العسكري في النيجر"، منوها بأن "أي تدخل في النيجر سيكون قصير الأجل ويهدف لاستعادة النظام الدستوري".
وترك المسؤول الأفريقي باب الدبلوماسية مفتوحا، قائلا إن "مجموعة إيكواس لا تزال تسعى للتعامل مع المجلس العسكري بشكل سلمي، وفي الوقت الذي نتحدث فيه، ما زلنا نجهز بعثة وساطة لإرسالها للبلاد، لذلك لم نغلق أي باب".
ويبدو من بيان "إيكواس" أن قرار الانتشار العسكري في النيجر ليس بالقرار السهل، ورغم حدة لغة البيان فإن إعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية والسياسية تؤكد أن الأمور على الأرض ليست بالسهولة التي رفعت فيها المجموعة الأفريقية لهجتها منذ البداية.
ويرى الخبراء أن هذه اللهجة الحادة تقف خلفها فرنسا؛ بيد أن الخلافات بين دول المجموعة حول القرار وعدم استعداد وتراجع الجيوش القوية عن الخيار العسكري حال -وربما يحول لفترة أطول- دون تنفيذه على أرض الواقع.
التراجع مستحيل
اللواء محمد عبدالواحد، الخبير المصري الأمني والعسكري، يرى أن هذا البيان به نوع من التصعيد مقارنة بالبيان السابق؛ فحدة بيان اليوم تعكس أن "إيكواس" مصممة على رجوع الشرعية وعودة الرئيس محمد بازوم، مؤكدا أن هذا مستحيل، وأن المجلس العسكري بالنيجر سيستخدم الرئيس المخلوع "بطاقة تفاوض" في مقابل صفقة للاعتراف بشرعيتهم.
وأوضح الخبير المصري لـ"العين الإخبارية"، أنه من الصعوبة إتمام عملية عسكرية يمكن أن تدهور الأوضاع بالمنطقة، قائلا إن "هناك إرهابا متربصا لحدوث مثل هذه الفوضى لمزيد من التمدد، علاوة على أن دول إيكواس غير مستقرة، وأنهم يعتمدون على نيجيريا في هذه الحرب، ولكنها تراجعت لوجود مشاكل داخلية وإرهاب داخلي بها".
وتابع أن غانا هي الأخرى غير قادرة على أي عمل عسكري؛ مستدركا في الوقت نفسه أن دول غرب أفريقيا متحمسة لعدم تكرار تجربة الانقلابات لديها، مشيرا إلى أن الموقف المتشدد من إيكواس يرجع إلى دافع قوي من فرنسا، بسبب خروجها من المنطقة التي تسيطر عليها منذ 150 عاما.
الخبير المصري أضاف أن "خروج فرنسا غير مشرف الآن، مع إعلاء شعارات من الدول الأفريقية خاصة شعوب غرب المنطقة، بأن القارة بدون فرنسا أفضل، مضيفا أن فكرة تراجع الانقلابيين صعبة جدا.
أسئلة معلقة
وبيّن الخبير المصري أن دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا لم تحدد حتى الآن شكل العملية المتوقعة بنشر قوات في النيجر، وهل التدخل سيكون "حربا أم هي عملية نوعية بقوات خاصة، وما هو موعدها ومن سيمولها وما هي تكلفتها؟"، مضيفا أن فرنسا هي التي يمكنها أن تفعل مثل هذه العملية النوعية عن طريق قواتها بالمنطقة، عبر عملية استخباراتية، ولكنها قد تؤدي إلى مخاطر، مستبعدا مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هذا سيصعب من حدوثها على أرض الواقع.
السلم خير
الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، الخبير في الشؤون السياسية، يتفق مع عبدالواحد في الرأي، مؤكدا أن الخيار السلمي هو الأفضل على الطاولة حتى الآن.
واستبعد عبدالمهيمن لـ"العين الإخبارية" الخيار العسكري إلا في حال وجود دعم فرنسي أو أمريكي، مضيفا أن "الولايات المتحدة لا تشجع التدخل العسكري، ولذلك سيكون صعبا"، مضيفا أن "هناك حراكا شعبيا كبيرا مساندا للمجلس العسكري، وأن الشعب يعقد آمالا كبيرة على قادة المجلس العسكري لتخليصهم من النفوذ الفرنسي".
وتابع أن "الشباب النيجري مستعد لمواجهة أي تدخل في بلادهم، واليوم في الملعب الكبير بالعاصمة تم تسجيل أعداد كبيرة من الشباب للدفاع عن الوطن"، لافتا إلى أن "حدة اللهجة التي جاءت في البيان جاءت كرد فعل للخطوات التي يتخذها المجلس العسكري، وآخرها اتهام بازوم بالخيانة العظمى".
ونوه الخبير المصري إلى أن "التدخل الفرنسي سيزيد الأمور تعقيدا، وسيؤدي إلى أضرار داخل النيجر، وستكون له انعكاسات على دول الجوار وسيزيد من التمرد والإرهاب بالمنطقة".
غطاء للعملية
ويبقى أن أي تدخل عسكري في النيجر في الوقت الراهن سيزيد من زعزعة استقرار منطقة الساحل الفقيرة في غرب أفريقيا، التي تحوض معارك منذ ما يقرب من عقد مع حركات تطرف إرهابية، وأن المعطيات على الأرض تؤكد أنها حرب ستكون مفتوحة، ولن تساندها دول عظمى تحاول الحفاظ على مصالحها كأمريكا وروسيا، في وقت تحتاج فيه مثل هذه العملية العسكرية غطاء من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وهذا غير متوفر حتى اللحظة.