انتخابات نيجيريا.. ارتباكات واحتقانات واختبار صعب
النيجيريون توجهوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم للرئاسة من بين 72 مرشحا، يتقدمهم الرئيس الحالي محمد بخاري.
توجه النيجيريون، السبت، إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم للرئاسة من بين 72 مرشحا، يتقدمهم الرئيس الحالي محمد بخاري مرشح حزب "مؤتمر كل التقدميين"، ومنافسه الرئيسي أبوبكر عتيق نائب الرئيس الأسبق ورجل الأعمال مرشح "الحزب الشعبي الديمقراطي".
- بالصور.. إقبال كثيف مع انطلاق السباق الرئاسي في نيجيريا
- سماع دوي انفجارات شمال شرقي نيجيريا قبل بدء الانتخابات الرئاسية
كما ينتخب النيجيريون أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 360 نائبا، وأعضاء مجلس الشيوخ الـ109.
وجاءت هذة الانتخابات عد أسبوع من التأجيل المفاجئ، بلا سابق إنذار، بقرار من اللجنة الوطنية، الأمر الذي أحدث ارتباكا واحتقانا شديدين في الدوائر الشعبية والرسمية، في مشهد يعكس حجم الاستقطاب والتعبئة والتوتر بين أنصار المرشحين.
شكوك حول اللجنة الانتخابية
وأدان الحزبان الرئيسان في نيجيريا بشدّة قرار مفوضية الانتخابات إرجاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي كان مفترضا أن يتواجها فيها، رئيس لجنة الانتخابات برر قرار التأجيل ببطء عملية تزويد مراكز الاقتراع بالمواد الانتخابية، وهو ما اعتبرته أطراف عديدة أنه سبب غير مقنع، حيث إن تلك الانتخابات كان قد أعلن عنها قبل شهور.
ووصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين الطرفين، إذ طالب حزب "مؤتمر التقدميّين" الحاكم المفوّضيةَ بالتزام "الحياد"، معربا عن "خيبة أمله العميقة" من قرارها، كما ندّد مرشح المعارضة أبوبكر عتيق بالقرار "الاستفزازي"، داعيا أنصاره إلى التزام الهدوء.
كما أدى تأجيل الانتخابات إلى هز ثقة المستثمرين، وهو ما ظهر جليا في تصريحات روبرت أوموتوندي، رئيس وحدة أبحاث الاستثمار في شركة أفري إنفيست ومقرها لاجوس، حين قال: "في الوقت الراهن، سيتخذ المستثمرون جانب الحذر، وسينتظرون لمعرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت لتأجيل الانتخابات في منتصف الليل.
وأضاف روبرت أوموتوندي أنه إذا أشارت النتائج لوجود تلاعب في العملية، فحينئذ من المتوقع حدوث رد فعل سلبي.
مراقبون رجحوا عدم استفادة حملة بخاري من التأجيل الذي أعلنته اللجنة الانتخابية قبل أسبوع لأسباب لوجيستية، إذ إن التأجيل قد يقلل من حماس الناخبين في مناطق يحتاج فيها بخاري لمشاركة كبيرة من أجل الفوز، حيث يسافر الملايين من النيجيريين إلى مسقط رأسهم للإدلاء بأصواتهم، وقد لا يتمكن العديد منهم من القيام بذلك مرة أخرى الأسبوع المقبل.
كما ترافقت الانتخابات مع تفجيرات إرهابية في ولاية مايدوجوري في شمال شرق البلاد، التي تعد أحد معاقل جماعة بوكو حرام الإرهابية، وهو ما يعكس التحدي الأمني الهائل وحجم المشكلات والتعقيدات الهائلة التي تواجهها نيجيريا.
ورغم ذلك ما زال النيجيريون متمسكين بخيار التداول السلمي للسلطة، ومصرين على المضي قدما في الخيار الديمقراطي، ولعل ذلك يكون الإنجاز الأكبر في نيجيريا، الذي يعطي شيئا من الأمل في هذا البلد الذي شهد العديد من الانقلابات العسكرية، التي عطلت مساره التنموي واستقراره، وأدت إلى العديد من الاضطرابات.
كما يظل رهان الانتخابات مهما جدا لاستقرار نيجيريا، ودول الإقليم المحيط بها في غرب أفريقيا.
وشهدت نيجيريا التي نالت استقلالها عام 1963، 6 انقلابات عسكرية ناجحة، بدأ أولها في عام 1966، وأعقبته الحرب الأهلية التي استمرت من عام 1966 حتى عام 1970، وخاض النيجيريون نضالا طويلا للمطالبة بالديمقراطية، إلى أن تحققت بوادرها في انتخابات 1999، التي نقلت الحكم العسكري إلى مدني، مما حقق نوعا من الاستقرار السياسي.
ولعل شراء الأصوات في الانتخابات يظل أكبر مهدد لعملية ديمقراطية سليمة في العملاق الأفريقي نيجيريا، البلد الأكبر سكانا وموارد وأهمية في أفريقيا، وهو يعكس إلى حد كبير ما تعانيه نيجيريا من مشكلات معقدة، وما يخيم عليها من مظاهر فساد متجذر، وأمراض اجتماعية ولدت تخلفاً وتطرفاً وإرهاباً وفقراً.
فنيجيريا صاحبة أكبر سكان واقتصاد في أفريقيا بحسب صندوق النقد الدولي، التي تحتل المركز الـ12 في إنتاج البترول عالميا، ما زال هناك 87 مليون من مواطنيها يرزحون تحت خط الفقر من بين 190 مليونا هم عدد سكانها، و٣٢% من سكانها يعانون من البطالة، ونسبة النمو بها ١،٩%، وهذا يجعل الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة اللذين يفخر كثير من النيجيريين بهما في مهب مخاطر كبيرة.
كما يستنزف الفساد مليارات الدولارات سنويا من موارد نيجيريا، وكان الرئيس محمد بخاري الذي تولى مقاليد السلطة في مايو ٢٠١٥ قد أعلن وعودا قوية بمكافحة الفساد المتفشي، وذكر أن مسؤولين اختلسوا ١٥٠ مليار دولار من الخزينة العامة خلال ١٠ سنوات. وسعى بخاري خلال فترة رئاسته لإقرار إجراءات لمنع الاختلاس وتحسين الشفافية والقضاء على الفساد.
وأصبح للفساد آثار مضاعفة في نيجيريا، حيث أكد تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، عام ٢٠١٦ أهمية ردع الفساد في البلد الأفريقي الذي تتسرب منه مليارات الدولارات سنويا بشكل غير قانوني من الخزينة العامة للدولة، بما يعرقل جهود الدولة في مواجهة جماعة "بوكو حرام" الإرهابية، التي تسببت هجماتها البشعة في مقتل حوالي ٢٠ ألف وخطف العديدين ونزوح حوالي مليوني شخص في المناطق الشمالية الشرقية من نيجيريا.
ندرة المياه تمثل أيضا مشكلة كبرى أمام المرشحين، حيث تزايد معدل التصحر في اتجاه جنوب البلاد بمعدل 600 متر في العام، وتواجه المناطق الريفية مشكلات مياه أكثر حدة من المدن.
احتدام المنافسة بين المرشحين
وتجرى الانتخابات الرئاسية هذه المرة في ظل تنافس حاد بين كل من بخاري وعتيق، وفي ظل تراشق واستقطاب بين معسكريهما، حيث يؤكد عتيق أن بخاري فشل في حل المشكلات الاقتصادية والتغلب على انقطاع الكهرباء ونقص إمدادات الوقود وإنهاء التهديدات الأمنية لبوكو حرام، كما يعد الوضع الصحي لبخاري أحد التحديات فالرئيس النيجري"76 عاماً" اضطر للغياب لشهور طويلة بسبب تلقيه العلاج.
ويرى أنصار بخاري أنه أضعف التمرد في دلتا النيجر، وحاصر بوكو حرام، وتحسنت في عهده المؤشرات الاقتصادية بدءا من عام ٢٠١٧، وأنه حاول التضييق على الاستيراد وإطلاق برنامج للقروض الصغيرة، وإطلاق ثورة خضراء لتنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاع الزراعي. كما يروا أن الحزب الشعبي الديمقراطي دفع بعتيق المنحدر من الشمال المسلم لتفتيت الأصوات المؤيدة لبخاري.
أما عتيق"72 عاماً" فينظر له قطاع كبير من الناخبين النيجيريين بنوع من التوجس لتوجهه كرجل أعمال ثري مهتم بإدخال السياسات الليبرالية، فضلا عن تهم الفساد وعدم الكفاءة التي لاحقت حزبه ولاحقته هو شخصيا بتهمة استخدام الأموال العامة أثناء توليه منصب نائب الرئيس خلال حكم الرئيس أولوسيغون أوباسانجو بين عامي 1999 و2007، إلا أنّه لم يتعرض لأي تحقيق، ودافع عن نفسه قائلا: "أتحدى أي شخص في أي وقت لإظهار دليل على الفساد ضدي.. سأفاجئ الجميع في مكافحة الفساد أكثر من أي وقت مضى".
ويفترض أن يحصل الفائز على أصوات أغلبية الناخبين أي أكثر من ٥٠%، إلى جانب ٢٥% من الأصوات في ثلثي ولايات نيجيريا البالغ عددها ٣٦، إضافة إلى العاصمة أبوجا.
ويبقى أن العديد من النخب النيجيرية تفخر بالانتخابات كآلية للتداول السلمي للسلطة، وتستميت في الدفاع عنها رغم إدراكها أنها ليست سوى نموذج أفريقي للديمقراطية، ما زال يواجه مشكلات كبيرة، ولكنه رغم ذلك يظل المخرج الأكثر أمنا في بلاد تحيط بها تعقيدات كبيرة، وخطوة على طريق طويل للتطور.