السؤال الذي يطرحه السياق: لماذا الغرب لا يتعامل مع هذه الدولة الإمبريالية الكهنوتية بالطريقة نفسها، الذي أسقط به الاتحاد السوفييتي؟
لا أعتقد أن الغرب عموماً، وأوروبا على وجه الخصوص، كانوا جادين بما فيه الكفاية في دعم الانتفاضة الإيرانية الأخيرة. فلدى الغرب من الأساليب والطرق ما هي أقوى من التدخل العسكري، لو أنهم فعّلوه، لتحول نظام الملالي إلى أثر بعد عين. الاتحاد السوفييتي - مثلاً - سقط واندثر، دونما تدخل عسكري؛ فقد كان سقوطه بدعم ومساندة من الغربيين من خلال استغلال مكونات الاتحاد السوفييتي، وتحريض هذه المكونات على التمرد، وتشجيع الروح الانفصالية، مما كان له أبلغ الأثر في تفكك تلك الإمبراطورية؛ كما كان لمحاصرة السوفييت اقتصادياً، وإعلامياً، وكذلك جرّه إلى الدخول في سباق للتسلح، ما أنهكه اقتصادياً، مما أدى بهذه الدولة التي كانت يوماً ما ملء العين والبصر إلى الانهيار في نهاية المطاف.
والسؤال الذي يطرحه السياق: لماذا الغرب لا يتعامل مع هذه الدولة الإمبريالية الكهنوتية بالطريقة نفسها، والسلاح ذاته، الذي أسقط به الاتحاد السوفييتي؟
في تقديري، أن الأوربيين ليسوا جادين في التخلص من دولة الملالي في إيران، فلم يكن من أهدافهم على ما يبدو إسقاط هذه الدولة المقبلة من تلافيف القرون الوسطى؛ فهم يريدون أن يبقوها ولكن دونما أنياب ومخالب نووية، لأن امتلاكها للسلاح النووي، قد يحولها إلى دولة مزعجة لهم مثلما كوريا الشمالية مزعجة لكوريا الجنوبية واليابان وأمريكا، إلا ان إسقاطها تماماً سيحرمهم من أرض خصبة للاستثمار الاقتصادي، وتحويلها إلى بقرة حلوب للغرب، خاصة أن إيران تملك من النفط والغاز، ناهيك عن الموارد الاقتصادية الأخرى، ما يسيل له لعاب تاجر البندقية، رمز الجشع والاستغلال في الذهنية الأوروبية، رغم ادعاءتهم التي يبدونها بين الفينة والأخرى بأنهم يهتمون بحقوق الإنسان، إلا أنهم يهتمون بحقوق الإنسان على مستوى الإعلام فقط.
الأوروبيون ليسوا جادين في التخلص من دولة الملالي في إيران، فلم يكن من أهدافهم على ما يبدو إسقاط هذه الدولة المقبلة من تلافيف القرون الوسطى؛ فهم يريدون أن يبقوها ولكن دونما أنياب ومخالب نووية، لأن امتلاكها للسلاح النووي، قد يحولها إلى دولة مزعجة لهم مثلما كوريا الشمالية
إيران بمكوناتها القومية وطوائفها وإثنياتها، معرّضة دائماً للتفكك على النمط اليوغسلافي، وبالتالي غيابها كتكوين جغرافي مُتغول يُخيف دول المنطقة، فهم لا يحفلون كثيراً بالقيم والمبادئ، إذا كان الأمر يتعلق بمصالحهم الاقتصادية.
الأمريكيون، ربما يختلفون قليلاً عن الأوروبيين، فهم يهتمون في أحايين كثيرة بقضايا جيو سياسية وإستراتيجية، قد تعيد الإغراء الاقتصادي إلى الوراء قليلاً، إلا أنهم لا يذهبون كثيراً في هذا التوجه، طالما لم يتعرض أمنهم القومي والاقتصادي للخطر الفعلي.
لكل ذلك أقول مباشرة ودون مواربة: ما حك جلدك مثل ظفرك، فليس أمامنا إلا مواجهة هذا الخطر الجاثم على حدود العالم العربي الشرقية، والتصدي له مهما كانت التكاليف، والاعتماد بدرجة أكبر على أنفسنا، وجهودنا، واستثمار كل ما من شأنه نقاط ضعف في النسيج الإيراني (الهش)، والمكون من طوائف وقوميات بالإمكان تحريكها لينشغل الملالي بالداخل عن الخارج، وأنا على يقين، أن لدينا من الوسائل والإمكانات المالية والإعلامية، ما يجعلنا نضرب دولة الملالي في الصميم، كما أن إيران القائمة - وهذا ما أثبتته الانتفاضة الأخيرة- ان لديها معارضة قوية في الداخل، يُمكن أن تكون - فيما لو دُعمت إعلامياً ومالياً - أن تضطلع بالمهمة، أو على الأقل إشغالها بنفسها، فقد أثبت التاريخ أن خير وسيلة للدفاع الهجوم.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة