الدوائر الأميركية المتشددة مع إيران غيّرت من رأيها في شأن عدم تعليق العقوبات الاقتصادية، تماشياً مع الاحتجاجات التي تشهدها إيران
إذاً هي «المرة الأخيرة» التي تعلّق الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران في إطار الاتفاق النووي، بعد أن طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ«اتفاق» مع الأوروبيين لـ«معالجة الثغرات الرهيبة» الموجودة في اتفاق عام 2015 حول البرنامج النووي الإيراني، ملوّحاً باحتمال انسحاب بلاده منه. ترامب في الوقت الذي حافظ على شعرة معاوية في علاقاته مع أوروبا رمى بالكرة في ملعبها، مشترطاً أنه إذا كان هناك تفاوض جديد للاتفاق النووي فسيكون معهم وليس مع طهران، وهي مهمة بالغة التعقيد ما دام الأوروبيون يعتبرون الاتفاق كتاباً مقدساً لا يحتمل التغيير ولا التعديل، فدول الاتحاد الأوروبي استثمرت كمّاً هائلاً من رأس المال المادي والسياسي والدبلوماسي في الاتفاق النووي، وهي تقاتل للحفاظ عليه حتى لو كانت فيه ثقوب أكبر من أن تُسد، أما ترامب فيصرّ على أنه اتفاق سيئ ولن ينتظر أكثر عندما يحل موعد تجديد العقوبات المرة القادمة.
الدوائر الأميركية المتشددة مع إيران غيّرت من رأيها في شأن عدم تعليق العقوبات الاقتصادية، تماشياً مع الاحتجاجات التي تشهدها إيران، فبمجرد فرض أي نوع من العقوبات ستستغل السلطات ذلك وتسوّقه للشعب الإيراني بأن ذلك «مؤامرة» أميركية، وتنصح هذه الدوائر حكومة بلادها بعدم إقرار العقوبات في هذا التوقيت تحديداً خوفاً من تشويهها من خلال ربطها بتدخل قوى خارجية، حيث ستكون فرصة للنظام، الذي بالتأكيد سيسعى إلى وصف المتظاهرين بالعملاء الخارجيين، فإذا أعادت واشنطن فرض عقوبات مرتبطة بالأسلحة النووية، فهي بذلك تتيح للنظام الإيراني تحويل الاستياء الشعبي من الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي إلى استياء ضد الولايات المتحدة.
إذا ما أرادت لندن وباريس وبرلين فعلاً حماية الاتفاق النووي، فعليها أن تبذل ضغوطاً أكبر على إيران لسد الثغرات الكبرى في الاتفاق، أما البقاء في خانة أن الاتفاق وُقّع 2015 ليبقى عشر سنوات قادمة فهذا احتمال ضعيف جداً، ومعادلة "المرة الأخيرة" تنسف أي آمال تضعها أوروبا لاستكمال الاتفاق دون تعديلات
القرارات الأميركية الأخيرة، بتعليق العقوبات الاقتصادية من جهة وفرض عقوبات جديدة من جهة أخرى، رسالة أميركية لإيران مفادها أن واشنطن مستمرة في الضغط لمواجهة أنشطة طهران التي تهدد الاستقرار في المنطقة، وأن عبارة «المرة الأخيرة» تعني أنه لن يكون هناك تمديد قادم لتجميد العقوبات من دون اتفاق مكمل تسعى إليه واشنطن، وإذا ما أرادت لندن وباريس وبرلين فعلاً حماية الاتفاق النووي، فعليها أن تبذل ضغوطاً أكبر على إيران لسد الثغرات الكبرى في الاتفاق، أما البقاء في خانة أن الاتفاق وُقّع 2015 ليبقى عشر سنوات قادمة فهذا احتمال ضعيف جداً، ومعادلة «المرة الأخيرة» تنسف أي آمال تضعها أوروبا لاستكمال الاتفاق دون تعديلات ضرورية ومنتظرة.
خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي حول مظاهرات إيران، الذي عُقد في 5 يناير (كانون الثاني)، وبدلاً من اتخاذ موقف بشأن الاحتجاجات، استغلت فرنسا وألمانيا وبريطانيا الاجتماع للتعبير عن التزامها بالاتفاق النووي، وهو دعم سياسي لم يتوقعه أشد المتفائلين في طهران، وهو ما يشير إلى أن الأوروبيين يقومون بترتيب أولوياتهم لخدمة مصالحهم التجارية، بغض النظر عن الخطر الإيراني على أمن المنطقة واستقرارها، وإلا فمن يتخيل أوروبا تتفاوض نيابة عن إيران، غير أن معادلة «المرة الأخيرة» ستضع الأوروبيين بين خيارين؛ مصالحهم التجارية مع إيران أو مواجهة حليفهم الأميركي.
الخطوة الأميركية الأخيرة المتمثلة في تمديد تجميد العقوبات تزامنت مع فرض عقوبات اقتصادية جديدة، باعتبارها تستهدف مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، ولكنها لا ترتبط تقنياً بالاتفاق النووي الإيراني، وبذلك تكون واشنطن واصلت موقفها المتشدد ضد إيران ولم تعطِ حلفاءها الأوروبيين فرصة لانتقاد الموقف الأميركي، الأكيد لن تكون هناك جزرة قادمة تعرضها واشنطن لإيران، وحدها العصا هي السياسة الباقية لدى الإدارة الأميركية، حتى ولو كان باقي الجزر كله في السلة الأوروبية.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة