النظام القائم في دمشق لايشكّل تهديداً للدول الغربية ولكن ما يؤرق هذه الدول التشكيلات الإرهابية المستوطنة في سوريا.
هي رسالة أكثر من كونها مقالاً صحفياً إلى كلّ الذين قالوا في بداية الأزمة السّورية بأنّهم سيتحالفون مع الشيطان من أجل إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.
هل سألتم أنفسكم يا من سارعتم لإبداء استعدادكم التحالف مع أيّ كان؟ ماذا تعني هذه العبارة للدول التي تعتبون عليها في عدم دعمها لكم سياساً وعسكرياً؟ الجواب لا، لأنّكم لو سألتم ذاتكم هذا السّؤال لما وصلتم إلى هذه الحال التي تصفونها أنتم قبل غيركم بالمهترئة.
ما إنْ سمع المسؤولون الغربيون والأمّنيون منهم على وجه التحديد أصوات بعض المعارضين السّوريين، وإن كان عددهم قليلاً، بأنّهم سيتحالفون مع فصائل بغض النظر عن ولائها لمحاربة القوات السّورية، حتى قرّر هؤلاء وقف كلّ أشكال الدعم عن المعارضة المسلّحة
لعلّها العبارة الأشهر التي رددتها بعض شخصيات المعارضة نتيجة ما قالت عنه مكوّناتها المختلفة حينذاك قمع وظلم النّظام الذي تصفه على الدوم بأنّه "ديكتاتوري واجب إسقاطه".
عبارة كلّفت السّوريين الكثير، ولعلّ المدنيين هم السّواد الأعظم الذي دفع الثمن الأكبر لها، فتحويل حراكهم وانحراف مسار مطالباتهم السّياسية والمجتمعية إلى حرب مع الحكومة ذات طابع ديني بعيد عن توجهاتهم وطموحاتهم ومحاكتها لمشاريع مؤدلجة عابرة لحدود بلدهم، وضع حداً للتغيير المنشود ووسّع الهوة بين اللاعبين على الأرض "أغلب الفصائل العسكرية باستثناء المعتدل منها" والطامحين للتغيير من المثقفين والمعارضين السّياسيين الذين لايحبّذون بالمطلق تكبيد البلاد مزيداً من إراقة الدماء.
فلا أهداف جبهة النّصرة تتقاطع مع بيان "ربيع دمشق"، ولا عقيدة داعش المتطرفة تتماشى مع رؤية هيئة التنسيق الوطنية المعارضة لمستقبل سوريا.
التوصيف هذا لا يعني بالمطلق تبني المعارضة عقيدة هذين التنظيمين المتطرفين، ولكنّ تشارك المعارضة والتنظيمات المتطرفة هدف إسقاط النظام خلط الأوراق، فما عادت الدول الغربية الخائفة والمتهجسة من الإرهاب تفرّق بين من هو معتدل من المعارضة ومن هو متطرف أو أنّها ما عادت تريد الفرز.
النظام القائم في دمشق لا يشكّل تهديداً للدول الغربية حتى وإن بقي سنوات أطول من تلك التي عاشها، الذي يؤرّق الولايات المتحدة وحلفاءها والتي من أجلها شكّلت تحالفا تجاوز عدد أعضائه ستين دولة، هي التنظيمات المتطرفة من النّصرة إلى داعش وغيرهما من الفصائل الصغيرة التي تدور في فلك سلوكهما المتطرف.
هذا هو التهديد الرئيس الذي تُحرّك له الأساطيل وتمخر لأجله البارجات العسكرية عباب المحيطات وتحوم الطائرات "صباح مساء" فوق مناطق وجود عناصر هذه التنظيمات لقتلهم.
في الحقيقة، ما إنْ سمع المسؤولون الغربيون والأمّنيون منهم على وجه التحديد أصوات بعض المعارضين السّوريين وإن كان عددهم قليلاً، بأنّهم سيتحالفون مع فصائل بغض النظر عن ولائها لمحاربة القوات السّورية، حتى قرّر هؤلاء وقف كلّ أشكال الدعم عن المعارضة المسلّحة، وهذا مايفسّر قرار واشنطن الأخير بعدم تدريب المعارضين وعدم تزويدهم بالسّلاح الذي استولت عليه جبهة تحرير الشام "النصرة سابقاً"، منذ بدأت التهام باقي الفصائل التي كانت توصف بالمعتدلة.
ما استعرضناه يقودنا إلى المجريات العسكرية على الأرض في الوقت الراهن، وعلى وجه الخصوص معركة إدلب، ففي قراءة سريعة لما حدث في حلب عام 2016 وربطه بما يجري في إدلب اليوم، نجد أنّ ثمة قاسماً مشتركاً بين الحدثين ولا نخطئ إن قلنا بأنّه خطيئة أخرى ترتكبها المعارضة المعتدلة أو ماتبقى منها، حين تربط مصيرها بمصير تنظيمات مصنّفة دولياً بأنّها إرهابية.
الارتباط الوثيق هذا، سيضع إدلب أمام مصير مشابه لما حدث في حلب بالضرورة، لأن الفصيل الرئيس الذي يسيطر على هذه المدينة هم عناصر "النصرة"، لذلك لن يجد هؤلاء غطاء سياسياً ولا عسكرياً سواء في الداخل "ما تبقى من الفصائل العسكرية المعارضة" ولا من الدول التي على الأكيد لن تغامر إحداها بتصدّر المشهد والدفاع عن إرهابيين، وإن كانت المعلومات تفيد بدخول تركيا على خط إقناع "جبهة النصرة" الاندماج في باقي الفصائل وتجنيب إدلب مصيراً محتّماً كمصير حلب من دون حصول أنقرة على أي نتائج إيجابية في مساعيها هذه.
إذاً، هي سبع سنوات عجاف شهدتها الأزمة السّورية ولاتزال حتى هذ اللحظة من دون تحقيق أي من طرفي الصراع نصراً على الآخر، فلا المعارضة استطاعت إسقاط النظام عسكرياً، ولا الأخير تمكن من دحر معارضيه الذين يصف أغلبهم بالإرهابيين.
القصة في المأساة السّورية لا تكمن في سرد أحداثها، فالقاصي والداني بات يعرف تفاصيل المشهد حتى أنّ الجغرافية السّورية باتت محفوظة في ذهنية القريب والبعيد، الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مثلاً، أصبح يذكر مدينتي الرقة وإدلب أكثر من حديثه عن قانون أوباما الصحي.
وكذلك الرئيس الروسي الحالي فلادمير بوتين، إمتلأت ذاكرة عقله المخابراتي بأسماء شيوخ ووجهاء سوريا وسياسيّها من الجزيرة شرقاً وحلب شمالاً حتى القنيطرة جنوباً، بما يشكّل له قاعدة بيانات لاشكّ سيستثمرها أحفاد بوتين في القادم من الأيام في بلد تعرف روسيا تماماً أكثر من غيرها قيمته المكانية والزمانية.
العبرة في أنّه ورغم كل ما حدث وماخسرته سوريا على الصعيدين البشري والحضاري، ثمة أطراف حتى هذه اللحظة تؤيّد التنظيمات المتطرفة من أجل مشروعها إسقاط النظام دون الأخذ بعين الاعتبار أن الإرهاب تتوحد من أجله الأعداء وإن اختلفت مصالحهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة