شاهدنا جميعاً محاولات الإعلام القطري لتجميل وجه جبهة النصرة عبر اللقاءات والحوارات والقصص الوهمية
يستهل العالم عامه الجديد 2018 بمذبحة إنسانية جديدة على يد النظام السوري وجيشه والمليشيات الإيرانية الموالية، مع انطلاق عملية استعادة السيطرة على محافظة إدلب في شامل سوريا.
ورغم أن المحافظة مشمولة باتفاقية خفض التصعيد المتفق عليها في أستانة بين تركيا وإيران وروسيا، إلا أن موسكو تعتبر أن وجود جبهة النصرة، المُصنفة إرهابية من جميع الأطراف، في تلك المنطقة ذريعة للتدخل العسكري، ذلك أن اتفاق خفض التصعيد يستثني أي فصيل إرهابي وعلى الأخص داعش والنصرة.
شاهدنا جميعاً محاولات الإعلام القطري لتجميل وجه جبهة النصرة عبر اللقاءات والحوارات والقصص الوهمية عن "بطولات" هذه الجبهة؛ التي تحولت بفضل التمويل القطري أيضاً إلى أقوى الفصائل المسلحة في سوريا، لكنها غالباً ما كانت توجه قوتها هذه ضد فصائل المعارضة السورية المعتدلة.
وفي الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي، بدأ الجيش السوري والمليشيات الإيرانية بالتقدم في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي، مدعومين بغطاء جوي روسي، حتى اقتربوا من مطار أبوالضهور العسكري الذي ما زال تحت سيطرة النصرة حتى كتابة هذه السطور، لكن ثمن هذا التقدم كان قتل العشرات من المدنيين في إدلب الذين على الأغلب ليسوا من سكانها الأصليين، وإنما نزحوا إليها هرباً من مناطق أخرى شهدت معارك عنيفة.
ويبدو واضحاً أنه في حال استمرت المعارك على هذه الوتيرة، مع الصمت الأميركي تجاه ما يحدث، واستعداد أنقرة لمبادلة وصايتها على إدلب وتخليها تماماً عنها مقابل دخول جيشها إلى منطقة عفرين الكردية في الشمال، فإن مصير إدلب لن يختلف عن مصير حلب التي شهدت معارك عنيفة راح ضحيتها مئات المدنيين قبل أن تعود إلى سيطرة الجيش السوري بالكامل بعد صفقة بين موسكو وأنقرة حينها، تمكنت تركيا خلالها من إدخال قوات درع الفرات إلى جرابلس والباب. هذا الاحتمال الأقوى، يعني أننا سنكون أمام مجازر كبيرة بحق المدنيين في تلك المحافظة وسكانها الذين يتجاوز عددهم 300 ألف .
الغريب وسط هذا المشهد المأساوي، أن المعارضة السورية مازالت تخرج للدفاع عن جبهة النصرة أو ما يسمى اليوم بهيئة تحرير الشام، التي تعدّ جبهة النصرة عمودها الفقري الأساسي، وبدلاً من مطالبة الجبهة حل نفسها، أو تغيير قياداتها والانضمام إلى فصائل الجيش الحر المعتدلة، تكتفي المعارضة بالشكوى من "الصمت الإقليمي والدولي" تجاه ما يحدث، علماً بأن جميع من حضروا أحداث المأساة السورية من أولها، باتوا يعرفون يقيناً بأن جبهة النصرة وداعش تم إنشاؤهما ودسّهما على الثورة السورية من أجل إجهاضها، ومن أجل إيجاد ذريعة للقوات الإيرانية للتوسع في الأراضي العربية.
شهوة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو لتحقيق حلمه بإعادة إحياء العثمانية في المنطقة، التي التقت بالمال القطري الملوّث بدعم الفصائل الإرهابية وتنظيم الإخوان، هي التي دفعت المعارضة السورية للوقوع بالفخ الإيراني الذي أفرج عن المتطرفين والإرهابيين فجأة في سوريا والعراق لينضموا "للعمل المسلح للمعارضة"، وكان كل معارض سوري يتحدث عن هذا الخطأ الفظيع، وأن إسقاط طاغية مثل بشار الأسد لا يمكن أن يكون من خلال التعاون مع منظمات إرهابية مثل جبهة النصرة، يتم تخوينه من قبل قنوات الإعلام القطرية والإخوانية فورا.
لكن اليوم بدأنا نسمع بعض الأصوات الجريئة في الجيش السوري الحر التي تنتقد دعم جبهة النصرة وشبيهاتها من فصائل مثل أحرار الشام، بل خرج بعضهم ليقول صراحة، إن الضغط القطري لدعم جبهة النصرة، حرم الجيش الحر أن يلعب الدور الذي لعبته فصائل كردية في شمال سوريا، التي طردت داعش من شمال سوريا وباتت مسيطرة هي على ثلث مساحة الدولة.
فلو أن فصائل المعارضة السورية قبلت منذ البداية العمل والقتال ضد داعش لوجدت دعما أميركياً أو روسياً، ولتحولت إلى لاعب أساسي في المعركة وعلى طاولة المفاوضات، لكن نفس قنوات التخوين القطرية شنت حملة على كل من يتحدث عن قتال أي طرف غير الجيش السوري.
شاهدنا جميعاً محاولات الإعلام القطري لتجميل وجه جبهة النصرة عبر اللقاءات والحوارات والقصص الوهمية عن "بطولات" هذه الجبهة؛ التي تحولت بفضل التمويل القطري أيضاً إلى أقوى الفصائل المسلحة في سوريا، لكنها غالباً ما كانت توجه قوتها هذه ضد فصائل المعارضة السورية المعتدلة مثل حزم، والمتطرفة مثل أحرار الشام، من أجل فرض السيطرة على المناطق الخاضعة لها، فهي ترفض أي شراكة من أي فصيل، ولا تتردد في القيام بمجازر لا تقل بشاعة عن مجازر النظام ضد مقاتلي المعارضة الذين يقعون تحت يديها.
على المعارضة السورية أن تكف عن دعمها المباشر وغير المباشر لجبهة النصرة، والتذّرع بأنها غيّرت اسمها، وأن لا مقاتلين أجانب فيها أو أن قائدها الجولاني انشق عن تنظيم القاعدة وزعيمه الظواهري، فالجميع يعلم أن أفكار هذه الجبهة لم تتغير ولن تتغير.
الحل الوحيد هو الدعوة لأن تحل هذه الجبهة نفسها وأن يتفرق قادتها ويخرجوا من ساحة القتال نهائياً، وأن يسلّموا أسلحتهم لفصائل أخرى معتدلة، لأن عناد الجبهة على المقاومة لن ينجيها من آلة الحرب الروسية، وسيدفن معها آلاف المدنيين في إدلب. علماً بأن الشارع الإدلبي خرج في الأشهر الأخيرة أكثر من مرة منتفضاً ضد جبهة النصرة وتصرفاتها، ولم تتردد الجبهة في فتح النار الحية على أهالي المنطقة، تماماً مثلما كانت قوات التشبيح السورية الموالية للنظام تفعل في بداية الثورة.
على المعارضة السياسية السورية مسؤولية تاريخية وأخلاقية، فالرجوع عن الخطأ فضيلة حتى لو تأخر، عليها أن تتوحد في رفض جبهة النصرة والضغط عليها من أجل حل نفسها، وإعادة ترتيب صفوف المقاتلين في إدلب تحت قيادة واحدة معتدلة.
على المعارضة السورية أن تضع الحفاظ على حياة أهالي إدلب على رأس أولوياتها قبل مصالح الدول الإقليمية التي تعقد الصفقات على حسابها ومن ورائها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة