اقتراب موعد ساعة الصفر في العمليات العسكرية يحمل معه الكثير من التساؤلات حول الخطط العسكرية، ومن سينفذّها؟
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن مواصلة التحركات العسكرية التركية على الحدود مع محافظة إدلب، مصحوبة باستعدادات الجيش السوري الحر لدخول المدينة، تندرج في إطار تنفيذ اتفاقات خفض التصعيد المبرمة في اجتماعات أستانة 6 الأخيرة بين الروس والإيرانيين والأتراك، لكن الهدف الحقيقي لأنقرة هو توسيع البقعة الجغرافية لعملية «درع الفرات»، لتشمل محافظة إدلب ومناطق حول بلدة عفرين، وبالتالي تفكيك وإضعاف نفوذ جبهة النصرة من جهة ومنع تمدّد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وقطع أي تواصل بين المناطق التي تسيطر عليها في شمال غرب سوريا .
في إدلب قد تقع أنقرة في معضلة أن تجد نفسها مُجبرة على استقبال ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري جديد؛ في حال تعارضت حسابات الحقل مع حسابات البيدر . التصعيد المتواصل بين واشنطن وأنقرة سيلقي بـظلاله على العملية التركية في إدلب وقد لا تسير الأمور وفق التفاهم الثلاثي في أستانة.
اقتراب موعد ساعة الصفر في العمليات العسكرية يحمل معه الكثير من التساؤلات حول الخطط العسكرية، ومن سينفذّها؟، وما هو المصير الذي ينتظر المدينة وجوارها؟، وهل ستلقى المصير المدمر ذاته والخراب الذي تعرضت له الرقة وقبلها حلب وسواها من المدن السورية؟، أم أنها ستدرج ضمن مناطق خفض التصعيد ؟.
مشكلة أخرى تُعيق الخطة التركية هي انعدام الموقف الواضح النهائي من قبل"جبهة النصرة" حول أن أي دخول عسكري للجيش السوري الحر إلى قلب المدينة ما زال مرفوضاً من قبلها، فكيف إذا ما كانت روسيا هي التي توفر له الغطاء الجوي فوق المدينة؟.
بين ما يقلق الاتراك تحديداً مع الإعلان عن العملية العسكرية في إدلب، تبرز المخاوف الكثيرة لناحية مخطط تنفيذها، لكونها تحمل الكثير من الخطر على الجنود الأتراك وحلفائهم المحليين، لذلك نرى أن الاحتمالات ما زالت مفتوحة، ولا يوجد خيار حاسم في ظل المعطيات القائمة على الأرض، خصوصاً وأن أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون في المدينة وأنها استقبلت مئات آلاف النازحين، من محافظات حلب وريف دمشق وقرى الساحل السوري .
أنقرة تُمني النفس بأن ترى إدلب المنطقة الرابعة من مناطق خفض التصعيد، التي تشمل جنوب وجنوب غربي سوريا، وغوطة دمشق والقلمون الشرقي وريف حمص، تحت رعايتها عسكرياً وأمنياً، وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع التركي نور الدين جانقلي عندما سُئل عن المدة التي ستبقى فيها القوات التركية هناك، فقال " الله وحده يعلم ، إلى أن تنتهي التهديدات من الداخل السوري باتجاه تركيا " . لكن قوات الجماعات المتشددة هناك تعلن أنها قد توافق على تواجد عسكري تركي في نقاط فصل بين إدلب وعفرين، لكنها لن تقبل بدخول من لا تريدهم هي إلى قلب المدينة برضاها وموافقتها والتنسيق معها في إطار ضمانات محددة، وحيث تبدي "هيئة تحرير الشام " استعدادها لتحلّ نفسها لكنها اشترطت أن تحلّ جميع الفصائل التابعة للمعارضة السورية المسلحة العاملة في الشمال السوري نفسها أيضاً، وتنضم تحت قيادة واحدة .
بين ما يقلق أنقرة التي تتخبط سياستها منذ أشهر وسط إعصار شمال سوريا، وتحديداً في عملية إدلب، هو وقوع مفاجأة آخر لحظة، والتي قد تكون تفاهمات أميريكة روسية من تحت الطاولة هدفها جر تركيا إلى مستنقع إدلب، من خلال خطة أميركية روسية تقوم على تبريد مؤقت للجبهات ثم إعلان الحرب الحقيقية على التنظيمات المتطرفة، وتحديداً " جبهة النصرة " في إطار مساومات أوسع في الملف السوري.
تركيا تريد الانتقام لنفسها من واشنطن وسياستها المتعارضة مع مصالحها وحساباتها في سوريا والعراق ، لذلك نراها تتحرك في سياق محاولات تفويت الفرصة على السيناريو الأميركي، عبر اتصالات مكثفة مع ممثلي فصائل المعارضة السورية والتنظيمات في محافظة إدلب، بهدف التوصل إلى حل يقوم على تشكيل هيئة إدارة محلية مدنية للمدينة وريفها، وصحيح أن تركيا نجحت الآن في تجميد مخطط تمدّد ودخول قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري إلى ادلب، وفرض خطة ربط الكانتونات الكردية ببعضها في شمال سوريا ، والمساومة على تحقيق حلم الكيان الكردي المستقل بين القامشلي في الشمال الشرقي و الساحل السوري على المتوسط ، إلا أن خارطة التحالفات والتحولات العسكرية والسياسية على الأرض قد تتغير في أية لحظة وهي مسألة ليست جديدة في مسار الأزمة السورية وتشعباتها .
أنقرة حسمت قرارها في إدلب لكن المشكلة الأكبر هي عندما تدخل في مغامرة منبج وعفرين ، حيث تصرُّ أنقرة على ربط منطقتي عفرين وإدلب وقطع الطريق على ربط الكانتونات الكردية في شمال سوريا ببعضها ، وحيث هي تعرف أن الثمن الواجب دفعه المزيد من توتير العلاقات مع واشنطن، وارتكاب الخطأ المميت في احتساب قدرات وطاقات ورغبة حلفائها المحليين في الوقوف إلى جانبها عسكرياً في معركة الإطاحة بالمشروع الكردي في شمال سوريا .
القيادة السياسية التركية تحاول إحراز تقدم متزامن على أكثر من جبهة في شمال سوريا ، إخراج قوات سوريا الديمقراطية من منبج والتحكم بحركة المرور في عفرين والشراكة الكبيرة في إدلب ، مستفيدة من الدعم الروسي والإيراني . وهي تحاول أن تفعل ذلك بحذر وفي إطار تفاهمات مع عناصر "هيئة تحرير الشام" .
أنقرة تريد الهروب إلى الأمام هذه المرة لتجاوز الكثير من أزماتها في سوريا والعراق .لكن ما تعرفه أنقرة أيضا هو أن إدلب منطقة محفوفة بالمخاطر الكثيرة نظراً لعدم الثقة الكاملة بإيران وروسيا؛ بالرغم من الضوء الأخضر الروسي .
في إدلب قد تقع أنقرة في معضلة أن تجد نفسها مُجبرة على استقبال ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري جديد في حال تعارضت حسابات الحقل مع حسابات البيدر . التصعيد المتواصل بين واشنطن وأنقرة سيلقي بـظلاله على العملية التركية في إدلب، وقد لا تسير الأمور وفق التفاهم الثلاثي في أستانة، لأنّ الطرف الآخر وهو الأميركي لديه حساباته ومصالحه أيضاً . كل السيناريوهات متوقعة ومفتوحة على بعضها البعض .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة