غضب واشنطن من صفقة الصواريخ الروسية الاستراتيجية الموقعة بين أنقرة وموسكو، كان واضحا
تعيش القيادات السياسية التركية منذ أكثر من عامين خيبة أمل كبيرة في مسار العلاقات التركية الأميركية المستمرة في التدهور والتراجع، بسبب أكثر من توتر في ملف ثنائي وإقليمي.
خيبة أمل أخرى برزت في شهر نوفمبر الفائت، عندما اعتبر البعض في أنقرة أن العلاقات مع واشنطن ستشهد تحسناً كبيراً عقب فوز دونالد ترامب بالرئاسة، وعندما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تهنئته لترامب، إن فوزه سيمهد لمرحلة جديدة في هذه العلاقات فحدث العكس .
من الواضح أن شعار الحليف الأميركي الذي كانت أنقرة تتبناه في علاقاتها بواشنطن يصطدم اليوم بتحولات المشهدين السياسي والعسكري في سوريا والعراق والتحالفات الجديدة التي تظهر تدريجياً إلى العلن، فالعلاقات ربما ستتقدم لكن بصعوبة أكبر
بيانات تركية رسمية تحدثت مؤخراً عن اتفاق الرئيس التركي مع نظيره الأمريكي على عقد لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وأشارت إلى أن الرئيسين وفي أعقاب اتصال هاتفي جرى بينهما تطرقا إلى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، لكن الكثير من التطورات الميدانية في مسار العلاقات الثنائية تقول العكس؛ وتتحدث عن محاولات لحماية شعرة معاوية المهددة بالانقطاع في أية لحظة . خيبة أمل تركية حيال سياسات الإدارة الأميركية الجديدة والعكس أيضا هو صحيح.
لقد كانت تركيا تتوقع أن تخفف الإدارة الأميركية من دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، لكن الرهان على ذلك سرعان ما تبدد مع إعلان البيت الأبيض عن زيادة الدعم والتنسيق مع القوات الكردية في سوريا، والتمدد في الأراضي التي انهزم فيها تنظيم داعش.
كما أن تركيا طلبت مرارا من دون جدوى، تسليم رجل الدين فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا، والذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في يوليو / تموز 2016، علاوة على توجيه القضاء الأميركي مؤخراً، اتهامات إلى العديد من الأتراك لانتهاكهم الحظر الاقتصادي المفروض على إيران، وطلب توقيف وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر شاغليان بتهم المشاركة في خرق قانون العقوبات الأميركية على طهران، في قضية يقودها المواطن التركي من أصل إيراني رضا زراب، مهندس الصفقات التجارية السرية، في حلقة تجمع رجال أعمال أتراك وإيرانيين وأميركان، ثم صدور قرار قضائي آخر بتوقيف مجموعة من فريق الحماية الشخصية للرئيس التركي بتهمة المشاركة في الاعتداء على مجموعة من المتظاهرين أمام البيت الأبيض.
تبع ذلك، قرار سياسي آخر بعدم تزويد فرق الحراسة الرئاسية التركية بأية قطعة سلاح أو التنسيق معها حتى إشعار اخر . قرارات أغضبت أنقرة ودفعت أردوغان لاعتبارها خطوات سياسية تُتخذ ضد تركيا، لكن حجم التوتر كشفت عنه أقلام محسوبة على حزب العدالة والتنمية بوصفها التطورات الأخيرة بإعلان حرب أميركية مباشرة على أنقرة وقياداتها .
هناك قناعة مهمة تولدت في صفوف حزب العدالة والتنمية، هي أن المستهدف من التصعيد الأميركي الأخير، هو ليس فقط وزير الاقتصاد السابق شاغليان، بل الحزب ورئيسه أردوغان مباشرة، وأن الهدف الأساسي هو إضعاف الحزب قبل ذهاب تركيا إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في منتصف العام 2019 .
لكن تكين غورسال أحد قيادات حزب الشعب الجمهوري المعارض، يكشف النقاب عن وجود لائحة تضم 60 اسما تم تحديدها على ضوء التقارير والمعلومات الأميركية لأشخاص متهمين بالتورط في ملفات الفساد والرشاوى وخرق قانون العقوبات الأميركية التجارية على إيران، عبر شبكة واسعة من رجال الأعمال والمال والسياسيين، ويطالب بالكشف عن هذه الأسماء، وهي قضية أخرى مرشحة لتوتير العلاقات التركية الأميركية أكثر فأكثر .
ما عقّد الأمور بشكل أكبر كذلك، هو أن غضب واشنطن من صفقة الصواريخ الروسية الاستراتيجية الموقعة بين أنقرة وموسكو، كان واضحا حتما، لكن الرد الأميركي لم يتأخر كثيرا عندما أشارت تقارير الاستخبارات التركية الى أنه منذ مطلع شهر يونيو / حزيران الماضي وحتى اليوم، بلغ عدد الشاحنات الأميركية المحملة بالسلاح والعتاد الى قوات سوريا الديمقراطية ألفا و421 شاحنة .
إن الحديث عن تحول سريع في سياسة تركيا الإقليمية، الذي تحدث عنه رئيس الوزراء بن علي يلدرم بقوله في سبتمبر / أيلول من العام المنصرم ، بأنَّ حكومته تتبع سياسة "الإكثار من الأصدقاء وتقليل الأعداء" في سياستها الخارجية واكبته مؤشرات كثيرة على الأرض تقول شيئاً آخر لترامب وإدارته، وأبرزها زيارة رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني محمد باقري منتصف الشهر الفائت لأنقرة ومدلولاتها، ثم زيارة أخرى لم يعلن عن تفاصيلها، قام بها رئيس أركان القوات الروسية فاليري غيراسموف، بعد مغادرة باقري أنقرة على الفور .
من الواضح أن شعار الحليف الأميركي الذي كانت أنقرة تتبناه في علاقاتها بواشنطن يصطدم اليوم بتحولات المشهدين السياسي والعسكري في سوريا والعراق، والتحالفات الجديدة التي تظهر تدريجيا إلى العلن، فالعلاقات ربما ستتقدم لكن بصعوبة أكبر، وهناك أقلام كثيرة في تركيا تتحدث عن صعوبة أن تعوّض موسكو وطهران لأنقرة خسائرها بسبب تدهور علاقاتها مع واشنطن، خصوصا وأن الأخيرة عادت لتمسك بخيوط اللعبة الكثيرة في سوريا والعراق .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة