القدس -شرّفها الله- ليست طلبية مطعم كي يحدد جمال ريان ما إذا كان يريدها الآن أو بعد الساعة العاشرة.
تالله لقد هزلت واشتد هزالها.. لم يكن ينقصنا إلا أن يظهر علينا المذيع جمال ريان ويرد في تويتر على الخليجيين الذين ينتقدون تدخله اليومي في شؤون مجلس التعاون، ويصفونه بالمرتزق قائلا: «لست مرتزقاً، أنا خليجي أجداد والدي رحمه الله هاجروا من أرض الحجاز إلى فلسطين قبل إنشاء مملكة آل سعود والإمارات فأنا خليجي غصب عنكم».
أنا لا أرى بأساً أبداً في أن يبدي جمال ريان تعاطفه مع البلد الخليجي الذي يؤويه مثل أن يقوم بما قام به الكثير من الهنود والباكستانيين والبنغال بتصوير أنفسهم حول الجداريات الرومانسية لـ(تميم المجد) والمنتشرة في الدوحة، ولكن تدخله السافر في الخلافات الداخلية الخليجية أمر غير مقبول.
هذه واحدة من مشاكلنا الكثيرة مع قطر، وهو أن يأتي أحد الإخوة المقيمين ويتدخل في شأننا الخليجي الخاص جداً (مجلس التعاون) ويتبجح بأنه يفعل ذلك رغماً عن أنوفنا!، في السعودية أكثر من عشرة ملايين مقيم يشكّلون ثلث السكان وفي بقية دول المجلس -ما عدا عمان- يعتبر المواطنون أقلية وأغلبية السكان من المقيمين.. تخيّلوا كيف سيكون الأمر لو تدخل الإخوة المقيمون -رغماً عنا- في الملف الخليجي الأشد حساسية (مجلس التعاون)؟!!.
بالتأكيد أنا لا أصادر حق الإخوة العرب أو غير العرب من إعلاميين وغير إعلاميين أو حتى (ملاقيف) في إبداء آرائهم في كيفية إدارة مجلس التعاون، وتحليل صراعات الدول الأعضاء، ولكن ليفعلوا ذلك من بلدانهم أو على الأقل من خارج دول المجلس، فالمقيمون من مختلف الجنسيات هم شركاؤنا في التطور، ونعلم أن الغالبية العظمى منهم يكافحون من أجل الكسب الشريف والحياة الآمنة، ومتى ما خرجوا عن هذا الإطار واضطلعوا بأدوار سلبية من شأنها الإضرار بمصالح وثوابت (مجلس التعاون) فإنهم هنا يتحولون من (مقيمين نافعين) إلى (مرتزقة مضرّين)، وسوف تكون لتدخلاتهم انعكاسات خطيرة لا تخفى على عاقل.
أما مملكة آل سعود التي يقول ريان إن أجداد أبيه قد (طسوا) قبل إنشائها، فإنها قد شاركت في حروب فلسطين كلها وبإمكان ريان العودة إلى قائمة شهداء حرب 1948، ليجد أنهم ينتمون إلى مختلف قبائل ومناطق المملكة، حيث لم تمنعهم حواجز الفقر والبداوة يومها من تلبية نداء العروبة والإسلام، أما هو فقد هرب من فلسطين وأهلها لينعم برغد العيش في الخليج، وبدلاً من أن يركّز على العودة إلى وطنه السليب أصبح ينازعنا على أوطاننا!!.. حتى الإمارات التي تأسست بعد هجرة أجداد (أبو جمال) من الحجاز عرفت منذ أيام الشيخ زايد بتشييد المدن السكنية والمستشفيات والمدارس في فلسطين، وكل ذلك لدعم صمود شعبنا في الأرض المحتلة، أما هو فقد قضى عمره يجمع الأموال في أبوظبي ثم الدوحة، ولا يفكّر في أن يقدم قرشا أحمر لنصرة فلسطين، لذلك وبكل بساطة وصفه الخليجيون بالمرتزق.. وسيبقوا يواجهونه بهذا الوصف حتى يترك الخليج ويعود للنضال في فلسطين.
وبالمناسبة، أنا لا أرى بأساً أبداً في أن يبدي جمال ريان تعاطفه مع البلد الخليجي الذي يؤويه، مثل أن يقوم بما قام به الكثير من الهنود والباكستانيين والبنغال بتصوير أنفسهم حول الجداريات الرومانسية لـ(تميم المجد) والمنتشرة في الدوحة، ولكن تدخله السافر في الخلافات الداخلية الخليجية أمر غير مقبول، لقد تنازل علنا عن قضيته وتفرّغ لقضايانا، بل إنه في إحدى المرات قال: «إذا كانت القدس ستعود على يدي السيسي، أو عبر حصار قطر ومن أجل التجديد للسيسي فلا أريدها الآن»، وهذا لعمري قول عجيب غريب مريب، فالقدس -شرّفها الله- ليست طلبية مطعم كي يحدد جمال ريان ما إذا كان يريدها الآن أو بعد الساعة العاشرة.. وإذا كان حريصاً حقاً على أن تأتي القدس على مزاج (أجداد أبوه.. اللي طسوا وخلفوه) عليه أن لا ينشغل في مشاكل مجلس التعاون، وأن يتوجه فوراً إلى فلسطين.
باختصار، وكي لا يجد البعض فرصة للتأويلات العنصرية غير المنطقية، أكرر بأنه من ناحية عملية وقانونية بحتة لا يمكن أن يكون جمال ريان خليجياً (غصبا عنا)، إلا في حالة واحدة، وهي أن تمنحه السلطات في الدوحة جنسية قطرية.. وهذا وارد -مع الأسف- بعد سحب جنسيات (رأس السنام)، وتوفر شواغر في المواطنة يمكن أن يشغلها المرتزقة!.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة