ألم يحن الوقت لاتخاذ مواقف شجاعة تمضي بسوريا خارج دائرة التقسيم والصوملة كما تنبأ لها المبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي
في مسيرة البحث عن حكماء لإنقاذ سوريا ممّا هي فيه عقب فشل كل مؤتمرات السلام الخاصّة بهذا البلد من جنيف بجولاته الثماني إلى أستانا؛ وليس انتهاءً بـ "سوتشي" المزمع عقده في الشهر الجاري، لابدّ من استعراض ما حدث في تونس إبّان سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2010 .
من دون الخوض بالكثير من التفاصيل في المشهد التونسي، نتوقف عند ما قام به الاتحاد العام للشغل التونسي برفقة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين في لملمة شعث الشّارع التونسي، والعبور بالبلاد إلى برّ الأمان، وهذا ما حدث بالفعل بعدما كانت المؤشرات توحي بمزيد من الفوضى والتوتر والانقسام.
المنظمات الأربع مُنحت جائزة نوبل للسّلام للعام 2015 تقديراً لجهودها في جمع الفرقاء التونسيين وإبرام السلام في تونس البلد الأكثر نجاحاً في طريقة التعاطي مع ما اُصطلح على تسميته "الربيع العربي".
خلال الحرب التي تعيشها البلاد ولاتزال منذ نحو سبع سنوات لم تبادر الفعاليات، لا الثقافية ولا الأهلية ولا حتى النقابية لجمع الأطراف المتقاتلة على الأرض من أجل وقف نزيف الدم، رغم إيمان هذه الأطراف أنّ نهاية كلّ حرب هي المصافحة والتقاط الصور الجماعية بين الأطراف المتحاربة وإبرام السلام بينها
في نهاية سرد المشهد التونسي نلاحظ بأنّ الحكماء من أبناء الشّعب التونسي لم يتأخروا في انتشال بلادهم من غياهب الفوضى والاحتراب الداخلي، والسؤال لماذا لم يتكرر المشهد في سوريا؟ أليس في هذا البلد منظمات ونقابات وشخصّيات وازنة، لها ثقلها السياسي والاجتماعي تتدخل لإنقاذ ما تبقى من سوريا على الأقل؟
ألم يحن الوقت لاتخاذ مواقف شجاعة تمضي بسوريا خارج دائرة التقسيم والصوملة كما تنبأ لها المبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي عقب فشله في مهمته بإيجاد حلّ للصراع الدائر على الأرض السّورية؟
السؤال هذا في الحقيقة يُطرح كلًّ يوم من أغلب السّوريين الذين لم ينخرطوا في الحرب الدائرة في بلادهم، والتي قسّمت المجتمع السوري إلى قسمين متضادين متنافرين متقاتلين.
الأول، معارضة وضعت نصب عينها إسقاط النظام المتهم من قِبَلها بقمع الحرّيات ومصادرة حقوق السّوريين، ومنع التعددية السياسية في في بلد خاض تجارب ديمقراطية كبيرة منذ استقلاله وجلاء آخر جندي فرنسي من سوريا عام 1946.
القسم الثاني، موالاة ترى أنّ الأطراف المعارضة منسلخة عن المجتمع السّوري وتنفّذ أجندات دول خارجية غايتها تدمير سوريا، وضرب نسيجها الاجتماعي.
وبين الصنفين السابقين، وباستثناء المصالحات التي نجح بعضها في مناطق العاصمة دمشق، الملاحظ أّنّه خلال الحرب التي تعيشها البلاد ولاتزال منذ نحو سبع سنوات لم تبادر الفعاليات، لا الثقافية ولا الأهلية ولا حتى النقابية لجمع الأطراف المتقاتلة على الأرض من أجل وقف نزيف الدم؛ رغم إيمان هذه الأطراف أنّ نهاية كلّ حرب هي المصافحة والتقاط الصور الجماعية بين الأطراف المتحاربة وإبرام السلام بينها، وهذه حتمية لا تشكيك فيها، فلم تدم حرب على وجه المعمورة ولم تعمر الخصومات.
ما السبب يا ترى في عدم جرأة الفعاليات السورية على تكرار المشهد التونسي؟
في الحقيقة ثمة مانع لذلك، وهو النقطة الوحيدة المشتركة بين طرفي النّزاع والتي لا يمكن تجاهلها في مساعي الوصول إلى حلّ سياسي بعيداً عن العسكرة، سواء تدخل الحكماء من السوريين أو حتى مساعي الأمم المتحدة، ألا وهي ارتهان المعارضة والحكومة للدول الداعمة لهما كل واحدة على حدة.
فالمعارضة غلّبت مصلحة داعميّها على أولويات السّوريين علما بأنّ بعض المناصرين لها من الدول كتركيا مثلا باتت أقرب للنظام مما سبق، في المقابل الحكومة لا تجدّ بُدا من الاستماع لإيران التي لا مصلحة لها بانتهاء الحرب على ما يسعى إليه الروس والأتراك، لذلك بقي المشهد مأسوياً وهذا ما جعل الحلّ خارج حدود البلد الذي يعشق أبناؤه السلام والعيش بأمان واستقرار.
الخلاصة أنّه لا نصر في سوريا لأحد الطرفين على الآخر، ومن يعتقد من الجانبين بهذا فهو مخطئ، فالحرب لا رابح فيها ثمة خاسر واحد فحسب وهي البلاد التي دفع أهلها ثمن تلك الحرب التي لم تبق منهم ولم تذر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة