التنسيق بين الدولتين في المواقف الثنائية حظي، كما هو ظاهر، بـتأييد شعبي، جعل من الجبهة الداخلية في البلدين داعمة لصانع القرار.
يؤكد الخطابان السياسي والإعلامي في الرياض وأبوظبي أن العلاقات السعودية ـ الإماراتية تمثل أنموذجا حيا وشاهدا ثريا على نمو وازدهار العلاقات البينيّة العربية، في الوقت الذي تشهد فيه الدول العربية الأخرى خلافات وتوترات على مستوى العلاقات في المجالات المختلفة، لذلك يرى بعض المراقبين أن العلاقات بين الدولتين تمثل ضمانة قوية للأمن الخليجي ببعديه المحلي والإقليمي أولا، وللأمن العربي بوجه عام ثانيا؛ ناهيك عن أنها تقدم صورة إيجابية عن العرب تجاه العالم، لجهة أنها تطرح أفكارا بناءة، تجاه مجمل قضايا المنطقة.
العلاقات بين الدولتين تكشف عن التعامل الواعي مع التحديات التي تواجهها المنطقة؛ وفي مقدمتها التصدي لخطر التطرف والإرهاب، والقوى والأطراف الداعمة لهما، وأيضا مواجهة التدخلات الخارجية في دول المنطقة، ومع ذلك ستبقى أمام امتحان عسير يثبت استمراريتها من عدمها متأثّرة بالتطورات الحاصلة، ومن هنا يطرح السؤال الآتي: هل العلاقات بين السعودية والإمارات استراتيجية دائمة أم مجرد تكتيك مرحلي اقتضته الظروف الراهنة؟
إذا أخذنا بالشواهد والمعطيات والمواقف، فإننا ننتهي إلى نتيجة مفادها: أن العلاقات بين الدولتين تحمل أبعادا استراتيجية طويلة المدى، فالاشتراك في عاصفة الحزم مثلا يصنف ضمن الرؤية الاستراتيجية القائمة على الشراكة بين الدولتين، ذلك لأن الأمر لا يتعلق فقط بقرار الحرب، أو شنها، ولكن يتعداه إلى النتائج المترتبة عليه لسنوات عديدة مقبلة، صحيح أن هناك دولا أخرى شريكة في عاصفة الحزم، لكن التنسيق والتعاون بين السعودية والإمارات يبدو الأكثر فاعلية، إلى درجة تتجاوز العلاقات بينهما مستوى التحالف والتعاون إلى تحقيق نوع من الوحدة غير المعلنة بينهما بشكل لم نعهده في العلاقات البينية العربية، وهي إذا تم الاحتكام إليها مستقبلا ستكون محرجة للدول العربية الأخرى، لأنه من الصعب الوصول إليها.
العلاقات السعودية ـ الإماراتية، في نجاحها وعمقها واستمراريتها مكسب لدول الخليج وباقي الدول العربية الأخرى، وهي لم تنشأ على حساب أي علاقة أخرى، وحسب المعطيات الحالية ليست تكتيكا مرحليًّا فرضته الظروف الراهنة، وإنما استراتيجية دائمة، ستتعمق أكثر مع الأيام.
الواقع أن التنسيق بين الدولتين في المواقف الثنائية حظي، كما هو ظاهر، بتأييد شعبي، جعل من الجبهة الداخلية في البلدين داعمة لصانع القرار، والمتابع لردود الأفعال المجتمعية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي تتكشّف لديه درجة الدعم التي يحظى بها القادة في الدولتين، صحيح أن الخطاب الإعلامي مؤثر في تقديم صورة إيجابية، وهي فعلا كذلك، على كل قرار مشترك يتم اتِّخاذه حتى لو كان محفوفا بمخاطر، أو أن هناك تخوفا من نتائجه المستقبلية، لكن مستوى التفاعل مع القرارات، صُنْعا وتنفيذا، حوّل الإعلام إلى تابع، مما حال دون صناعته للحدث، ليس لأن سقف الحرية محدود، ولكن لأن الرأي العام في البلدين أصبح مدركا لتداعيات القرارات والمواقف، خاصة بعد الحرب في اليمن.
والعلاقات السعودية ـ الإماراتية الراهنة تأسست على تجربة الماضي سواء المتعلقة بالعوامل المساعدة على تطورها وازدهارها، أو التي كشفت عن خلافات سابقة حول قضايا بعينها، منها ذات الصلة بموضوع الحدود مثلا، والاستفادة من التجربة التاريخية هي التي عمقت اليوم مقومات السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن، ناهيك عن الدفاع، بل والذهاب بعيدا في محاربة الإرهاب، من ذلك دعم قوات الساحل الإفريقية، وكل المجالات السابقة تكشف عنها الأرقام والإحصائيات المنشورة في البلدين، غير أن هذه العلاقات السويّة والنّاضجة والواعدة لم تُلغ خصوصيّة اتخاذ القرار، خاصة في الشؤون الداخلية للدولتين، ما يعني أن التعاون والتحالف بل والشراكة في مواقف بعينها يحميها التخطيط لمواجهة الأخطار المحدقة بالدولتين وبالمنطقة وبالأمة، وهذا أصبح واضحا للجميع، وقد شكّل خطرا حقيقيا من بعض الدول، منها على سبيل المثال إيران وقطر.
وينظر إلى العلاقات السعودية ـ الإماراتية بعين الريبة والحذر من بعض الدول، وترى فيها دول أخرى، وبالذات الداعمة للإرهاب، خطرا حقيقيا على مستوى توجيه المنطقة في مرحة أولى، وفي مرحلة لاحقة كل الدول العربية، وقد يمتدّ تأثيرها في المستقبل إلى معظم الدول الإسلامية، نحو توجّه عام يقف في وجه المد الإرهابي، والشعوبي، والفوضوي، لذلك تشكّك في كل موقف أو عمل تقوم به الدولتان، بل إنها تعمل جاهدة من أجل إحداث فتن من خلال الإعلام في محاولة لإضعاف العلاقات بين الدولتين.
تطرح هذه العلاقات الاستراتيجية الدائمة، والتي تشكل حالة جاذبة لدول عربية أخرى ودولية، مخاوف حقيقية لدى البعض، وخاصة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، منها أن هذا التَّحالف السعودي ـ الإماراتي بما يكرّسه من علاقات بينية ـ ثنائية يؤثر على الوضع العام لمجلس التعاون، ومع الوقت قد يُنهي دوره الجماعي، صحيح أن هذا النوع من الرأي يطرح على نطاق ضيق، ولكنه موجود، ومنها أيضا أن العلاقات السعودية ـ الإماراتية أصبحت قوة فاعلة إلى درجة أنها لم تعد بحاجة إلى دعم الآخرين حين يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية، يضاف إلى أن هذه العلاقات تؤسس لدور بديل عن قوى عربية ظلت لعقود متحكمة في مسار التوجّهات العربية العامة، ولكي تنجح على المدى البعيد تحتاج إلى أمرين؛ الأول اعتراف حقيقي بها ينطلق من قناعات مصحوبة بمحبة وصدق وصراحة، والثاني أن تكون في مستوى التحدي، ومن ذلك عدم تخلي الدولتين عن دورهما المشترك مع إشراك العرب الآخرين في أيّ قرار صائب.
العلاقات السعودية ـ الإماراتية، في نجاحها وعمقها واستمراريتها مكسب لدول الخليج وباقي الدول العربية الأخرى، وهي لم تنشأ على حساب أي علاقة أخرى، وحسب المعطيات الحالية ليست تكتيكا مرحليًّا فرضته الظروف الراهنة، وإنما استراتيجية دائمة، ستتعمق أكثر مع الأيام، وقد تكون بداية لتفكير عربي جديد على مستوى العلاقات البينية والإقليمية والقومية والدولية.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة