إن الخلاصة التي لا يختلف عليها اثنان في تقييم عام من مقاطعة قطر، هي أن الدوحة تصرفت بلا كياسة مع هذه الإجراءات.
يحاول القائمون على الحكم في إمارة قطر أن يظهروا جلداً ومنعة في وجه المقاطعة التي اتخذتها الدول الأربع المكافحة للإرهاب، ويعرف القاصي والداني أنها تسببت في خسارة كبيرة للاقتصاد القطري، علاوة على فضح الدور المشبوه والمهين الذي تؤديه الدوحة في مساندة الإرهاب ودعمه مالياً وإعلامياً، وفوق كل هذا جعل قطر أكثر عزلة في المنطقة والعالم.
فكم من مرة يخرج مسؤول في قطر ليكذب مدعياً أن المقاطعة لم تؤثر على بلده، بل يصل به الكذب إلى حد محاولة البرهنة على العكس، من خلال أقوال مرسلة تتحدث عن أن المقاطعة زادت قطر قوة، وأن الدول التي اتخذت هذا الإجراء القوي والحاسم وهي السعودية والإمارات ومصر والبحرين، لم تحقق أهدافها إلى الآن.
ولو كان الأمر كذلك، فلماذا تصرخ قطر وتستجدي في سبيل إنهاء المقاطعة؟ ولماذا لا تكف أذرعها الإعلامية عن البكاء والعويل، ومحاولة إثارة شفقة الشعوب العربية والإسلامية في سبيل كسب تعاطفها مع وضع الدوحة وموقفها؟ وهو ما لم يتحقق، بل على النقيض من هذا، صارت هذه الشعوب، بسبب الموقف الصارم للدول الأربع، أكثر معرفة وفهما وإدراكا للدور المشبوه الذي أدته الدوحة، ولا تزال، في إبقاء شر الإرهاب قائما.
الدوحة تصرفت بلا كياسة مع هذه الإجراءات، وتوهمت أن بوسعها مقاومتها أو دفعها إلى التحلل تدريجيا، وبذا ضيّقت الخناق على نفسها، ولم ينفعها انتظار من يخلصها، أو جذب من يدعمها، مع أن الحل واضح جلي ويتمثل في الامتثال للمطالب المشروعة لدول المقاطعة
ولو كان الأمر على النحو الذي تحاول الدوحة، عبثا، تسويقه للعالم، فلماذا اضطرت الحكومة القطرية إلى السحب من أرصدة البلاد المالية في الخارج؟ ولماذا اضطرت إلى بيع أصول لها؟ ولماذا اتخذت ما يشبه إجراءات للتقشف بعد أن وصلت الأزمة إلى كل بيت في قطر؟ وهو أمر لم تكن دول المقاطعة تتمناه، لأنها حريصة، رغم كل شيء، على مصلحة الشعب القطري الشقيق، الذي يرفض سياسات حكومته، لكنه غير قادر، حتى الآن، على تغييرها.
لكل هذا كان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش محقاً حين وصف موقف الدوحة بأنه "محير ومتناقض .. مكابر ومستجد"، فالحيرة مبعثها أن الدوحة تعرف طريق الحل ولا تسلكه، ألا وهو الاستجابة للمطالب الواضحة والمشروعة لدول المقاطعة، والتناقض يكمن في تلك الهوة الواسعة بين ما تقوله حكومة قطر وما تفعله، والمكابرة تنبع من إدراك تلك الحكومة لفداحة الخسارة المترتبة على المقاطعة ومع ذلك تتمادي في غيها، وتحاول أن تظهر عكس ما تبطن، متقلبة بين أنين من الآثار القوية للمقاطعة، يسمعه الناس في كل مكان، وضجيج تصنعه الدعايات السوداء والمسمومة لإعلام "تنظيم الحمدين"، أما الاستجداء، فيتمثل في لهاث حكومة قطر وراء أطراف غربية، ومنظمات دولية حقوقية، طالبين منها التدخل في سبيل إنهاء المقاطعة، رافعة لافتة "المظلومية" وهي مرض سياسي يصيبِ حلفاء قطر من جماعة "الإخوان" الإرهابية.
إن الحالة القطرية تصورها لنا الآية الكريمة بموضوح {وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ} سورة هود، فها هو نوح "الأشقاء من الدول الخليجية والعربية" ينادي ابنه "قطر" للركوب في سفينة الخير والسعادة والنجاة، وألا يبقى مع الضالين "إيران وتركيا والإخوان" ولكن التعنت والمكابرة واللامبالاة، ستسوق "الابن" النظام القطري لحتفة ومثواه الأخير، فجبل الشر الورقي الذى آل إليه للاعتصام سينهار لا محالة، وحينها لا ينفع الندم ولا يجدي التحسر.
إن الخلاصة التي لا يختلف عليها اثنان في تقييم عام من مقاطعة قطر، هي أن الدوحة تصرفت بلا كياسة مع هذه الإجرِاءات، وتوهمت أن بوسعها مقاومتها أو دفعها إلى التحلل تدريجيا، وبذا ضيّقت الخناق على نفسها، ولم ينفعها انتظار من يخلصها، أو جذب من يدعمها، مع أن الحل واضح جلي ويتمثل في الامتثال للمطالب المشروعة لدول المقاطعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة