لم يسبق للنظام الإيراني على مدى أربعين عاماً، منذ نجاح الثورة، أن اهتزت مكانته في كل الخطابات السياسية والإعلامية كما اهتزت الآن.
سقطت هيبة نظام الملالي في إيران في الداخل وفي الإقليم والعالم أيضاً، والسبب تجاهل النظام للتغييرات الحاصلة في طريقة تعامل الأنظمة السياسية مع شعوبها، وكذلك تغير أساليب إدارة الأزمات الدبلوماسية والسياسية في العالم.
فهو يكاد يكون النظام الوحيد في العالم المستمر على قمع مطالب شعبه الاجتماعية وتعمد تجاهلها، وكذلك هو النظام الوحيد الذي يعتمد على الغطرسة السياسية والتعنت في التعامل مع الدول حتى في أزمته الحالية مع المجتمع الدولي فيما يخص الاتفاق النووي، حيث أمهل الأوروبيين أسبوعاً كي يتم تعويضه مادياً وإلا فسوف ينسحب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية.
تزداد أوضاع النظام الإيراني تأزماً وخطورة، فالهزائم العسكرية والسياسية المتتالية منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة لم تفسح المجال له للبحث عن مخارج يمكن له من خلالها أن يتحايل على الالتزامات الدولية والإقليمية
لم يسبق للنظام الإيراني على مدى أربعين عاماً، منذ نجاح الثورة، أن اهتزت مكانته في كل الخطابات السياسية والإعلامية كما اهتزت الآن، ما يؤكد أننا أمام مرحلة جديدة في النظام الدولي الكل يتفق على وضع حدٍ للغطرسة الإيرانية، حيث تمت محاصرته تماماً من خلال عزله دولياً حتى من الدول التي كانت قريبة منه مثل كوريا الشمالية والصين، التي لم تعرف كيف تدافع عن مصلحتها مع إيران وحتى روسيا أيضاً.
يبدو أن سياسة الضغط الدبلوماسي على النظام الإيراني والتلويح بالعقوبات الاقتصادية وربما بشن ضربة عسكرية عليها ستزداد خلال المرحلة المقبلة، على الأقل العامين القادمين (فترة وجود الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض)، خصوصاً أن هيبتها السياسية والعسكرية التي كان يعتمد عليها النظام من خلال أذرعه السياسية بدأت تفقدها الواحدة تلو الأخرى في لبنان والعراق، حيث يبدو أن التيار الوطني بدأ يصعد فيهما على حساب الموالين لإيران، واليمن حيث تحقق القوات اليمنية والتحالف نجاحات نحو إعادة الشرعية، وفي باقي الدول العربية وهو يقف الآن مكتوف الأيدي أمام اللكمات السياسية والإعلامية التي تأتيه من كل مكان.
عملياً، فإن الساحة الوحيدة التي يحاول فيها النظام الإيراني المناورة عليها هي الساحة الأوروبية، ربما لأن هذه الدول الوحيدة التي تدافع عن الاتفاقية ولكن يبدو أن الغطرسة الإيرانية ستتسبب في خسرانها، وفي ظل العلاقة التقليدية الاستراتيجية التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل التهديدات الأمريكية بمعاقبة كل الشركات التي تتعامل مع النظام الإيراني، فإن هذه الساحة لا يمكنه الرهان عليها، كما أن هناك في الساحة العربية من الدول المترددة في مواقفها وهي لم تعد بذلك العدد الذي كان قبل عام 2015 بداية عمليات التحالف العربي في اليمن، لذا نعتقد أن مساحة مناورة النظام حالياً لن تحقق أي انتصار ولو كان هذا الانتصار معنوياً.
بلا شك أن نتائج سقوط هيبة نظام الملالي في إيران ستكون مؤلمة على المحافظين والإصلاحيين، وكذلك على حلفاء إيران سواء كانوا دولاً أو تنظيمات أو حتى أشخاص مثل حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، ونوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، حيث لن يكون بمقدور النظام الإيراني الدفاع عنهم خلال المرحلة المقبلة، كما أن حجم المساعدات المالية التي اعتاد النظام تقديمها للموالين له ستقل، وبالتالي فإن سياسة شراء الولاءات ستتراجع في مقابل الغضب الشعبي في إيران وفي الدول العربية ضد النظام يتصاعد، هذا النظام الذي بات معرضاً للكثير من شظايا الفوضى التي أرسلها للجوار الجغرافي وللعالم.
تزداد أوضاع النظام الإيراني تأزماً وخطورة، فالهزائم العسكرية والسياسية المتتالية منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلطة لم تفسح المجال له للبحث عن مخارج يمكن له من خلالها أن يتحايل على الالتزامات الدولية والإقليمية، كما لم تنجح "مؤامراته" التي يتلاعب بها على الإيرانيين بأنهم مستهدفون من الآخرين، وعلى الشيعة العرب بأنهم يواجهون ضغوطات من العرب السنة، فالجميع بات مدركا مدى خطورة هذا النظام وبالتالي لا أحد يريد له أن ينجو هذه المرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة