صفقة صغيرة أم توتر كبير؟ ترامب يراهن من جديد على «كيم»

منذ عودته للبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي انخرط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أزمات مثل أوكرانيا وغزة وإيران وبدا متغاضيا عن كوريا الشمالية.
ورغم انشغال إدارته بأولويات عاجلة أخرى فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم ينسَ كوريا الشمالية فهناك مؤشرات متعددة على أن إحياء المحادثات مع بيونغ يانغ لا يزال على رأس جدول أعماله وذلك وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
بعد تنصيبه بفترة وجيزة، قال ترامب إنه "سيتواصل" مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي وصفه بأنه "رجل ذكي".
وفي أواخر مارس/آذار قال ترامب إنه على "تواصل" مع بيونغ يانغ وينوي "القيام بشيء ما" بشأنها "في مرحلة ما"، كما يضم فريق السياسة الخارجية العديد من المتخصصين في الشؤون الكورية.
وهناك عدة أسباب للاعتقاد بأن استئناف المحادثات قد يُفضي الآن إلى اتفاق فبالنسبة لترامب، ستكون فرصة لتحقيق نجاحٍ في السياسة الخارجية مع صعوبة التوصل لاتفاق حول أوكرانيا وغزة.
كما أن ترامب لديه أعمالٌ لم يُنجزها بعد مع كوريا الشمالية.. ففي ولايته الأولى، التقى بكيم، لكنه لم يتمكن من إبرام اتفاق وقد تمنحه عودته إلى منصبه فرصة ثانية.
في المقابل، أصبح النظام الكوري الشمالي أقوى بكثير مما كان عليه قبل بضع سنوات، لكنه يُدرك أيضًا أن موقفه قد يتغير قريبًا خاصة فيما يتعلق بروسيا.
وبالفعل هناك نموذج لاتفاقٍ "صغير" معقول بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ورغم أنه غير مثالي لكنه قد يُمهد الطريق للمضي قدمًا.
ومع ذلك لن يكون الأمر سهلًا إلا أن هناك عدة عوامل مؤثرة قد تُعيد كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات.
وفي فبراير/شبا،ط 2019، التقى ترامب بكيم في قمة هانوي، حيث سعى الجانبان للتوصل إلى ما يُسمى بـ"الصفقة الصغيرة" التي تسمح لكوريا الشمالية ببعض الأسلحة النووية على أن تفكك بيونغ يانغ جميع منشآتها النووية المعروفة، مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الأممية مما يُخفف العبء الاقتصادي لكن المقترح لم يدع إلى "نزع السلاح النووي بشكل كامل وقابل للتحقق ولا رجعة فيه"، وهو ما يُعرف بـ"الصفقة الكبيرة".
في ذلك الوقت، كانت بيونغ يانغ في موقف صعب لكنها لم تستسلم، ولم يتمكن الجانبان من الاتفاق على حجم التنازلات التي سيتعين على كوريا الشمالية تقديمها وعلى قائمة المنشآت المطلوب تفكيكها فانهارت المحادثات.
ومع عودة ترامب للرئاسة، أشارت كوريا الشمالية إلى استعدادها للتعاون، لكنها الآن أقوى بكثير فنجت من الانهيار تحت وطأة العقوبات، واستفادت من سلسلة من التحولات الجيوسياسية غير المتوقعة، حيث سعت كل من الصين وروسيا إلى تحسين العلاقات معها.
ففي 2019، ومع تصاعد الصراع مع الولايات المتحدة بدأت الصين بتخفيف حدة موقفها تجاه بيونغ يانغ، ورأت أن حدودها المشتركة مع كوريا الشمالية منطقة عازلة حيوية كما بدت بكين عازمة على إبقاء كوريا الشمالية واقفة على قدميها من خلال مساعدات معتدلة غير مشروطة في جوهرها.
أما روسيا التي واجهت نقصا حادا في قذائف المدفعية الثقيلة منذ اندلاع حرب أوكرانيا 2022، فاكتشفت أن كوريا الشمالية تمتلك مخزونات هائلة من هذه الذخائر، قدمتها لموسكو مقابل ثمن باهظ لم يُكشف عنه وتم تقديره بنحو 5.5 مليار دولار.
كما دخل البلدان في تحالف عسكري رسمي في 2024 سمح لبيونغ يانغ بإرسال نحو 12 ألف جندي كوري شمالي إلى روسيا للقتال ضد القوات الأوكرانية، مقابل المزيد من المدفوعات المالية من موسكو.
في غضون ذلك، نمت الترسانة النووية لكوريا الشمالية بسرعة فمنذ 2019، طوّرت كوريا الشمالية واختبرت بنجاح عددًا من أنظمة الإطلاق الجديدة بعيدة المدى، مثل صاروخ هواسونغ-19 الذي يعمل بالوقود الصلب، وهو صاروخ باليستي عابر للقارات جديد يُمكن تجهيزه للإطلاق في دقائق، ويمكنه إصابة أي هدف في الولايات المتحدة.
وقدّر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن كوريا الشمالية تمتلك حاليًا ترسانة تضم حوالي 50 رأسًا نوويًا، فيما قالت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، إن بيونغ يانغ في "أقوى وضع استراتيجي لها" منذ عقود.
ومثلما كتب عالم السياسة فيكتور تشا مؤخرًا في "فورين أفيرز"، إنه إذا التقت إدارة ترامب بنظام كيم "فقد تضطر واشنطن إلى تقديم تنازلات كبيرة لبيونغ يانغ" لكن هناك أسباب للاعتقاد بأن التوصل إلى اتفاق صغير قد لا يزال في متناول اليد.
وفقًا لمصادر عديدة، أبلغ مسؤولون كوريون شماليون عددا من الدول مؤخرا برغبتهم في استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة، وهو ما يتماشى مع إشارات أخرى مثل تخفيف حدة لهجة وسائل الإعلام الرسمية.
ومن وجهة نظر بيونغ يانغ، سيكون إحياء الخطوط الرئيسية لاتفاقية صغيرة أمرًا جذابًا لأن مستوى التجارة الحالي بين كوريا الشمالية وروسيا من غير المرجح أن يستمر بعد انتهاء حرب أوكرانيا.
وباستثناء الذخائر، لا توجد فرص تجارية كبيرة بين البلدين فالمنتجات القليلة التي تستطيع كوريا الشمالية بيعها في السوق الدولية، مثل المعادن والمأكولات البحرية، لا تهم المستوردين الروس.
وبالنسبة للصين، تخشى بيونغ يانغ الاعتماد المفرط على جارتها العملاقة التي يعتبرها صانعو القرار في كوريا الشمالية تهديدًا لأنها الدولة الوحيدة التي قد تمتلك الإرادة والوسائل للتدخل في السياسة الداخلية.
وتُفضّل بيونغ يانغ تنويع مصادر مساعداتها، وهو أمرٌ يُمكنها فعله إذا أُعيد إحياء اتفاق هانوي وتم تخفيف العقوبات حينها قد يكون رئيس كوريا الجنوبية الجديد لي جاي ميونغ، على استعداد للتعاون.
ويمكن أن تستأنف كوريا الشمالية أيضًا المحادثات مع اليابان والحصول على تعويضات عن انتهاكات الحكم الاستعماري الياباني لكوريا (1910-1945).
ورغم عيوبها، تظل الصفقة الصغيرة الخيار الأقل سوءًا فهي لن تؤدي إلى نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وقد تُحاول بيونغ يانغ إخفاء بعض منشآتها النووية لكن الصفقة قد تُبطئ أو ربما تُوقف التقدم المُستمر في برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية.
وقد تكون هذه اللحظة مع وجود ترامب في السلطة أفضل فرصة لبيونغ يانغ لتخفيف العقوبات الأممية، إلا أن المسؤولين هناك يشككون في قدرة الاتفاق على الصمود مع تغيير الإدارة مثلما حدث مع الاتفاق النووي الإيراني.