بريطانيا في مرمى تداعيات حرب الشرق الأوسط.. عودة صراع «نفط بحر الشمال»

مع اشتداد التوترات بين إسرائيل وإيران، عاد ملف أسعار النفط ليشغل العالم وسط مخاوف من اضطرابات محتملة في الإمدادات العالمية.
وفي بريطانيا، أعاد هذا المشهد الجيوسياسي تسليط الضوء على سياسة حزب العمال المتعلقة بحظر التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، وفقا لتقرير شرته صحيفة تليغراف.
ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يبدو أن معركة بحر الشمال لم تعد مجرد قضية بيئية، بل باتت جزءًا من معركة أوسع تتعلق بالأمن القومي والمكانة الاقتصادية لبريطانيا في عالم متقلب.
وقرار حظر التنقيب، الذي يُعد من أبرز تعهدات الحزب في حملته الانتخابية، وصفه وزير الطاقة إد ميليباند بأنه يستند إلى "العلم"، استنادًا إلى تحذيرات تفيد بأن أي تراخيص جديدة عالميًا لا تتماشى مع أهداف الحياد الكربوني. وفي برنامجه الانتخابي، شدد الحزب بأن مواصلة التنقيب لن تخفض الفواتير، ولا تعزز أمن الطاقة، بل ستعمّق أزمة المناخ.
لكن منتقدين حذروا من أن هذه السياسة قد تُضعف قدرة بريطانيا على مواجهة الأزمات الجيوسياسية، في وقت تزداد فيه أهمية أمن الطاقة عالميًا.
إنتاج بحر الشمال
ومن المعروف أن بحر الشمال يشهد تراجعًا طبيعيًا في إنتاج النفط والغاز، سواء مضى حزب العمال قدمًا في الحظر أم لا. ومع ذلك، فإن وتيرة هذا التراجع تظل قابلة للتأثير. وتشير تقديرات اللجنة المستقلة لتغير المناخ إلى أن بريطانيا ستحتاج ما بين 13 و15 مليار برميل من النفط والغاز خلال 25 عامًا، بينما سيغطي الإنتاج المحلي أقل من الثلث فقط، ما يعني الاعتماد على الواردات لسد الفجوة.
ويؤكد ميليباند أن زيادة الإنتاج لن تفيد المستهلك، لأن الأسعار تُحدد عالميًا، بينما حصة بحر الشمال صغيرة جدًا لتؤثر. ومع ذلك، يشير خبراء إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بالسعر، بل بأمن الإمدادات.
ونقلت تليغراف عن المحلل في SEB للأبحاث، بيارني شيلدروب، قوله إن "خفض الاستهلاك يجب أن يكون الأولوية، لكن تقليص الإنتاج محليًا بينما لا تزال البلاد مستوردًا كبيرًا، يعرّضها لمخاطر جيوسياسية". ويضيف: "أمن الإمدادات أصبح مسألة سياسية حساسة، خصوصًا بعد استخدام روسيا للطاقة كسلاح".
واتفق سايمون فرينش، كبير الاقتصاديين في "بانمور ليبروم"، مع ذلك الرأي قائلاً إن إنتاجًا أوروبيًا جماعيًا أعلى قد يقلل الاعتماد على الشرق الأوسط في أوقات الأزمات. وقال "صحيح أن بريطانيا قادرة على دفع أسعار أعلى من الدول الأفقر، لكن "لماذا تعرض نفسك لهذه المخاطرة إذا كنت تستطيع تعزيز مرونتك الاستراتيجية بإنتاج محلي؟".
سيناريوهات الأزمة
وفي حال اتسعت رقعة النزاع الإيراني-الإسرائيلي، فإن أحد أكثر السيناريوهات خطورة يتمثل في تعطل الملاحة عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو 20% من النفط العالمي. وحينها، سيكون الخيار إما الركود العميق أو ارتفاع حاد في الأسعار لتقنين الطلب.
وفي مثل هذه الظروف، فإن بريطانيا، مثل غيرها، ستتأثر بالأسعار، لكنها ستجني أيضًا عوائد ضريبية أكبر من الشركات المنتجة. فعندما اندلعت الحرب في أوكرانيا عام 2022، قفزت عائدات الضرائب من 2.6 مليار إلى 9.8 مليار جنيه استرليني، ما منح الحكومة قدرة على دعم الأسر في مواجهة ارتفاع الفواتير.
التكاليف البيئية والاقتصادية
ورغم أن الحكومة ترى أن خفض الإنتاج المحلي يخدم أهداف المناخ، إلا أن الاستمرار في استيراد كميات متزايدة من الغاز الطبيعي المُسال (LNG) قد يزيد الانبعاثات الكربونية. فبحسب "ريستاد إنرجي"، فإن الغاز المُسال أكثر تلويثًا بـ10 أضعاف من الغاز المنقول عبر الأنابيب، بسبب الطاقة اللازمة لتبريده ونقله.
ومن الناحية الاقتصادية، يشير محللون إلى أن سياسات الحظر والضرائب قد تُسرّع من وتيرة إغلاق الحقول، ما يزيد من أعباء نفقات الإغلاق، التي تتحمل الحكومة جزءًا منها عبر الإعفاءات الضريبية.
وفي هذا السياق، يرى فرينش أن استمرار منح التراخيص قد يمدد عمر بعض الحقول، ويؤجل كلفة الإغلاق، ما يوفر للحكومة "هامشًا ماليًا" تحتاجه في المرحلة المقبلة.
فرص العمل والانتقال في الطاقة
ويشير تقرير صادر عن جامعة روبرت غوردون إلى أن فرص العمل في النفط والغاز تتراجع أسرع من وتيرة خلق الوظائف في قطاع الطاقة النظيفة، وسط تباطؤ في مشاريع طاقة الرياح البحرية. ويحذر التقرير من أن 58 ألف وظيفة قد تختفي بحلول 2030، بينما قد تخلق طاقة الرياح 29 ألف وظيفة فقط.
وقال بول دي ليو، مدير معهد التحول الطاقي بالجامعة: "نحن أمام مشكلة توقيت"، مضيفًا أن التحول يتطلب إما تسريع التصنيع المحلي لمكونات التوربينات، أو تأجيل حظر التراخيص لتعزيز فرص العمل مؤقتًا.
وفي هذا الإطار، أوضح التقرير أن رفع الإنتاج اليومي من 500 ألف إلى 700 ألف برميل قد يزيد عدد الوظائف المرتبطة بالقطاع من 150 ألفًا إلى 200 ألف.
وبينما تصر وزارة الطاقة على أن إنتاج المزيد من النفط لن يؤثر على الأسعار العالمية، يرى خبراء أن تعزيز الإنتاج المحلي يمنح بريطانيا مرونة استراتيجية في أوقات الأزمات، ويدعم المالية العامة، ويوفر حماية مؤقتة للوظائف خلال التحول نحو الطاقة الخضراء.