الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر.. حرب غزة أكبر استنزاف اقتصادي لإسرائيل

لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة التي أتمت عامين مجرد مواجهة عسكرية، بل تحولت إلى أكبر استنزاف اقتصادي تعيشه إسرائيل منذ تأسيسها.
منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخل الاقتصاد الإسرائيلي في دوامة عجز ونفقات عسكرية غير مسبوقة، انعكست على النمو، وسوق العمل، والتصنيف الائتماني، والقطاعات الحيوية كافة.
ما هي التكلفة الإجمالية للحرب؟
تشير تقديرات عدة مراكز أبحاث دولية وإسرائيلية إلى أن الكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات خلال عام واحد فقط، مع توقعات باستمرار النزيف لسنوات، وقدرت الخسائر بنحو 100 مليار دولار، وهو ما سيكون كارثيًا على الاقتصاد الإسرائيلي الصغير نسبيا (نحو 500 مليار دولار ناتج محلي سنويا).
مع الساعات الأولى للحرب، أعلنت السلطات الإسرائيلية تعليق أنشطة اقتصادية واسعة، وأغلقت مئات المصانع في الجنوب، بينما توقفت حركة الطيران والسياحة تقريبًا.
ما قيمة الخسائر الأسبوعية للحرب؟
صحيفة هآرتس الإسرائيلية أشارت إلى أن نحو 15% من قوة العمل غابت عن وظائفها خلال الأسابيع الأولى، بسبب الاستدعاء الواسع لجنود الاحتياط، الذي شمل أكثر من 360 ألف إسرائيلي. هذه الأرقام تسببت في تراجع حاد بالإنتاجية الصناعية والخدماتية، وهو ما جعل معهد البحوث الاقتصادية الإسرائيلي يقدّر الخسائر الأسبوعية بنحو 2.5 مليار دولار في الربع الأول من الحرب.
أبرز مظاهر الخسائر الاقتصادية تمثل في تضخم الإنفاق العسكري. فوفقًا لتقارير DW، ارتفعت موازنة الجيش الإسرائيلي إلى مستويات قياسية، مع تخصيص مليارات إضافية لتمويل العمليات في غزة وعلى الحدود الشمالية مع لبنان.
وبلغ الإنفاق العسكري المباشر خلال الأشهر الأولى من الحرب نحو 18 مليار دولار، كما أقرت الحكومة خطة مالية طارئة تضمنت رفع ميزانية الدفاع على حساب برامج مدنية.
وأشار تقرير لمركز أبحاث الكنيست إلى أن الحرب الحالية قد تتجاوز في كلفتها الإجمالية حرب لبنان الثانية عام 2006، التي بلغت فاتورتها 9 مليارات دولار، نظرًا لطول مدتها واتساع رقعتها الجغرافية.
هذا التحول يعكس أولوية أمنية واضحة، لكنه يضاعف الضغط على المالية العامة، حيث يُتوقع أن يستمر الجيش في طلب اعتمادات إضافية إذا استمرت المواجهات.
ماذا حدث لنمو الاقتصاد الإسرائيلي؟
قبل اندلاع الحرب، كان الاقتصاد الإسرائيلي ينمو بوتيرة مقبولة، إذ سجل نموا بنحو 3% في 2022. لكن الحرب قلبت المعادلة رأسا على عقب. وبحسب DW، انكمش الاقتصاد بنسبة 20% تقريبا في الربع الأخير من 2023. ورغم عودة طفيفة للنمو في بعض القطاعات بداية 2024، فإن التوقعات تشير إلى نمو ضعيف لا يتجاوز 1.5 – 2% في 2025.
هذا التراجع الحاد يعود إلى توقف نشاط قطاعات حيوية مثل السياحة، والتكنولوجيا، والعقارات، إلى جانب انخفاض ثقة المستثمرين.
إلى أي مدى تأثرت موازنة إسرائيل بالحرب؟
أحد أبرز انعكاسات الحرب يتمثل في العجز المتفاقم للموازنة العامة، وفقا لتقديرات المركز العربي – واشنطن دي سي، ارتفع عجز الموازنة الإسرائيلية إلى 6.5% من الناتج المحلي في 2024، مقارنة بـ 1% فقط قبل الحرب، وتجاوز الدين العام حاجز 70% من الناتج المحلي لأول مرة منذ أكثر من عقد.
هذا يعني أن إسرائيل ستضطر إلى زيادة الاقتراض الخارجي ورفع الضرائب، وهو ما يثقل كاهل الاقتصاد والمواطنين على المدى الطويل.
كيف تأثر سوق العمل بالحرب؟
من ناحية أخرى تضرر سوق العمل الإسرائيلي بشكل واضح، حيث أُجبر أكثر من 360 ألف جندي احتياط على ترك وظائفهم المدنية للانضمام إلى الجيش، ما أدى إلى فجوة كبيرة في قطاعات البناء، التكنولوجيا، والزراعة.
أيضا، توقفت العمالة الفلسطينية القادمة من الضفة وغزة، التي كانت تشكل ركيزة أساسية في قطاعي البناء والخدمات.
وفقا لبيانات DW، ارتفع معدل البطالة إلى نحو 9% في أوج الحرب، مقارنة بـ3.5% فقط قبلها.
إلى أي مدى وصل النزيف في قطاع التكنولوجيا؟
الخسائر ضربت قطاع التكنولوجيا أيضا، فقد أصابت الحرب القطاع باضطرابات، فالعديد من الشركات الناشئة فقدت تمويلها بسبب هروب المستثمرين، وبعض الشركات نقلت مقراتها إلى الخارج، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
بحسب تقارير DW، فإن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التكنولوجيا تراجع بنحو 60% في 2024.
قطاع التكنولوجيا يمثل نحو 18% من الناتج المحلي. ومع استدعاء عشرات الآلاف من المهندسين والمبرمجين إلى الجيش، واجهت الشركات الناشئة صعوبات بالغة في الاستمرار. صحيفة تايمز أوف إسرائيل كشفت أن أكثر من 50% من الشركات الناشئة علّقت مشروعاتها أو جمّدت التمويل.
كما أن شركات التكنولوجيا الكبرى، التي كانت ترى في إسرائيل مركزا إقليميا للبحث والتطوير، بدأت تبحث عن بدائل في أوروبا والهند، خوفا من استمرار عدم الاستقرار.
لماذا تفاقمت خسائر السياحة؟
أما قطاع السياحة، الذي يشكل نحو 3% من الناتج المحلي الإسرائيلي، تعرض لانهيار شبه كامل، حيث توقفت الرحلات السياحية الدولية إلى تل أبيب والقدس بشكل شبه كلي، وتكبدت الفنادق والمطاعم خسائر يومية ضخمة.
هذا التوقف المستمر يعني أن السياحة لن تعود إلى مستوياتها السابقة إلا بعد سنوات من الاستقرار الأمني.
السياحة، التي كانت تدر على إسرائيل قرابة 7 مليارات دولار سنويا تراجعت كثيرا وفقا لصحيفة نيويورك تايمز حيث أكدت أن الرحلات الجوية إلى تل أبيب تراجعت بنسبة 90%، بينما ألغت شركات عالمية كبرى مثل إيزي جيت ويونايتد إيرلاينز ولوفتهانزا رحلاتها بالكامل. الفنادق في القدس وتل أبيب سجلت إشغالًا لا يتجاوز 10%، مقارنة بـ80% قبل الحرب.
كيف نظرت وكالات التصنيف لإسرائيل؟
الحرب انعكست بشكل مباشر على نظرة وكالات التصنيف العالمية إلى الاقتصاد الإسرائيلي، حيث خفضت وكالة موديز تصنيف إسرائيل للمرة الأولى منذ إنشائها. وأصدرت وكالتا ستاندرد آند بورز وفيتش توقعات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي في المدى المتوسط.
هذا الخفض يعني زيادة تكلفة الاقتراض الخارجي، مما يضيف عبئا جديدا على الخزانة العامة.
لا تقتصر الخسائر على الأرقام الاقتصادية، بل تمتد إلى الأوضاع الاجتماعية، المتمثلة في ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم، وزيادة الأعباء على الأسر بسبب رفع الضرائب وتقليص الخدمات العامة، وموجة احتجاجات داخلية متنامية، خاصة في صفوف المتضررين من تراجع الدخل.
هذه التوترات قد تزيد من الضغوط السياسية على الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه بالفعل انقسامات حادة.
ما هو مستقبل اقتصاد إسرائيل؟
يرى المركز العربي – واشنطن دي سي أن الاقتصاد الإسرائيلي سيبقى رهينة مسارين، الأول، استمرار الحرب: ما يعني نزيفا ماليا متواصلا، وتباطؤ النمو، وانهيار قطاعات السياحة والتكنولوجيا، وتفاقم العجز، المسار الثاني يتمثل في وقف العمليات والتوجه للتسوية: وهو ما قد يفتح الباب أمام استعادة تدريجية للثقة الاقتصادية، وإن كان ذلك سيستغرق سنوات طويلة.
في كل الأحوال، يبقى الاقتصاد الإسرائيلي يواجه أكبر اختبار في تاريخه، مع تحديات قد تفوق حتى صدمات كورونا والأزمات المالية السابقة.
منذ هجمات 7 أكتوبر في عام 2023 وحتى اليوم، أثبتت حرب غزة أنها حرب استنزاف شاملة، ليس فقط عسكريا، بل اقتصاديا واجتماعيا. وبينما تستمر إسرائيل في ضخ المليارات في آلة الحرب، يتراجع اقتصادها على جميع الجبهات، من العجز المتفاقم إلى البطالة، ومن تراجع السياحة إلى انهيار الثقة الاستثمارية. وبحسب تقديرات الخبراء، فإن "فاتورة غزة" قد تظل تثقل إسرائيل لسنوات، وربما تعيد صياغة ملامح اقتصادها بالكامل.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز