ذكريات فنية بجعبة أحد أهم جنرالات الجيش المصري، يكشفها اللواء الدكتور سمير فرج في حوار للعين.
ذكريات فنية بجعبة أحد أهم جنرالات الجيش المصري، الأمر ليس غريبا، لأن اللواء الدكتور سمير فرج المسئول الأسبق عن إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، أخفى داخل زيه العسكري فنانا ومثقفا عندما أتيحت له الفرصة أظهرها ببسالة.
كان لـ"الجنرال الفنان" من القرارات الجرئية ما أحدث نقلات نوعية في الوسط الثقافي والفني بمصر، ومسرح دار الأوبرا المصرية شاهدا على ذلك، حيث كانت رئاسته للدار أهم محطة فنية وثقافية بحياته.
الجنرال الذي قاد الاوبرا لعدة سنوات دعم جيلا من فناني العرب نشأت بينهم وبين المصريين حالة عشق واندماج مستمرة حتى يومنا هذا، كما اكتشف مواهبا هم نجوم في ساحات الغناء الآن.
اللواء سمير فرج، يفتح صندوق ذكرياته الفنية والثقافية لبوابة "العين" الإخبارية في الحوار التالي:
- كيف لرجل العسكري أن يبدع في الفن والثقافة؟
الأمر يعود للنشأة، فضلا عن إيماني بضرورة أن يثقف الإنسان نفسه في جميع المجالات، فعندما فكرت في الحصول على درجة الدكتوراه في الإعلام، تعجب ابني كوني ضابطا في الجيش، إلا أني رأيت الخطوة هامة، خاصة وأنني كنت آنذاك مسئولا عن الإعلام العسكري.
بالإضافة إلى ذلك فنشأتي بالحي الإفرنجي بمدينة بورسعيد كان لها تأثير بالغ على ثقافتي، لم يكن لي أقران مصريون إلا واحدا أو اثنين بالمدرسة، بينما كنت أقضي باقي اليوم في البيت، وكان سكان البناية كلهم من الأجانب، وكنت أشاركهم حضور الحفلات التي اعتادوا حضورها، فتعلمت الموسيقى، كما كانت والدتي ناظرة مدرسة بورسعيد الوحيدة، وحرصت بدورها على اصطحابي إلى الحفلات المدرسية، و من هنا تكونت البذرة الفنية والثقافية في شخصيتي، وتم صقل هذا الجانب عندما توليت مسئولية الشئون المعنوية بالقوات المسلحة.
- ماذا قدمت للفن خلال إدارتك للشئون المعنوية بالقوات المسلحة؟
كنت مسئولا عن الاحتفالات القومية، وكنا آنذاك ننفذ 3 احتفالات قومية بالعام الواحد، 6 أكتوبر/تشرين الأول، 23 يوليو/تموز و25 أبريل /نيسان عيد تحرير سيناء، وفي تلك الفترة نفذنا الأوبريت الشهير"الحلم العربي"، وكان شهادة ميلاد حقيقية لبعض نجوم العرب أهمهم أصالة وحسين الجسمي، وأذكر لهم موقفا واضحا في نهاية التصوير، سألناهم عن الأجر الذي يريدون تقاضيه عن دورهم في الأوبريت، فرفضت أصالة تقاضي أجر، ورفضت أن نتكفل بحجز الفندق الذي كانت تقيم به وقالت: كنت أشاهد حفلة 23 يوليو في التلفزيون وأنا صغيرة، واليوم عندما سنحت الفرصة للمشاركة في الاحتفالات القومية أتلقى أجرا عليها؟! لن يحدث هذا، أنا بس بدي صورة وأنا بسلم على الرئيس"، وكان لحسين الجسمي نجم الإمارات نفس الموقف وكذلك الفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومي في حفلة تحرير سيناء، وكانوا سعداء جدا أنهم لأول مرة يصافحون رئيسا مصريا.
- كيف استعنت بالنجوم العرب في تلك الفترة؟
لم يكن آنذاك في مصر نجوم بارزون بالكفاية للمشاركة في الاحتفالات القومية، كانت أنغام وحيدة في الساحة ولم تكن شيرين عبد الوهاب قد ظهرت بعد، فاستعنا بالفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومي لإحياء عيد تحرير سيناء، وهوجمت من كل فناني مصر حينها وقالوا لي كيف تستعين بمطربة عربية لإحياء احتفال قومي مصري، وعنما توليت إدارة دار الأوبرا المصرية، حاولت إصلاح ما كنت أنتقده في السابق، فنفذت فكرة "نجوم الأوبرا"، وأول احتفال أقمته وأنا رئيسا للأوبرا خرج بـ 18 فتاة لم تتخطّ أعمارهن الـ 20 ربيعًا، وكلهن الآن نجمات، ولعلّ أشهرهن سوما، مي فاروق، ريهام عبد الحكيم، آمال ماهر.
- الأمر كان أشبه بضخ دماء فنية جديدة؟
نعم، وحينها قررت الاستغناء تماما عن نجوم الموسيقى العربية، والغناء الأوبرالي، فأعمارهم كلهم كانت قد كبرت في الوقت الذي يتخرج سنويا من 8 إلى 15 شابا وشابة مغنيين أوبرا من معهد الكونسرفتوار يعانون البطالة، فعقدت اختبار أصوات، فخرج 12 مطربا من القدامى كبار السن، بالطبع استاءوا لأنه مصدر رزقهم، وكنت على قناعة كاملة أن التطوير لا يجب أن يضار منه أحد، لذلك قمت بتسكين القدامى في مواقع أخرى داخل الأوبرا، فمنهم من يتولى تدريب الشباب الأصوات، وآخر للمواهب الجديدة وهكذا، وأشهر هؤلاء المطرب الأوبرالي "حسن كامي"، فأنا من دفعته لترك الغناء الأوبرالي وأوكلت إليه فرقة دار الأوبرا، وفي المقابل أصررت على إيجاد مواهب جديدة من الشباب، من خلال لجنة استماع بابها مفتوح للجميع، وأدخلت هؤلاء الشباب لحفلات الموسيقى العربية التي تنال إعجاب كثير من رواد الأوبرا، وفي ذلك الوقت كان يعزف الكثيرون عن ارتياد الأوبرا ولديهم فكرة ثابتة بأن هذا الصرح لا تعلوا به إلا أصوات الصراخ -الغناء الأوبرالي- ولكسر هذا الشعور أكثرت حفلات الموسيقى العربية وبها كثير من الشباب.
- وماذا عن مرحلة عمر خيرت؟
كان أحد أهم مراحل التطوير التي أدخلتها لدار الأوبرا المصرية، فقد كان خيرت مرفوضا في السابق من الأوبرا بحجة أنه غير أكاديمي، بينما حقيقة الرفض تعود لغيرة الفنانين لأنه كان نجما محبوبا من الجمهور في ذلك الوقت، فبدأت في هذه المرحلة إقامة حفل شهري للموسيقار الشهير، وفوجئت باكتساح وحضور غير مسبوق، وتنافس بين الشباب على حضور حفلاته.
- كيف تضاعفت أعداد الشباب؟
بدأت في نشر الأوبرا في صعيد مصر، و الجامعات على مستوى الجمهورية، كنا نقيم يوما ثقافيا في كل جامعة يبدأ في العاشرة صباحا بندوة ثقافية بها مفكرون وفنان له ثقل وجمهور، وبعد الظهر نقيم معرضا للفنون "كتاب أو رسم"، وفي المساء الحفل الأوبرالي، وكانت القديرة الراحلة فاتن حمامة أول من رافقتني في هذا الأمر، وكانت جامعة الزقازيق، ونور الشريف في الفترة التي اشتهر فيها بشخصية الحاج متولي، وجولة الجامعات شملت جامعات العريش، الإسماعيلية، جامعات الصعيد، وكان سكان مدينة قنا لأول مرة يشاهدون فنانين على أرض الواقع، فالجمهور ظل ساهرا بالشوارع حتى الثانية من صباح اليوم التالي، حيث جهزنا الشوارع المحيطة بالجامعة بشاشات عرض.
- هل كان جمهور الأوبرا يقتصر فقط على المصريين؟
سيمفوني السبت كل حضوره من الأجانب لأنه يذيع روائع بيتهوفن و موتزارت، بينما مصر بها أرخص تذكرة أوبرا على مستوى العالم، يليهم المصريون الذوّاقة لهذا الفن، الباليه بعد ذلك بدأ يجتذب الجمهور أكثر، فأدخلنا فقراته في حفلات الموسيقى العربية، كذلك ترجمنا الأوبرات الشهيرة مثل "عايدة" على شاشات جانبية كبيرة بجانبي المسرح، وهذه الخطوة اجتذبت جمهورا جديدا لم يكن يحضر لأنه لا يفهم اللغة الإيطالية.
كيف أحدثت طفرة في أعداد رواد الأوبرا؟
الطفرة الكبيرة في نسب الحضور حدثت عندما أدخلت طلبة الجامعة مجانًا، التجربة كانت جديدة وغريبة، في ذلك الوقت كان مسرح الأوبرا يتسع لـ 1500 من الحضور، منها 300 مقعد في "البلكون" غير مستغلة، اتفقت حينها مع مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة آنذاك، أن يوفر فقط حافلات لنقل الطلبة من المدينة الجامعية لدار الأوبرا، وتم ذلك بالفعل، إلا أن الطلبة أحدثوا أزمة في أول يوم لعدم إدراكهم بروتوكول دخول الأوبرا، فدخلوا بالملابس الجينز والأحذية الرياضية، فساد وقتها الهرج والمرج، إلا اني كنت مُصرّاً على نجاح التجربة، فمن اليوم التالي مباشرة بدأنا ندفعهم للحضور نصف ساعة، مستغلين هذا الوقت يوميا في تعليمهم أمرا بروتوكوليا جديدا خاصا بالأوبرا، وفي كل مرة كانوا يتعلمون بروتوكولا جديدا على يد فنان مختلف، حتى انتهت الأزمة تماما.
- لماذا حرصت على حضور طلبة الجامعات تحديدا؟
أذكر يوما سألت فتاة منتقبة عن رأيها، وكانت بين الحاضرين لعرض الباليه، فقالت لي إنها من إقليم الزقازيق ولم يسبق لها أن دخلت دار سينما، واليوم أتت لتشاهد باليه كسارة البندق، فهذا النموذج من الشباب يكتسب ثقافة جديدة، فمهما كان له شكل ديني معين لا يمكن أن يتسلل لها التطرف.
- لماذا لم نشاهدك في لجان تحكيم برامج اكتشاف المواهب حتى الآن؟
كلها دعائية أكثر منها اكتشاف مواهب، حتى وإن كانت تنتج مواهب فهي تخرج واحد كل لعام، بينما أنا أخرجت 18 نجم في عام واحد، وكنت أخرج مواهب جديدة كل ستة أشهر من خلال لجان الاستماع المستمرة، لم أفكر في المشاركة بتحكيم هذه البرامج وإن دعوني فلن ألبي، عادة ما تكون لجان تحكيم هذه البرامج من الفنانين والهدف "دعائي بحت".