ضعفت توقعات معدل النمو بشدة لتركيا في أعقاب الضغوط على الليرة التركية على خلفية المديونية الخارجية المرتفعة للقطاع المصرفي.
شتان ما بين الاقتصاد العالمي والتوقعات المتفائلة بشأنه التي سادت في نهاية العام الماضي والصورة التي بدأت تزيد درجة تشاؤمها يوما بعد يوم قرب نهاية العام الجاري، كانت الخلاصة التي ذهبت إليها التوقعات قرب نهاية عام 2017 هي أن العالم على الأرجح سيشهد عامين جيدين آخرين من النمو في 2018 و2019, وتبدو الصورة الآن مع قرب نهاية العام الجاري ليست نفس روح التفاؤل التي كانت سائدة، فالتوقعات بشأن معدلات نمو الاقتصاد العالمي -خاصة مجموعة العشرين التي تنتج أكثر من 83% من الإنتاج العالمي، وتستهلك نحو ثلاثة أرباع النفط المستهلك عالميا- باتت محل مراجعة بالخفض باستمرار.
ضعفت توقعات معدل النمو بشدة لتركيا في أعقاب الضغوط على الليرة التركية، على خلفية المديونية الخارجية المرتفعة للقطاع المصرفي وقطاع الشركات، وسوف يؤثر ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة بشكل سلبي ليؤديا إلى انخفاض في الاستهلاك والاستثمار
تراخي النمو في مجموعة العشرين:
تقدم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في توقعاتها للنمو في بلدان مجموعة العشرين صورة أقل تفاؤلا بكثير مما قدمته عند نفس هذا الوقت من العام الماضي، فتشير إلى أن توقعات نمو الاقتصاد العالمي تراخت على مدار عام 2018، ومن المتوقع أن يستقر معدل النمو الاقتصادي العالمي حول 3.7% هذا العام والعام المقبل 2019، وهو ما يقل بنحو 0.25% عن التوقعات السابقة، مع توقعات بانخفاضات في معدل النمو في أغلب بلدان مجموعة العشرين، وقد أدى تصاعد المنازعات التجارية بشكل خاص إلى التأثير سلبا على توقعات النمو في المدى المتوسط، وتبدو معدلات النمو أضعف في الاقتصادات الناشئة، خاصة تلك التي تواجه ضغوطا ملموسة في أسواق المال العالمية.
وتتوقع منظمة التعاون أن يسجل معدل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة ما يقرب من 3% هذا العام، قبل أن يتراخى إلى نحو 2.75% في العام المقبل، والولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للنفط عالميا بنحو 20% من جملة الاستهلاك العالمي، وسوف يتأثر النمو في أمريكا باستمرار تشديد السياسة النقدية برفع سعر الفائدة بشكل تدريجي، ومن الممكن أن تقدم التخفيضات الضريبية والإنفاق الحكومي الأكبر دفعة قوية قصيرة الأجل للطلب المحلي تضاف إلى الدفعة الناجمة عن زيادة التوظيف، غير أن السياسة التجارية الحمائية ورفع الرسوم الجمركية في إطار حرب التجارة مع الصين، إضافة إلى عدم اليقين بشأن السياسات المستقبلية، من المرجح أن تؤثر سلبا على معدلات الاستثمار.
وقد تراخى النمو في منطقة اليورو مبكرا منذ بداية العام الجاري، خاصة في القطاعات الصناعية التي واجهت ضعفا في الطلب الخارجي على منتجاتها، ومن المنتظر أن تحقق المنطقة معدلا للنمو يقترب من 2% خلال العامين الجاري والمقبل.
أما في الصين (ثاني أكبر مستهلك للنفط بنسبة 13% من الاستهلاك العالمي) فمن المنتظر أن يتراخى نمو الناتج المحلي الإجمالي ببطء ليصبح أقل من 6.5% في عام 2019، وعلى الرغم من أن آثار المنازعات التجارية مع الولايات المتحدة سلبية على النمو الاقتصادي، إلا أن انخفاض سعر صرف العملة الصينية خفف من هذه الآثار، ولكن قد تزيد مثل هذه الآثار السلبية مع الوقت دون أن يكون هناك ما يخفف من آثارها بالقدر نفسه.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تستمر الهند أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموا مع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7.5% في العامين المالييْن الجاري والمقبل، والهند هي ثالث أكبر مستهلك عالمي للنفط بنسبة 5% تقريبا من الاستهلاك العالمي، وينبغي الإشارة أيضا إلى أهمية الصين والهند الخاصة في سوق النفط العالمي، حيث يشكل نمو الطلب فيهما أكثر من نصف النمو في الطلب العالمي.
ومن المنتظر أن يبقى معدل النمو في اليابان قريبا من 1.25% خلال عامي 2018 و2019، وسيسجل معدل النمو في بريطانيا معدلا مماثلا خلال العامين الجاري والمقبل، مع تأثر الأوضاع الاقتصادية هناك سلبا نتيجة عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
ومن المنتظر أن يستمر الطلب المحلي قويا في كل من أستراليا وكوريا الجنوبية، على الرغم من عدم اليقين بشأن المستقبل الناجم عن تزايد النزاعات التجارية عالميا، وينتظر أن تسجل أستراليا معدلا للنمو يبلغ نحو 3% في العامين الجاري والمقبل، وسوف يدعم النمو فيها النمو القوي في الاستثمارات وخلق المزيد من الوظائف، أما كوريا الجنوبية فستسجل معدلا للنمو يبلغ نحو 2.75% خلال العامين الجاري والمقبل بفضل سياستها المالية التوسعية التي ستعطي دفعة لدخول وإنفاق العائلات.
وفي بعض الاقتصادات الناشئة تحولت الصورة إجمالا إلى المزيد من التشاؤم، خاصة في أعقاب ما تعرضت له عملاتها وأسواقها المالية من توترات مؤخرا.
فقد ضعفت توقعات معدل النمو بشدة لتركيا في أعقاب الضغوط على الليرة التركية، على خلفية المديونية الخارجية المرتفعة للقطاع المصرفي وقطاع الشركات، وسوف يؤثر ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة بشكل سلبي ليؤديا إلى انخفاض في الاستهلاك والاستثمار.
وترى منظمة التعاون أن معدل النمو في المكسيك سيرتفع بشكل متواضع ليبلغ 2.5% في عام 2019، على خلفية تحسن الثقة بعد انتخاباتها الرئاسية في يوليو، وتزايد تحويلات عمالها في الولايات المتحدة، وخفض سعر صرف عملتها، كما أن إنهاء الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة والتوصل لاتفاقية تجارية جديدة في أمريكا الشمالية ربما يكون لهما بعض الآثار الإيجابية.
وفي البرازيل، هناك الكثير من عوامل عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية في المستقبل، وقد تم مراجعة معدل نموها في العام الجاري بالخفض ليبلغ 1.2% فقط، وتذهب منظمة التعاون الاقتصادي إلى القول بأنه إذا استطاعت البرازيل استئناف إصلاحاتها الاقتصادية فقد يسمح ذلك بارتفاع معدل النمو ليسجل 2.5% خلال العام المقبل.
وفي الأرجنتين انخفضت توقعات النمو بشدة مع تسارع ضبط أوضاع ماليتها العامة وتشديد السياسة النقدية، وهو ما ينعكس في شكل انخفاض حاد في الطلب المحلي، وعلى الرغم من أنه من المفروض أن يعطي التخفيض الحاد لسعر صرف عملتها دفعة للصادرات، إلا أنه من المتوقع انخفاض معدل النمو هذا العام بمقدار 2%، وأن يكون هناك ركود في العام المقبل، وفي جنوب أفريقيا تم مراجعة معدلات النمو بالتخفيض مع تدهور الاقتصاد ليدخل في حالة ركود خلال النصف الأول من العام الجاري.
انخفاض نمو الطلب على النفط
وكان من الطبيعي مع مثل هذه التوقعات التي تميل للتشاؤم أن تعيد منظمة الأوبك تقديرها لمعدلات نمو الاستهلاك العالمي من النفط خلال هذا العام والعام المقبل، وأجرت الأوبك مراجعة بالخفض لمعدل الاستهلاك العالمي في تقريرها الشهري بشكل متوالٍ خلال الشهور الثلاثة الأخيرة؛ حيث باتت المنظمة تتوقع أن يسجل معدل نمو الطلب على النفط نحو 1.54 مليون برميل يوميا خلال العام الجاري، وهو ما يقل بنحو 80 ألف برميل عن توقع تقرير شهر سبتمبر الماضي، أما في العام المقبل فمن المتوقع أن ينمو الاستهلاك العالمي بمقدار 1.36 مليون برميل يوميا، مقابل 1.43 مليون برميل يوميا توقعها تقرير شهر أغسطس الماضي، إلا أن الأوبك عدلت هذا التوقع بخفض 20 ألف برميل في تقرير شهر سبتمبر ثم بخفض آخر 50 ألف برميل في تقرير شهر أكتوبر الجاري.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة