ربما يكون أول الآثار المتوقعة على دول المنطقة هو الميل لزيادة الطلب على صادرات المنطقة الرئيسية من النفط والغاز
تشير البيانات إلى استمرار الأداء الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة، فقد حقق الاقتصاد معدلا للنمو بلغ 3 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام المنتهي في شهر سبتمبر الماضي، كما انخفض معدل البطالة إلى 4.1 بالمئة في شهر أكتوبر وهو أدنى معدل له منذ 17 عاما.
وبات من المرجح في ضوء تلك البيانات اتجاه مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) لرفع أسعار الفائدة عند اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك خلال شهر ديسمبر المقبل.
الأثر المباشر الفوري المنتظر لرفع سعر الفائدة هو ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية مقابل العملات الدولية الأخرى، خاصة في حال استمرار أسعار الفائدة على انخفاضها في منطقة اليورو واليابان. وهو ما قد يترتب عليه تغيرات ملحوظة في مجال التجارة والاستثمار.
إذ يخشى من أن استمرار هذا الأداء القوي سيدفع نحو ارتفاع عناصر التكلفة خاصة الأجور، وهو ما يشير إليه الاقتصاديون على أنه تزايد لدرجة سخونة الاقتصاد، أي تحول الاقتصاد نحو تسجيل معدل تضخم أعلى. وهنا لابد من تدخل نظام الاحتياط الاتحادي لممارسة مهمته الرئيسية المتمثلة في الحفاظ على النمو الاقتصادي غير التضخمي. والأداة الرئيسية التي يملكها النظام في سبيل ذلك هي رفع سعر الفائدة الذي سيعمل على الحد من الاقتراض لتمويل الأغراض الاستهلاكية والاستثمارية، بما يعني تحجيم الطلب وخفض حدة الضغوط التضخمية التي تتصاعد في الاقتصاد الأمريكي.
ولا شك أن مثل هذا القرار المتوقع ونظرا لأنه يخص أكبر اقتصاد وأكبر دولة تجارية في العالم، سيكون له في الواقع العملي آثار ملموسة على جميع البلدان وسياساتها الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
ويأتي ذلك بالطبع بحكم هيمنة الدولار على تعاملات الاقتصاد العالمي، وحيث يلعب دور أهم عملة احتياطي دولية ما يجعل من تأثير السياسات النقدية في الولايات المتحدة مباشرا وواضحا خاصة في تلك البلدان التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي. أي أن الآثار ستحدث حتما في أغلب بلدان العالم سواء لأهمية الطرف الفاعل ومنزلته في الاقتصاد الدولي، كما أن هذه الآثار ستتفاوت تبعا لمدى قرب وارتباط السياسات الاقتصادية للبلد المعني تاريخيا بالسياسة النقدية للولايات المتحدة.
وربما يكون الأثر المباشر الفوري المنتظر لرفع سعر الفائدة هو ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية مقابل العملات الدولية الأخرى، خاصة في حال استمرار أسعار الفائدة على انخفاضها في منطقة اليورو واليابان. وهو ما قد يترتب عليه تغيرات ملحوظة في مجال التجارة والاستثمار.
أثر رفع الفائدة الأمريكية على المنطقة
ربما يكون أول الآثار المتوقعة على دول المنطقة هو الميل لزيادة الطلب على صادرات المنطقة الرئيسية من النفط والغاز من الدول المستهلكة بخلاف الولايات المتحدة؛ حيث يقل سعر تلك المواد بالعملات الأخرى مع ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يتم به تسعير هذه المواد عالميا. كما يفسح تغير سعر الصرف أيضا المجال ولو بشكل محدود لزيادة بعض الصادرات غير النفطية للولايات المتحدة من قبل بعض دول المنطقة التي ربما تشهد انخفاضا في أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار.
والأثر الثاني المهم، هو اتجاه بعض بلدان المنطقة، خاصة في الخليج، إلى اقتفاء خطى نظام الاحتياطي الاتحادي الأمريكي لترفع أسعار الفائدة بدورها فيما يعرف بسياسة التعقيم؛ حيث تتبع هذه البلدان سياسة أسعار الصرف شبه الثابتة لعملاتها في مقابل الدولار الأمريكي. وتأتي سياسة التعقيم خوفا مما عرف تاريخيا بأعراض المرض الهولندي.
ويعني الاقتصاديون بـ"المرض الهولندي" تدفق عائدات كبيرة بالنقد الأجنبي بما يؤدي إلى رفع قيمة العملة المحلية إزاء العملات الدولية الأخرى، وهو ما يترتب عليه بدوره إضعاف قدرة القطاعات الإنتاجية على المنافسة سواء في الأسواق الخارجية، أو السوق المحلية؛ حيث يحد ارتفاع سعر صرف العملة المحلية من القدرات التنافسية لمنتجات هذا البلد في السوق الدولية، إضافة إلى أن أسعار الواردات تصبح في الكثير من الحالات أرخص من أسعار المنتج المحلي. وقد سميت هذه الظاهرة بالمرض الهولندي، لأن هذه الخصائص تم رصدها في بداية الأمر في هولندا بعد اكتشافها لكميات كبيرة من الغاز الطبيعي والقيام بتصديرها للخارج، وهو ما أدى بعد فترة وجيزة إلى إضعاف سائر القطاعات الإنتاجية الأخرى، وهي ظاهرة تم رصدها بعد ذلك في عدد كبير من البلدان المصدرة للموارد الطبيعية.
ولذا تساعد سياسة التعقيم وسعر الصرف شبه الثابت كلا من الدولة ورجال الأعمال في دول الخليج على التخطيط للمستقبل مع التخلص من الانعكاسات الضارة للتذبذب في أسعار الصرف على اقتصاديات المشروعات، وقدرة هذه المشروعات على المنافسة محليا وخارجيا.
بعض البلدان الأخرى كمصر مثلا قد تتأثر بالقرار الأمريكي، خاصة مع توقع اتجاه السلطات النقدية فيها إلى خفض أسعار الفائدة قريبا، بعد أن رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة بمقدار 7 بالمئة منذ تعويم سعر صرف العملة في شهر نوفمبر من العام الماضي. وفي هذه الحالة قد تنكمش إلى حد كبير فرصة استمرار إقبال الأجانب بالوتيرة نفسها على الاستثمار في مصر، خاصة في الاستثمار غير المباشر (الاستثمار في الأسهم وأدوات الدين كالسندات وأذون الخزانة).
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة